اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{أَلۡقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٖ} (24)

قوله : { أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ } اختلفوا هل المأمور واحد أو اثنان ؟ فقيل : واحد . وإنما أتى بضمير الاثنين دلالةً على تكرير الفعل كأنه قيل : أَلْقِ أَلْقِ{[52416]} . وقيل : أراد أَلْقِيَنْ بالنون الخفيفة ، فأبدلها ألفاً إجراءً للوصل مُجْرَى الوقف{[52417]} ، ويؤيده قراءة الحسن ( - رضي الله عنه{[52418]} - ) أَلْقِيَنْ بالنون{[52419]} . وقيل : العرب تخاطب الواحد مخاطبةَ الاثنين تأكيداً كقوله :

فَإنْ تَزْجُرَانِي يَا ابْنَ عَفَّانَ أزْدَجِرْ *** وَإنْ تَدَعَانِي أَحْمِ عِرْضاً مُمَنَّعَا{[52420]}

وقال آخر :

فَقُلْتُ لِصَاحِبي : لاَ تَحبسانا *** بِنَزْعِ أُصُولِهِ واجْدَزَّ شِيحَا{[52421]}

وتقول العرب : ويحك{[52422]} ارْجِلاَهَا وازْجُرَاهَا وخُذاها للواحد . قال الفراء : وأصل ذلك أن أدنى أعوانِ الرجل في إبله وغنمه وسفره اثنان فجرى كلام الواحد على صاحبه ، ومنه قولهم في الشعر : خليليَّ{[52423]} . وقال الزجاج : هذا أمر السائق والشهيد{[52424]} . وقيل : للمتلقين .

قوله : { كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ } الكفار يحتمل أن يكون من الكُفْر فيكون بمعنى شديد الكفر لأن الشديد في اللفظ بدل على شدة في المعنى ، ويحتمل أن يكون الكُفْران فهو المنكر نعم الله مع كثرتها . و«العنيدُ » فعيل بمعنى فاعل من عَنِدَ عُنُوداً{[52425]} ، ومنه العِنَادُ{[52426]} . والمعنى عاصٍ معرض عن الحق . قال عكرمة ومجاهد : مجانبٍ للحق ومعاندٍ لله{[52427]} .


[52416]:وهو رأي العكبري في مرجعه السابق ومشكل إعراب القرآن 2/321 وهو رأي المبرد ونقله عنه أبو حيان في البحر 8/126.
[52417]:المرجع السابق.
[52418]:زيادة من (أ).
[52419]:فهو فعل أمر مبنيّ على الفتح لاتصاله بالنون الخفيفة. وانظر المختصر 144 والبحر السابق والكشاف 4/8.
[52420]:نسبه الفراء في المعاني 3/78 لأبي ثروان. وهو من الطويل ورواه: وإن، وانزجر، وروي في أصول القرطبي: تدعواني بدل: تدعاني والرواية الأخيرة هي المشهورة، وإن كانت الأولى لا تخل بوزن البيت. والشاهد في تزجراني وتدعاني فعلان بهما ألف التثنية رغم أن الخطاب للواحد وهو ابن عفان. وقال عن هذا الخليل والأخفش: هذا كلام العرب الفصيح أن تخاطب الواحد بلفظ الاثنين. وقد تقدم.
[52421]:من الوافر ونسب إلى يزيد بن الطّثرية. والصحيح أنه لمضرس بن ربعيّ الأسديّ وروي: لا تحبسنّا بنون التوكيد الشديدة، ولا تحبسني ولنزع واحذر، وأراد بالصاحب من يحتطب له بدليل رواية: وقلت لحاطبي، والجزّ القطع وأصله في الصوف. والشّيح نبات كثير الأنواع طيب الرائحة يقوي طبخ اللحم سريعا. وانظر البيت في معاني الفراء 3/78 وشرح ابن يعيش للمفصل 10/49، وشرح شواهد الشافية 481 وتأويل مشكل القرآن 224 والأشموني 4/332 واللسان جزر ومجمع البيان 9/217 والصحابي 140 والصحاح "جزر". وشاهده كسابقه في مخاطبة ومعاملة المفرد معاملة المثنى في الخطاب. وهذا فصيح.
[52422]:في القرطبي: ويلك.
[52423]:معاني الفراء 3/78.
[52424]:قال: الوجه عندي أن يكون أمر الملكين انظر معاني القرآن وإعرابه له 5/45.
[52425]:قاله الرازي 28/165 و166.
[52426]:القرطبي 17/16- 17.
[52427]:في الرازي: المال الواجب.