الآية : 38 وقوله تعالى : { وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت } فإن قيل لنا : ما الحكمة والفائدة في ذكر قسمهم الذي في القرآن وجعل ذلك آية تتلى ، وذلك القسم الذي أقسموا كان بحضرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه ، وهم علموا ذلك ، ( ليس كالأنباء ){[10154]} والقصص التي كانت من قبل ؛ إذ كان ذلك شيئا{[10155]} غاب عنه لم يشهده ، فأخبرهم على ما كان ففي ذلك إثبات رسالته ونبوته ؛ فالحكمة والفائدة في القرآن ، وجعلها آيات تتلى ليعلم انه إنما عرف ذلك بالله تعالى .
وأما القسم الذي أقسموا ليس فيه ما ذكرنا من إثبات الرسالة ، وهم قد علموا ذلك ، فما الفائدة في ذكره ؟
قيل : يشبه أن يكون ذكره لنا عز وجل لنعلم نحن عظيم سفه أولئك وقلة عقولهم وحلم الرسول واحتمال ما احتمل منهم من الأذى والمكروه لنعلم نحن أن كيف نعامل السفهاء وأهل الفساد والعصاة من الناس على ما عامل رسل الله أقوامهم مع عظيم سفههم وقلة عقولهم{[10156]} ، فهذا دليل{[10157]} فائدة ذكر قسمهم في القرآن .
قد تكلف أولئك الكفرة الكبراء منهم في تلبيس الآيات والحجج التي أتت بها الرسل مرة بالقسم الذي ذكر حين{[10158]} { وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا } يبعثون ، ومرة بالنسبة إلى السحر ، ومرة بالافتراء ، ومرة بالنسبة إلى الجنون ، وفي الأنباء بأنه إنما يعلمه بشر منهم{[10159]} . يريدون بذلك التلبيس على الأتباع .
ثم البعث واجب بالعقل والحكمة وأخبار الرسل ؛ إذ ليس خبر أصدق من أخبار الرسل وآثارهم ، وهم من يقبلون الأخبار ، فأخبار الرسل أولى بالقبول والتصديق من غيرهم{[10160]} لأن معهم آيات صدقهم ودلالات تحقيقهم .
وأما العقل فهو أن يكون هذا العالم وإنشاءه للفناء خاصة خارجا {[10161]} عن الحكمة ؛ إذ كل عمل ، لا يكون له عاقبة ، عبث ، وهو كما قال : { أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون } ( المؤمنون : 115 ) أخبر أنه إذا لم يكن رجوع إليه يكون خلقه إياهم عبثا .
وأما الحكمة فهي أن الانتقام لأوليائه من الظلمة واجب بظلمهم ، والإحسان لأهل الإحسان . فلو لم يكن البعث{[10162]} والحياة بعد الموت لينتقم من الظالم لظلمه ، ويجزي المحسن لإحسانه لذهبت فائدة الترغيب على الطاعة والإحسان ووعيد الظالم بالانتقام .
فالبعث واجب للوجوه التي ذكرنا ، وكذلك{[10163]} التفريق بين الأولياء والأعداء ، وقد جمعهم في هذه الدنيا ، وفي الحكمة التفريق بينهما تعظيما وإجلالا ، إنما كانوا يقسمون بالأصنام والأوثان التي عبدوها . فإذا حلفوا بالله ( لا يحلفون ){[10164]} إلا لما يعظهم من الأمر . فذلك جهد أيمانهم .
وقوله تعالى : { بلى وعدا عليه حقا } قوله : { بلى } رد على قولهم : { لا يبعث الله من يموت } فقال : { بلى } يبعث .
وقوله تعالى : { وعدا عليه حقا } يحتمل : { وعدا } أي وعدا به يبعثهم ، فحق عليه أن ينجز ما وعد ، و{ حقا } عليه أن يعد البعث والإنجاز له ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { ولكن أكثر الناس لا يعلمون } وهذا يحتمل وجهين :
أحدهما : أنه نفى عنهم العلم لما لم ينتفعوا بعلمهم ؛ فهو كما نفى عنهم السمع والبصر وغيرهما من الحواس لما لم ينتفعوا بها انتفاع ما لذلك كان خلقها ، فنفى عنهم ذلك
والثاني : نفى عنهم ذلك على حقيقة النفي ، لأنهم لم ينظروا ، ولم يتأملوا في الآيات والأسباب التي بها جعل لهم الوصول إلى العلم ، فلم يعلموا . ثم لم يعذرهم / 285 – أ / بجهلهم ذلك لما جعل لهم سبيل الوصول إلى علم ذلك بالنظر والتأمل في الآيات والحجج . لكنهم شغلوا أنفسهم في غيرها ، ولم ينظروا في الأسباب التي جعلها سبيل الوصول إليه . فهذا يدل أن من جهل أمر الله ونهيه يكن{[10165]} مؤاخذا به بعد أن جعل له الوصول إليه بالدلائل والإشارات ، فلا تخرج مؤاخذته إياه وعقوبته بترك أمره عن الحكمة .
وأما في الشاهد من أمر عبده{[10166]} شيئا ، ولم يعلمه ما أمره ، ثم عاقبه بذلك فهو خارج عن الحكمة ؛ إذ لا سبيل إلى الوصول ( إلى ما ){[10167]} أمر به إلا بالتصريح ، ولم يكن منه تصريح إعلام ، لذلك كان ما ذكر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.