محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{أَلۡقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٖ} (24)

{ ألقيا في جهنم كل كفار عنيد 24 } .

{ ألقيا في جهنم كل كفار عنيد } خطاب من الله تعالى للسائق والشهيد ، على أنهما ملكان ، لا ملك جامع للوصفين ، أو لملكين من خزنة النار ، أو لواحد ، وتثنية الفاعل منزل منزلة تثنية الفعل ، وتكريره على أن أصله : ألق ، ألق ، ثم حذف الفعل الثاني ، وأبقي ضميره مع الفعل الأول ، فثنى الضمير للدلالة على ما ذكر . أو الألف بدل من نون التأكيد ، لأنها تبدل ألفا في الوقف ، فأجرى الوصل مجراه –أوجه ذكروها- .

وقال ابن جرير :{[6763]} أخرج الأمر للقرين ، وهو بلفظ واحد ، مَخْرَجَ خطاب الاثنين . وفي ذلك وجهان من التأويل :

أحدهما – أن يكون القرين بمعنى الاثنين ، كالرسول ، والاسم الذي يكون بلفظ الواحد في الواحد والتثنية والجمع . فردّ قوله : { ألقيا } إلى المعنى .

والثاني – أن يكون كما كان بعض أهل العربية يقول . وهو أن العرب تأمر الواحد والجماعة بما تأمر به الاثنين ، فتقول للرجل : ويلك ! ارحلاها ، وازجراها ، كما قال : {[6764]}

فقلت لصاحبي لا تحبسانا *** بنزع أصوله واجترّ شِيحا

وقال أبو ثروان :{[6765]}

فإن تزجراني يا ابن عفان أَنْزَجِرْ*** وإن تدعاني أَحْمِ عِرْضا ممنَّعا

/ وسبب ذلك منهم ، أن الرجل أدنى أعوانه في إبله وغنمه ، اثنان . وكذلك الرفقة أدنى ما تكون ثلاثة ، فجرى كلام الواحد على صاحبيه . ألا ترى الشعراء أكثر شيء قيلا : يا صاحبيّ ، يا خليليّ . انتهى .

و( الكَفَّارُ ) المبالغ في جحده وحدانية الله تعالى ، وما جاء به رسوله صلوات الله عليه . و( العنيد ) المعاند للحق ، وسبيل الهدى ، لا يسمع دليلا في مقابلة كفره . وقد زاد على العناد بوصف : { منّاع للخير معتد مريب 25 } .


[6763]:انظر الصفحة رقم 165 من الجزء السادس والعشرين(طبعة الحلبي الثانية(.
[6764]:البيت لمضرّس بن ربعي الفقعسي.
[6765]:البيت لسويد بن كراع العكليّ. وهو رابع أبيات ثلاثة أولها: تقول ابنة العوفيّ ليلى: ألا ترى إلى ابن كراع لا يزال مفزّعا