في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَوۡمَ يَرَوۡنَ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةَ لَا بُشۡرَىٰ يَوۡمَئِذٖ لِّلۡمُجۡرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجۡرٗا مَّحۡجُورٗا} (22)

21

ثم يسخر منهم بصدق وحق ، إذ يطلعهم على الهول الذي ينتظرهم يوم يرون الملائكة - ورؤية الملائكة هي أقل الطلبين تطاولا - فإنهم لا يرون الملائكة إلا في يوم عصيب هائل ، ينتظرهم فيه العذاب الذي لا طاقة لهم به ، ولا نجاة لهم منه . ذلك هو يوم الحساب والعقاب :

( يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين . ويقولون : حجرا محجورا . وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا ) . .

يوم يتحقق اقتراحهم الذي اقترحوه : ( يوم يرون الملائكة )يومئذ لا يبشر المجرمون ولكن يعذبون . فيالها من استجابة لما يقولون ! يومئذ يقولون : ( حجرا محجورا )أي حراما محرما . وهي جملة اتقاء للشر وللأعداء كانوا يقولونها استبعادا لأعدائهم وتحرزا من أذاهم . وهي تجري في ذلك اليوم على ألسنتهم بحكم العادة من الذهول حين يفاجأون . ولكن أين هم اليوم مما كانوا يقولون ! إن الدعاء لا يعصمهم ولا يمنعهم :

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{يَوۡمَ يَرَوۡنَ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةَ لَا بُشۡرَىٰ يَوۡمَئِذٖ لِّلۡمُجۡرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجۡرٗا مَّحۡجُورٗا} (22)

وقوله : { يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا } أي : هم لا يرون الملائكة في يوم خير لهم ، بل يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ لهم{[21447]} ، وذلك يَصْدُق على وقت الاحتضار حين تبشرهم الملائكة بالنار وغضب الجبار ، فتقول الملائكة للكافر عند خروج روحه : اخرجي أيتها النفس الخبيثة في الجسد الخبيث ، اخرجي إلى سَموم وحَميم ، وظلِّ من يحموم . فتأبى الخروج وتتفرق في البدن{[21448]} ، فيضربونه ، كما قال الله تعالى : { وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ } [ الأنفال : 50 ] . وقال : { وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ } أي : بالضرب ، { أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ } [ الأنعام : 93 ] ؛ ولهذا قال في هذه الآية الكريمة : { يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ } ، وهذا بخلاف حال المؤمنين في وقت احتضارهم ، فإنهم يبشرون بالخيرات ، وحصول المسرات . قال الله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنزلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ نُزُلا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ } [ فصلت : 30 - 31 ] .

وفي الحديث الصحيح عن البراء بن عازب : أن الملائكة تقول لروح المؤمن : " اخرجي أيتها النفس الطيبة{[21449]} في الجسد الطيب ، كنت تعمرينه ، اخرجي إلى روح وريحان ورب غير غضبان " . وقد تقدم الحديث في سورة " إبراهيم " {[21450]} عند قوله تعالى : { يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ } [ إبراهيم : 27 ] .

وقال آخرون : بل المراد بقوله : { يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ } يعني : يوم القيامة . قاله مجاهد ، والضحاك ؛ وغيرهما .

ولا منافاة بين هذا وبين ما تقدم ، فإن الملائكة في هذين اليومين يوم الممات ويوم المعاد تتجلى للمؤمنين وللكافرين ، فتبشر المؤمنين بالرحمة والرضوان ، وتخبر الكافرين بالخيبة والخسران ، فلا بشرى يومئذ للمجرمين .

{ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا } أي : وتقول الملائكة للكافرين حَرَام محرم عليكم الفلاح اليوم .

وأصل " الحجر " : المنع ، ومنه يقال : حَجَر القاضي على فلان ، إذا منعه التصرف إما لسفَه ، أو فَلَس ، أو صغر ، أو نحو ذلك . ومنه سمي " الحجْر " عند البيت الحرام ؛ لأنه يمنع الطُوَّاف أن يطوفوا فيه{[21451]} ، وإنما يطاف من ورائه . ومنه يقال للعقل " حجر " {[21452]} ؛ لأنه يمنع صاحبه عن تعاطي ما لا يليق .

والغرض أن الضمير في قوله : { وَيَقُولُونَ } عائد على الملائكة . هذا قول مجاهد ، وعكرمة ، والضحاك ، والحسن ، وقتادة ، وعطية العوفي ، وعطاء الخراساني ، وخُصَيف ، وغير واحد . واختاره ابن جرير{[21453]} .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو نعيم ، حدثنا موسى - يعني ابن قيس - عن عطية العوفي ، عن أبي سعيد الخدري : { وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا } قال : حراما مُحَرّما أن يُبَشَّر بما يبشر به المتقون .

وقد حكى ابن جرير ، عن ابن جُرَيْج أنه قال : ذلك من كلام المشركين : { يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ } ، [ أي : يتعوذون من الملائكة ؛ وذلك أن العرب كانوا إذا نزل بأحدهم نازلة أو شدة ]{[21454]} يقولون : { حِجْرًا مَحْجُورًا } .

وهذا القول - وإن كان له مأخذ ووجه - ولكنه بالنسبة إلى السياق في الآية بعيد ، لا سيما قد نص الجمهور على خلافه . ولكن قد روى ابنُ أبي نَجِيح ، عن مجاهد ؛ أنه قال في قوله : { حِجْرًا مَحْجُورًا } أي : عوذاً معاذاً . فيحتمل{[21455]} أنه أراد ما ذكره ابن جريج . ولكن في رواية ابن أبي حاتم ، عن ابن أبي نَجِيح ، عن مجاهد أنه قال : { حِجْرًا مَحْجُورًا } [ أي ] :{[21456]} عوذا معاذا ، الملائكة تقُوله . فالله{[21457]} أعلم .


[21447]:- في ف ، أ : "للمجرمين".
[21448]:- في أ : "الجسد".
[21449]:- في ف ، أ : "المطمئنة".
[21450]:- عند الآية : 27.
[21451]:- في ف : "به".
[21452]:- في أ : "حجرا".
[21453]:- تفسير الطبري (19/2).
[21454]:- زيادة من ف ، أ.
[21455]:- في ف ، أ : "فيحمل".
[21456]:- زيادة من أ.
[21457]:- في أ : "والله".
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يَوۡمَ يَرَوۡنَ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةَ لَا بُشۡرَىٰ يَوۡمَئِذٖ لِّلۡمُجۡرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجۡرٗا مَّحۡجُورٗا} (22)

المعنى في هذه الآية أن الكفار لما قالوا { لولا أُنزل علينا الملائكة } [ الفرقان : 21 ] ، أخبر الله تعالى أنهم { يوم يرون الملائكة } إنما هو يوم القيامة ، وقد كان أول الآية يحتمل أن يريد يوم تفيض أرواحهم ، لكن آخرها يقتضي أن الإشارة إلى يوم القيامة ، وأمر العوامل في هذه الظروف بين إذا تأمل فاختصرناه لذلك ، ومعنى هذه الآية أن هؤلاء الذين تمنّوا نزول الملائكة لا يعرفون ما قدر الله في ذلك فإنهم { يوم يرون الملائكة } هو شر لهم و { لا بشرى } لهم بل لهم الخسار ولقاء المكروه و { يومئذ } ، خبر { لا بشرى } لأن الظروف تكون إخباراً عن المصادر .

الضمير في قوله { ويقولون } ، قال الحسن وقتادة والضحاك ومجاهد هو ل { لملائكة } ، المعنى وتقول الملائكة للمجرمين { حجراً محجوراً } عليكم البشرى ، أي حراماً محرماً . والحجر الحرم ومنه قول المتلمس جرير بن عبد المسيح : [ البسيط ] .

حنت إلى النخلة القصوى فقلت لها . . . حجر حرام الا تلك الدهاريس{[8807]}

وقال مجاهد أيضاً وابن جريج إن الضمير في قوله { ويقولون } هو للكفار المجرمين قال ابن جريج كانت العرب إذا كرهوا شيئاً قالوا حجراً ، قال مجاهد { حجراً } عوذاً ، يستعيذون من الملائكة{[8808]} .

قال الفقيه الإمام القاضي : ويحتمل أن يكون المعنى ويقولون حرام محرم علينا العفو ، وقد ذكر أبو عبيدة أن هاتين اللفظتين عوذة للعرب يقولها من خاف آخر في الحرم أو في شهر حرام إذا لقيه وبينهما ترة .

قال الفقيه الإمام القاضي : وهذا المعنى هو مقصد بيت المتلمس الذي تقدّم ، أي هذا الذي حننت إليه ممنوع . وقرأ الحسن وأبو رجاء «حُجراً » بضم الحاء ، والناس على كسرها .


[8807]:جرير بن عبد المسيح عرف باسم المتلمس، والبيت من شواهد أبي عبيدة في مجاز القرآن، وهو في (اللسان- دهرس)، والرواية فيه: (حجت) بدلا من (حنت)، وحنت: اشتاقت، والنخلة القصوى: موضع على ليلة من مكة، وحجر (بالحاء المثلثة): حرام، والدهاريس: الدواهي واحدها دهرس (بكسر الدال وضمها). والضمير في (حنت) يعود على ناقته، يقول لها بعد أن حنت إلى تلك النخلة: ممنوع عليك تلك الأماكن. وفي معجم البكري روي البيت: (بسل عليك) بدلا من (حجر حرام)، والمعنى واحد
[8808]:قال الليث: "ظنوا أن ذلك ينفعهم كفعلهم في الدنيا".