أما السياق القرآني فيمضي في معالجة النفوس البشرية ؛ التي تواجه مشاق الهجرة ومتاعبها ومخاوفها ؛ وتشفق من التعرض لها . وقد عالجها في الآيات السابقة بذلك المشهد المثير للاشمئزاز والخوف معا . فهو يعالجها بعد ذلك ببث عوامل الطمأنينة - سواء وصل المهاجر إلى وجهته أو مات في طريقه - في حالة الهجرة في سبيل الله ، وبضمان الله للمهاجر منذ ان يخرج من بيته مهاجرا في سبيله . ووعده بالسعة والمتنفس في الأرض والمنطلق ، فلا تضيق به الشعاب والفجاج :
( ومن يهاجر - في سبيل الله - يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة . ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله - ثم يدركه الموت - فقد وقع أجره على الله . وكان الله غفورا رحيما ) . .
إن المنهج الرباني القرآني يعالج في هذه الآية مخاوف النفس المتنوعة ؛ وهي تواجه مخاطر الهجرة ؛ في مثل تلك الظروف التي كانت قائمة ؛ والتي قد تتكرر بذاتها أو بما يشابهها من المخاوف في كل حين .
وهو يعالج هذه النفس في وضوح وفصاحة ؛ فلا يكتم عنها شيئا من المخاوف ؛ ولا يداري عنها شيئا من الأخطار - بما في ذلك خطر الموت - ولكنه يسكب فيها الطمأنينة بحقائق أخرى وبضمانة الله سبحانه وتعالى . .
فهو أولا يحدد الهجرة بأنها ( في سبيل الله ) . . وهذه هي الهجرة المعتبرة في الإسلام . فليست هجرة للثراء ، أو هجرة للنجاة من المتاعب ، أو هجرة للذائذ والشهوات ، أو هجرة لأي عرض من أعراض الحياة . ومن يهاجر هذه الهجرة - في سبيل الله - يجد في الأرض فسحة ومنطلقا فلا تضيق به الأرض ، ولا يعدم الحيلة والوسيلة . للنجاة وللرزق والحياة :
( ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة ) . .
وإنما هو ضعف النفس وحرصها وشحها ؛ يخيل إليها أن وسائل الحياة والرزق ، مرهونة بأرض ، ومقيدة بظروف ، ومرتبطة بملابسات لو فارقتها لم تجد للحياة سبيلا .
وهذا التصور الكاذب لحقيقة أسباب الرزق وأسباب الحياة والنجاة ؛ هو الذي يجعل النفوس تقبل الذل والضيم ، وتسكت على الفتنة في الدين ؛ ثم تتعرض لذلك المصير البائس . مصير الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم . والله يقرر الحقيقة الموعودة لمن يهاجر في سبيل الله . . إنه سيجد في أرض الله منطلقا وسيجد فيها سعة . وسيجد الله في كل مكان يذهب إليه ، يحييه ويرزقه وينجيه . .
ولكن الأجل قد يوافي في أثناء الرحلة والهجرة في سبيل الله . . والموت - كما تقدم في سياق السورة - لا علاقة له بالأسباب الظاهرة ؛ إنما هو حتم محتوم عندما يحين الأجل المرسوم . وسواء أقام أم هاجر ، فإن الأجل لا يستقدم ولا يستأخر .
غير أن النفس البشرية لها تصوراتها ولها تأثراتها بالملابسات الظاهرة . . والمنهج يراعي هذا ويعالجه . فيعطي ضمانة الله بوقوع الأجر على الله منذ الخطوة الأولى من البيت في الهجرة إلى الله ورسوله :
( ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله - ثم يدركه الموت - فقد وقع أجره على الله )
أجره كله . أجر الهجرة والرحلة والوصول إلى دار الإسلام والحياة في دار الإسلام . . فماذا بعد ضمان الله من ضمان ؟
ومع ضمانة الأجر التلويح بالمغفرة للذنوب والرحمة في الحساب . وهذا فوق الصفقة الأولى .
إنها صفقة رابحة دون شك . يقبض فيها المهاجر الثمن كله منذ الخطوة الأولى - خطوة الخروج من البيت مهاجرا إلى الله ورسوله - والموت هو الموت . في موعده الذي لا يتأخر . والذي لا علاقة له بهجرة أو إقامة . ولو أقام المهاجر ولم يخرج من بيته لجاءه الموت في موعده . ولخسر الصفقة الرابحة . فلا أجر ولا مغفرة ولا رحمة . بل هنالك الملائكة تتوفاه ظالما لنفسه !
وشتان بين صفقة وصفقة ! وشتان بين مصير ومصير !
ويخلص لنا من هذه الآيات التي استعرضناها من هذا الدرس - إلى هذا الموضع - عدة اعتبارات ، نجملها قبل أن نعبر إلى بقية الدرس وبقية ما فيه من موضوعات .
يخلص لنا منها مدى كراهية الإسلام للقعود عن الجهاد في سبيل الله ؛ والقعود عن الانضمام للصف المسلم المجاهد . . اللهم إلا من عذرهم الله من أولي الضرر ، ومن العاجزين عن الهجرة لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا . .
وقوله : { وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً } هذا تحريض على الهجرة ، وترغيب في مفارقة المشركين ، وأن المؤمن حيثما ذهب وجد عنهم مندوحة وملجأ يتحصن فيه ، و " المراغم " مصدر ، تقول العرب : راغم فلان قومه مراغما ومراغمة ، قال نابغة{[8153]} بني جعدة{[8154]} :
كَطَوْدٍ يُلاذُ بأرْكَانِه *** عَزيز المُرَاغَم وَالْمَهْربِ
وقال ابن عباس : " المراغَم " : التحول من أرض إلى أرض . وكذا رُوي عن الضحاك والربيع بن أنس ، الثوري ، وقال مجاهد : { مُرَاغَمًا كَثِيرًا } يعني : متزحزحا عما يكره . وقال سفيان بن عيينة : { مُرَاغَمًا كَثِيرًا } يعني : بروجا .
والظاهر - والله أعلم - أنه{[8155]} التمنّع الذي يُتَحصَّن به ، ويراغم به الأعداء .
قوله : { وَسَعَةً } يعني : الرزق . قاله غير واحد ، منهم : قتادة ، حيث قال في قوله : { يَجِدْ فِي الأرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً } إي ، والله ، من الضلالة إلى الهدى ، ومن القلة إلى الغنى .
وقوله : { وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ } أي : ومن خرج من منزله بنية الهجرة ، فمات في أثناء الطريق ، فقد حصل له من{[8156]} الله ثواب من هاجر ، كما ثبت في الصحيحين وغيرهما من الصحاح والمسانيد والسنن ، من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري{[8157]} عن محمد بن إبراهيم التيمي ، عن علقمة بن وَقّاص الليثي ، عن عمر بن الخطاب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى ، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله ، فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها ، أو امرأة يتزوجها ، فهجرته إلى ما هاجر إليه " {[8158]} .
وهذا عام في الهجرة وفي كل الأعمال . ومنه الحديث الثابت في الصحيحين{[8159]} في الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نَفْسًا . ثم أكمل بذلك العابد المائة ، ثم سأل عالما : هل له من توبة ؟ فقال : ومن يَحُول بينك وبين التوبة ؟ ثم أرشده إلى أن يتحول من بلده إلى بلد آخر يعبد الله فيه ، فلما ارتحل من بلده مهاجرا إلى البلد الآخر ، أدركه الموت في أثناء الطريق ، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ، فقال هؤلاء : إنه جاء تائبا . وقال هؤلاء : إنه لم يَصِلْ بَعْدُ . فأمروا أن يقيسوا ما بين الأرضين فإلى أيتهما{[8160]} كان أقرب كان{[8161]} منها ، فأمر الله هذه أن يُقرب{[8162]} من هذه ، وهذه أن تبعد{[8163]} فوجدوه أقرب إلى الأرض التي هاجر إليها بِشِبْر ، فقبضته ملائكة الرحمة . وفي رواية : أنه لما جاءه
الموت ناء بصدره إلى الأرض{[8164]} التي هاجر إليها .
وقال الإمام أحمد : حدثنا يزيد بن هارون ، حدثنا محمد بن إسحاق ، عن محمد بن إبراهيم ، عن محمد بن عبد الله بن عَتِيك ، عن أبيه عبد الله بن عَتِيك قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من خرج من بيته مهاجرا{[8165]} في سبيل الله - ثم قال بأصابعه هؤلاء الثلاث : الوسطى والسبابة والإبهام ، فجمعهن وقال : وأين المجاهدون - ؟ فخرَّ عن دابته فمات فقد وقع أجره على الله ، أو لدغته دابة فمات ، فقد وقع أجره على الله أو مات حَتْف أنفه ، فقد وقع أجره على الله - والله ! إنها لكلمة ما سمعتها من أحد من العرب قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم - ومن قتل قَعْصًا{[8166]} فقد استوجب المآب{[8167]} .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زُرْعَة ، حدثنا عبد الرحمن بن عبد الملك بن شيبة الحزامي{[8168]} حدثني عبد الرحمن بن المغيرة الحزامي{[8169]} عن المنذر بن عبد الله ، عن هشام بن عُرْوَة ، عن أبيه ؛ أن الزبير بن العوام قال : هاجر خالد بن حِزَام{[8170]} إلى أرض الحبشة ، فنهشته حية في الطريق فمات ، فنزلت فيه : { وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا } قال الزبير : فكنت أتوقعه وأنتظر قدومه وأنا بأرض الحبشة ، فما أحزنني شيء حزن وفاته حين بلغني ؛ لأنه قَلّ أحد ممن هاجر من قريش إلا معه بعض أهله ، أو ذوي رحمه ، ولم يكن معي أحد من بني أسد بن عبد العزى ، ولا أرجو غيره .
وهذا الأثر غريب جدا{[8171]} فإن هذه القصة مكية ، ونزول هذه الآية مدنية ، فلعله أراد أنها أنزلت تعم حكمه مع غيره ، وإن لم يكن ذلك سبب النزول ، والله أعلم .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا سليمان بن داود مولى عبد الله بن جعفر ، حدثنا سهل بن عثمان ، حدثنا عبد الرحمن{[8172]} بن سليمان ، عن الأشعث{[8173]} - هو ابن سَوَّار - عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : خرج ضَمْرَةُ بن جُنْدُب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فمات في الطريق قبل أن يصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت : { وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ [ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ]{[8174]} }{[8175]} .
وحدثنا أبي ، حدثنا عبد الله بن رَجَاء ، أنبأنا إسرائيل ، عن سالم ، عن سعيد بن جبير عن أبي ضمرة بن العيص الزُّرَقِي ، الذي كان مصاب البصر ، وكان بمكة فلما نزلت : { إِلا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً } فقلت : إني لغني ، وإني لذو حيلة ، [ قال ]{[8176]} فتجهز يريد النبي صلى الله عليه وسلم فأدركه الموت بالتَّنْعِيم ، فنزلت هذه الآية : { وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ [ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ]{[8177]} }
قال الحافظ أبو يعلى : حدثنا إبراهيم بن زياد سَبَلانُ ، حدثنا أبو معاوية ، حدثنا محمد بن إسحاق ، عن حميد بن أبي حميد ، عن عطاء بن يزيد الليثي ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من خرج حاجا فمات ، كتب له أجر الحاج إلى يوم القيامة ، ومن خرج معتمرا فمات ، كتب له أجر المعتمر إلى يوم القيامة ، ومن خرج غازيا في سبيل الله فمات ، كتب له أجر الغازي{[8178]} إلى يوم القيامة " .
وهذا حديث غريب من هذا الوجه{[8179]} .
والمراغم : المتحول والمذهب ، كذا قال ابن عباس والضحاك والربيع وغيرهم ، ومنه قول النابغة الجعدي : [ المتقارب ]
كَطود يلاذ بأَرْكَانِهِ *** عَزِيزٌ المراغِمِ وَالْمَذْهَبِ{[4234]}
إلى بَلِدٍ غَيْرِ داني الْمَحَلّ *** بَعِيدِ المرَاغمِ والْمُضْطَرَبْ{[4235]}
وقال مجاهد : «المراغم » المتزحزح عما يكره ، وقال ابن زيد : «المراغم » المهاجر ، وقال السدي : «المراغم » المبتغى للمعيشة .
قال القاضي أبو محمد عبد الحق : وهذا كله تفسير بالمعنى ، فأما الخاص باللفظة ، فإن «المراغم » موضع المراغمة ، وهو أن يرغم كل واحد من المتنازعين أنف صاحبه بأن يغلبه على مراده ، فكفار قريش أرغموا أنوف المحبوسين بمكة ، فلو هاجر منهم مهاجر في أرض الله لأرغم أنوف قريش بحصوله في منعة منهم ، فتلك المنعة هي موضع المراغمة . وكذلك الطود الذي ذكر النابغة ، من صعد فيه أمام طالب له وتوقل{[4236]} فقد أرغم أنف ذلك الطالب .
وقرأ نبيح والجراح والحسن بن عمران «مَرْغماً » بفتح الميم وسكون الراء دون ألف . قال أبو الفتح : هذا إنما هو على حذف الزوائد من راغم ، والجماعة على «مراغم » ، وقال ابن عباس والربيع والضحاك وغيرهم : { السعة } هنا هي السعة في الرزق ، وقال قتادة : المعنى سعة من الضلالة إلى الهدى ومن العيلة إلى الغنى ، وقال مالك : السعة سعة البلاد .
قال القاضي رحمه الله : والمشبه لفصاحة العرب أن يريد سعة الأرض وكثرة المعاقل ، وبذلك تكون «السعة » في الرزق واتساع الصدر لهمومه وفكره وغير ذلك من وجوه الفرح ، ونحو هذا المعنى قول الشاعر [ حطان بن المعلّى ] .
لَكَانَ لي مَضْطَرَبٌ وَاسِعٌ *** في الأَرْضِ ذَاتِ الطُّولِ والْعَرْضِ{[4237]}
وَكُنْتُ إذَا خَليلٌ رامَ قَطْعي وَجَدْتُ وَرَاي مُنْفَسَحاً عَرِيضاً{[4238]}
وهذا المعنى ظاهر من قوله تعالى : { ألم تكن أرض الله واسعة } وقال مالك بن أنس رضي الله عنه : الآية تعطي أن كل مسلم ينبغي أن يخرج من البلاد التي تغير فيها السنن ويعمل فيها بغير الحق ، وقوله تعالى { ومن يخرج من بيته } الآية : حكم باق في الجهاد والمشي إلى الصلاة والحج ونحوه ، أما أنه لا يقال : إن بنفس خروجه ونيته حصل في مرتبة الذي قضى ذلك الفرض أو العبادة في الجملة ، ولكن يقال : وقع له بذلك أجر عظيم ، وروي : أن هذه الآية نزلت بسبب رجل من كنانة ، وقيل : من خزاعة من بني ليث ، وقيل : من جندع{[4239]} ، لما سمع قول الله عز وجل { الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً } قال : إني لذو مال وعبيد - وكان مريضاً - فقال : أخرجوني إلى المدينة ، فأخرج في سرير فأدركه الموت بالتنعيم{[4240]} ، فنزلت الآية بسببه ، واختلف في اسمه ، فحكى الطبري عن ابن جبير : أنه ضمرة بن العيص ، أو العيص بن ضمرة بن زنباع ، وحكي عن السدي : أنه ضمرة بن جندب ، وحكي عن عكرمة : أنه جندب بن ضمرة الجندعي ، وحكي عن ابن جبير أيضاً : أنه ضمرة بن بغيض الذي من بني ليث ، وحكى أبو عمر بن عبد البر : أنه ضمرة بن العيص ، وحكى المهدوي : أنه ضمرة بن نعيم ، وقيل : ضمرة بن خزاعة ،
وقرأت الجماعة «ثم يدركْه الموت » بالجزم عطفاً على { يخرج } وقرأ طلحة بن سليمان وإبراهيم النخعي فيما ذكر أبو عمرو «ثم يدركُه » برفع الكاف - قال أبو الفتح : هذا رفع على أنه خبر مبتدأ محذوف ، أي : ثم هو يدركه الموت فعطف الجملة من المبتدأ والخبر على الفعل المجزوم بفاعله ، فهما إذن جملة ، فكأنه عطف جملة على جملة ، وعلى هذا حمل يونس بن جبيب قول الأعشى : [ البسيط ]
إنْ تَرْكَبُوا فَرُكُوبُ الْخَيْلِ عَادَتُنا *** أو تَنْزِلُونَ فإنّا مَعْشَرٌ نُزُلُ{[4241]}
المراد وأنتم تنزلون وعليه قول الآخر [ رويشد بن كثير الطائي ] : [ البسيط ]
إنْ تُذْنِبُوا ثُمَّ تَأْتيني بِقيتُكُمْ *** فَمَا عَلَيّ بِذَنْبٍ عِنْدكُمْ فَوتُ{[4242]}
المعنى : ثم أنتم تأتيني . وهذا أوجه من أن يحمله على قول الآخر : [ الوافر ]
ألم يأتيكَ وألأنباءُ تنمى *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . {[4243]}
وقرأ الحسن بن أبي الحسن وقتادة ونبيح والجراح «ثم يدركَه » بنصب الكاف وذلك على إضمار «أن » كقول الأعشى : [ الطويل ]
لَنَا هضبةٌ لاَ يَنْزِلُ الذُّلُّ وَسْطَها *** وَيَأْوِي إلْيها الْمُسْتَجيرُ فَيُعْصَمَا{[4244]}
أراد : فأن يعصم - قال أبو الفتح : وهذا ليس بالسهل وإنما بابه اشعر لا القرآن ، وأنشد ابن زيد : [ الوافر ]
سَأَتْرُكُ مَنْزِلي لِبَني تَمِيمٍ *** وأَلحقُ بالحِجَازِ فأَسْترِيحا
والآية أقوى من هذا لتقدم الشرط قبل المعطوف{[4245]} .
قال القاضي أبو محمد : ومن هذه الآية رأى بعض العلماء أن من مات من المسلمين وقد خرج غازياً فله سهمه من الغنيمة ، قاسوا ذلك على «الأجر » ، وقد تقدم معنى الهجرة فيما سلف ووقع عبارة عن الثبوت وقوة اللزوم وكذلك هي - وجب - لأن الوقوع والوجوب نزول في الأجرام بقوة . فشبه لازم المعاني بذلك وباقي الآية بيّن .