في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَأَقۡسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَيۡمَٰنِهِمۡ لَا يَبۡعَثُ ٱللَّهُ مَن يَمُوتُۚ بَلَىٰ وَعۡدًا عَلَيۡهِ حَقّٗا وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ} (38)

22

ومقولة ثالثة من مقولات المنكرين المستكبرين :

( وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت . بلى . وعدا عليه حقا ، ولكن أكثر الناس لا يعلمون . ليبين لهم الذي يختلفون فيه ، وليعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين . إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له : كن . فيكون ) . .

ولقد كانت قضية البعث دائما هي مشكلة العقيدة عند كثير من الأقوام منذ أن أرسل الله رسله للناس ، يأمرونهم بالمعروف وينهونهم عن المنكر ، ويخوفونهم حساب الله يوم البعث والحساب

وهؤلاء المشركون من قريش أقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت ! فهم يقرون بوجود الله ولكنهم ينفون عنه بعث الموتى من القبور . يرون هذا البعث أمرا عسيرا بعد الموت والبلى وتفرق الأشلاء والذرات !

وغفلوا عن معجزة الحياة الأولى . . وغفلوا عن طبيعة القدرة الإلهية ، وأنها لا تقاس إلى تصورات البشر وطاقاتهم . وأن إيجاد شيء لا يكلف تلك القدرة شيئا ؛ فيكفي أن تتوجه الإرادة إلى كون الشيء ليكون .

وغفلوا كذلك عن حكمة الله في البعث . وهذه الدنيا لا يبلغ أمر فيها تمامه . فالناس يختلفون حول الحق والباطل ، والهدى والضلال ، والخير والشر . وقد لا يفصل بينهم فيما يختلفون فيه في هذه الأرض لأن إرادة الله شاءت أن يمتد ببعضهم الأجل ، وألا يحل بهم عذابه الفاصل في هذه الديار . حتى يتم الجزاء في الآخرة ويبلغ كل أمر تمامه هناك .

والسياق يرد على تلك المقولة الكافرة ، ويكشف ما يحيط بها في نفوس القوم من شبهات فيبدأ بالتقرير : ( بلى . وعدا عليه حقا ) ومتى وعد الله فقد كان ما وعد به لا يتخلف بحال من الأحوال ( ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) حقيقة وعد الله .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَأَقۡسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَيۡمَٰنِهِمۡ لَا يَبۡعَثُ ٱللَّهُ مَن يَمُوتُۚ بَلَىٰ وَعۡدًا عَلَيۡهِ حَقّٗا وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ} (38)

يقول تعالى مخبرا عن المشركين : أنهم حلفوا فأقسموا { بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ } أي : اجتهدوا في الحلف وغلظوا الأيمان على أنه { لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ } أي : استبعدوا ذلك ، فكذبوا{[16439]} الرسل في إخبارهم لهم بذلك ، وحلفوا على نقيضه . فقال تعالى مكذبا لهم وردا عليهم : { بَلَى } أي : بلى سيكون ذلك ، { وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا }{[16440]} أي : لا بد منه ، { وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ } أي : فَلِجَهْلهم{[16441]} يخالفون الرسل ويقعون في الكفر .


[16439]:في ت، ف، أ: "وكذبوا".
[16440]:في أ: "عليهم" وهو خطأ.
[16441]:في أ: "فبجهلهم".
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَأَقۡسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَيۡمَٰنِهِمۡ لَا يَبۡعَثُ ٱللَّهُ مَن يَمُوتُۚ بَلَىٰ وَعۡدًا عَلَيۡهِ حَقّٗا وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ} (38)

والضمير في قوله { وأقسموا } لكفار قريش ، وذكر أن رجلاً من المسلمين حاور رجلاً من المشركين ، فقال في حديثه : لا والذي أرجوه بعد الموت ، فقال له الكافر أونبعث بعد الموت ؟ قال : نعم ، فأقسم الكافر مجتهداً في يمينه أن الله لا يبعث أحداً بعد الموت ، فنزلت الآية بسبب ذلك ، و { جَهْدُ } مصدر ومعناه فغاية جهدهم ، ثم رد الله تعالى عليهم بقوله تعلى { بلى } فأوجب بذلك البعث ، وقوله { وعداً عليه حقاً } مصدران مؤكدان ، وقرأ الضحاك «بلى وعدٌ عليه حقٌ » بالرفع في المصدرين{[7301]} ، و { أكثر الناس } في هذه الآية الكفار المكذبون بالبعث .

قال القاضي أبو محمد : والبعث من القبور مما يجوزه العقل ، وأثبته خبر الشريعة على لسان جميع النبيين ، وقال بعض الشيعة إن الإشارة بهذه الآية إنما هي لعلي بن أبي طالب ، وإن الله سيبعثه في الدنيا ، وهذا هو القول بالرجعة ، وقولهم هذا باطل وافتراء على الله وبهتان من القول رده ابن عباس وغيره .


[7301]:وعلى هذا تكون [وعد] خبر لمبتدإ محذوف، والتقدير: بعثهم وعد عليه حق، و [حق] صفة ل [وعد].