وعندما يبلغ السياق هذا المقطع ، بعد تصوير هول العذاب في ذلك اليوم المشهود ؛ وكرامة النعيم للمؤمنين ، وهوان شأن الكافرين . يتجه بالخطاب إلى رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ليدعهم لذلك اليوم ولذلك العذاب ، ويرسم مشهدهم فيه ، وهو مشهد مكروب ذليل :
( فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون . يوم يخرجون من الأجداث سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون ، خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة ، ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون ) . .
وفي هذا الخطاب من تهوين شأنهم ، ومن التهديد لهم ، ما يثير الخوف والترقب . وفي مشهدهم وهيئتهم وحركتهم في ذلك اليوم ما يثير الفزع والتخوف . كما أن في التعبير من التهكم والسخرية ما يناسب اعتزازهم بأنفسهم واغترارهم بمكانتهم . .
فهؤلاء الخارجون من القبور يسرعون الخطى كأنما هم ذاهبون إلى نصب يعبدونه . . وفي هذا التهكم تناسق مع حالهم في الدنيا . لقد كانوا يسارعون إلى الأنصاب في الأعياد ويتجمعون حولها . فها هم أولاء يسارعون اليوم ، ولكن شتان بين يوم ويوم !
أي : يقومون من القبور إذا دعاهم الرب ، تبارك وتعالى ، لموقف الحساب ، ينهضون سراعًا كأنهم إلى نصب يوفضون .
قال ابن عباس ، ومجاهد ، والضحاك : إلى عَلَم يسعون . وقال أبو العالية ، ويحيى بن أبي كثير : إلى غاية يسعون إليها .
وقد قرأ الجمهور : " نَصْب " بفتح النون وإسكان الصاد ، وهو مصدر بمعنى المنصوب . وقرأ الحسن البصري : { نُصُبٍ } بضم النون والصاد ، وهو الصنم ، أي : كأنهم في إسراعهم إلى الموقف كما كانوا في الدنيا يهرولون إلى النصب إذا عاينوه يوفضون ، يبتدرون ، أيهم يستلمه أول . وهذا مروي عن مجاهد ، ويحيى بن أبي كثير ، ومسلم البَطين{[29339]} وقتادة ، والضحاك ، والربيع بن أنس ، وأبي صالح ، وعاصم بن بَهْدَلة ، وابن زيد ، وغيرهم .
وإضافة ( يوم ) إلى ضميرهم لأدنى ملابسة .
وقرأ الجمهور { يلاقوا } بألف بعد اللام من الملاقاة . وقرأه أبو جعفر بدون ألف من اللقاء .
واللقاء : مجاز على كل تقدير : فعلى قراءة الجمهور هو مجاز من جهتين لأن اليوم لا يَلقى ولا يُلقى . وعلى قراءة أبي جعفر هو مجاز من جهة واحدة لأن اللقاء إنما يقع بين الذَّوات .
و { يوم يخرجون من الأجداث } بدل من { يومَهم } ليس ظرفاً .
والخروج : بروز أجسادهم من الأرض .
وقرأ الجمهور { يخرجون } بفتح التحتية على البناء للفاعل . وقرأه أبو بكر عن عاصم بضمها على البناء للمفعول .
و { الأجداث } : جمع جدث بفتحتين وهو القبر ، والقبر : حفير يجعل لمواراة الميت .
وضمير { يخرجون } عائد إلى المشركين المخبر عنه بالأخبار السابقة . وجميعهم قد دفنوا في قبور أو وضعوا في قليب بدر .
والنَّصْب بفتح فسكون : الصنم ، ويقال : نُصُب بضمتين ، ووجه تسميته نصباً أنه ينصب للعبادة ، قال الأعشى :
وذا النُصُبَ المنصوبَ لا تنسكنه *** ولا تعبد الشيطان والله فاعبدا
و { يوفِضون } مضارع أوفض ، إذا أسرع وعدا في سيره ، أي كأنهم ذاهبون إلى صنم ، شُبه إسراعهم يوم القيامة إلى الحشر بإسراعهم في الدنيا إلى الأصنام لزيارتها لأن لهذا الإِسراع اختصاصاً بهم ، وفي هذا التشبيه إدماج لتفظيع حالهم في عبادة الأصنام وإيماء إلى أن إسراعهم يوم القيامة إسراع دعَ ، ودفع جزاء على إسراعهم للأصنام .
وقرأ الجمهور { نَصْب } بفتح النون وسكون الصاد . وقرأه ابن عامر وحفص عن عاصم بضم النون والصاد .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.