السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَأَقۡسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَيۡمَٰنِهِمۡ لَا يَبۡعَثُ ٱللَّهُ مَن يَمُوتُۚ بَلَىٰ وَعۡدًا عَلَيۡهِ حَقّٗا وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ} (38)

ثم حكى الله عن هؤلاء القوم أنهم ينكرون الحشر والنشر بقوله : { وأقسموا بالله جهد أيمانهم } أي : غاية اجتهادهم فيها { لا يبعث الله من يموت } وذلك أنهم قالوا : إنّ الإنسان ليس هو إلا هذه البنية المخصوصة فإذا مات وتفرّقت أجزاؤه وبلى امتنع عوده بعينه ؛ لأنّ الشيء إذا عدم فقد فني ، ولم يبق له ذات ولا حقيقة بعد فنائه وعدمه ، فكذبهم الله تعالى في قولهم بقوله تعالى : { بلى } أي : يبعثهم بعد الموت فإنّ لفظة بلى إثبات لما بعد النفي والجواب عن شبهتهم أنّ الله تعالى خلق الإنسان وأوجده من العدم ، ولم يكن شيئاً فالذي أوجده ولم يكن شيئاً قادر على إيجاده بعد إعدامه لأنّ النشأة الثانية أهون من الأولى ، وقوله تعالى : { وعداً عليه حقاً } مصدران مؤكدان منصوبان بفعلهما المقدّر ، أي : وعد ذلك وعداً وحقه حقاً . { ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون } ذلك ، أي : لا علم لهم يوصلهم لذلك لأنه من عالم الغيب ، لا يمكن عقولهم الوصول إليه بغير إرشاد من الله تعالى ولا هم يقبلون أقوال الدعاة إليه الذين أيدهم الله بروح منه لتقيدهم بما يوصل إلى عقولهم أنها قاصرة على عالم الشهادة لا يمكنها الترقي منه إلى عالم الغيب بغير واسطة منه سبحانه وتعالى ، فلذلك ترى الإنسان منهم يأبى ذلك استبعاداً وهو خصيم مبين .