تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{وَأَقۡسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَيۡمَٰنِهِمۡ لَا يَبۡعَثُ ٱللَّهُ مَن يَمُوتُۚ بَلَىٰ وَعۡدًا عَلَيۡهِ حَقّٗا وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ} (38)

{ وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت بلى وعدا عليه حقا ولكن أكثر الناس لا يعلمون38 ليبين لهم الذي يختلفون فيه وليعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين39 إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون40 } .

المفردات :

جهد أيمانهم : الجهد ، بفتح الجيم : المشقة . وبضمها : الطاقة ، وجهد أيمانهم ، أي : غاية اجتهادهم فيها ، وجهد مفعول مطلق لفعل مقدر تقديره : أقسموا بالله يجهدون جهدا .

لا يبعث الله من يموت : أي : لا يحييه بعد الموت .

بلى : كلمة جواب كنعم ؛ لكنها لا تقع إلا بعد النفي ، فتثبت ما بعده .

وعدا عليه حقا : أي : وعد ذلك وعدا عليه حقا ، أي : ثابتا لا شك فيه .

38

التفسير :

38 { وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت } .

سبب النزول :

أخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم : عن أبي العالية قال : كان لرجل من المسلمين ، على رجل من المشركين دين ، فأتاه يتقاضاه ، فكان فيما تكلم به : والذي أرجوه بعد الموت ، إنه لكذا وكذا ؛ فقال له المشرك : إنك لتزعم أنك تبعث بعد الموت ، وأقسم جهد يمينه لا يبعث الله من يموت ، فأنزل الله : { وأقسموا جهد أيمانهم . . . }الآية .

وروى البخاري : عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( قال الله تعالى : كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك ، وشتمني ولم يكن له ذلك ، فأما تكذيبه إياي ، فقوله : لن يعيدني كما بدأني ، وأما شتمه إياي فقوله : اتخذ الله ولدا ، وأنا الأحد الصمد ، لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفؤا أحد )26 .

ومعنى الآية : { وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت . . . } .

أنهم أقسموا بالله ، واجتهدوا في الحلف وأغلظوا في الأيمان : أنه لا يقع بعث بعد الموت ، وهذا استبعاد منهم لحصوله ، من جراء أن الميت يغنى ويعدم ، والبعث إعادة له بعد ما رمّ وبلى وصار ترابا .

قال القرطبي : وهذا تعجيب من صنعهم ، إذ أقسموا بالله ، وبالغوا في تغليظ اليمين : بأن الله لا يبعث من يموت .

{ بلى وعدا عليه حقا ولكن أكثر الناس لا يعلمون } . أي : بلى سيبعث الله الأموات بعد مماتهم ، وقد وعد ذلك وعدا حقا ، لابد منه ، ولا خلف فيه .

{ ولكن أكثر الناس لا يعلمون } هذه الحقيقة ؛ لجهلهم بكمال قدرة الله تعالى ، وعموم علمه ، ونفاذ إرادته وسموّ حكمته ، والمراد بأكثر الناس : المشركون ، ومن كان على شاكلتهم ، في إنكار البعث والحساب ، والثواب والعقاب يوم القيامة .

وفي التخصيص على أكثر الناس ؛ مدح للأقلية منهم ، الذين آمنوا بالبعث وبالآخرة ، وما فيها من حساب وجزاء ، وهم المؤمنون الصادقون .