اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَأَقۡسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَيۡمَٰنِهِمۡ لَا يَبۡعَثُ ٱللَّهُ مَن يَمُوتُۚ بَلَىٰ وَعۡدًا عَلَيۡهِ حَقّٗا وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ} (38)

قوله : { وَأَقْسَمُواْ بالله جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ } الآية هذه شبهة رابعة لمنكري النبوة ، وهو قولهم : بأنَّ الحشر ، والنشر ، باطلٌ ، لأن هذه البِنْيَة إذا مات صاحبها ، وتفرقت أجزاؤه ، امتنع عوده بعينه ، وإذا بطل القول بالبعث ، بطل القول بالنبوة من وجهين :

الأول : أن النبي صلى الله عليه وسلم يدعو إلى تقرير القول بالمعاد ، وهو باطل ؛ فيكون داعياً إلى الباطل ؛ ومن كان كذلك لم يكن رسولاً .

والثاني : أنه يقرر نبوة نفسه ، ووجوب طاعته ؛ بناء على الترغيب في الثواب والترهيب من العقاب ، وإذا بطل ذلك ، بطلت نبوته .

فقوله : { وَأَقْسَمُواْ بالله جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ الله مَن يَمُوتُ } .

معناه : أنهم كانوا يدعون العلم الضروريَّ بأن الشيء إذا فني وعدم ، فإنه لا يعود بعينه ، وأن عوده بعينه محال في بديهة العقل .

وأمَّا بيان أنَّه لما أبطل القول بالبعث بطل القول بالنبوة ، فلم يصرِّحوا به ، فتركوه ، لأنَّه كلام متبادر إلى العقول ، ثمَّ إنه تعالى بيَّن أنَّ القول بالبعث ممكن ؛ فقال : " بَلَى وعْداً عليْهِ حَقًّا " أي حق على الله التمييز بين المطيع ، والعاصي ، وبين المحق ، والمبطل ، وبين المظلوم ، والظالم ؛ وهو قوله تعالى :