في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{۞وَمَن يُهَاجِرۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ يَجِدۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ مُرَٰغَمٗا كَثِيرٗا وَسَعَةٗۚ وَمَن يَخۡرُجۡ مِنۢ بَيۡتِهِۦ مُهَاجِرًا إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ ثُمَّ يُدۡرِكۡهُ ٱلۡمَوۡتُ فَقَدۡ وَقَعَ أَجۡرُهُۥ عَلَى ٱللَّهِۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمٗا} (100)

95

أما السياق القرآني فيمضي في معالجة النفوس البشرية ؛ التي تواجه مشاق الهجرة ومتاعبها ومخاوفها ؛ وتشفق من التعرض لها . وقد عالجها في الآيات السابقة بذلك المشهد المثير للاشمئزاز والخوف معا . فهو يعالجها بعد ذلك ببث عوامل الطمأنينة - سواء وصل المهاجر إلى وجهته أو مات في طريقه - في حالة الهجرة في سبيل الله ، وبضمان الله للمهاجر منذ ان يخرج من بيته مهاجرا في سبيله . ووعده بالسعة والمتنفس في الأرض والمنطلق ، فلا تضيق به الشعاب والفجاج :

( ومن يهاجر - في سبيل الله - يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة . ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله - ثم يدركه الموت - فقد وقع أجره على الله . وكان الله غفورا رحيما ) . .

إن المنهج الرباني القرآني يعالج في هذه الآية مخاوف النفس المتنوعة ؛ وهي تواجه مخاطر الهجرة ؛ في مثل تلك الظروف التي كانت قائمة ؛ والتي قد تتكرر بذاتها أو بما يشابهها من المخاوف في كل حين .

وهو يعالج هذه النفس في وضوح وفصاحة ؛ فلا يكتم عنها شيئا من المخاوف ؛ ولا يداري عنها شيئا من الأخطار - بما في ذلك خطر الموت - ولكنه يسكب فيها الطمأنينة بحقائق أخرى وبضمانة الله سبحانه وتعالى . .

فهو أولا يحدد الهجرة بأنها ( في سبيل الله ) . . وهذه هي الهجرة المعتبرة في الإسلام . فليست هجرة للثراء ، أو هجرة للنجاة من المتاعب ، أو هجرة للذائذ والشهوات ، أو هجرة لأي عرض من أعراض الحياة . ومن يهاجر هذه الهجرة - في سبيل الله - يجد في الأرض فسحة ومنطلقا فلا تضيق به الأرض ، ولا يعدم الحيلة والوسيلة . للنجاة وللرزق والحياة :

( ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة ) . .

وإنما هو ضعف النفس وحرصها وشحها ؛ يخيل إليها أن وسائل الحياة والرزق ، مرهونة بأرض ، ومقيدة بظروف ، ومرتبطة بملابسات لو فارقتها لم تجد للحياة سبيلا .

وهذا التصور الكاذب لحقيقة أسباب الرزق وأسباب الحياة والنجاة ؛ هو الذي يجعل النفوس تقبل الذل والضيم ، وتسكت على الفتنة في الدين ؛ ثم تتعرض لذلك المصير البائس . مصير الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم . والله يقرر الحقيقة الموعودة لمن يهاجر في سبيل الله . . إنه سيجد في أرض الله منطلقا وسيجد فيها سعة . وسيجد الله في كل مكان يذهب إليه ، يحييه ويرزقه وينجيه . .

ولكن الأجل قد يوافي في أثناء الرحلة والهجرة في سبيل الله . . والموت - كما تقدم في سياق السورة - لا علاقة له بالأسباب الظاهرة ؛ إنما هو حتم محتوم عندما يحين الأجل المرسوم . وسواء أقام أم هاجر ، فإن الأجل لا يستقدم ولا يستأخر .

غير أن النفس البشرية لها تصوراتها ولها تأثراتها بالملابسات الظاهرة . . والمنهج يراعي هذا ويعالجه . فيعطي ضمانة الله بوقوع الأجر على الله منذ الخطوة الأولى من البيت في الهجرة إلى الله ورسوله :

( ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله - ثم يدركه الموت - فقد وقع أجره على الله )

أجره كله . أجر الهجرة والرحلة والوصول إلى دار الإسلام والحياة في دار الإسلام . . فماذا بعد ضمان الله من ضمان ؟

ومع ضمانة الأجر التلويح بالمغفرة للذنوب والرحمة في الحساب . وهذا فوق الصفقة الأولى .

وكان الله غفورا رحيمًا .

إنها صفقة رابحة دون شك . يقبض فيها المهاجر الثمن كله منذ الخطوة الأولى - خطوة الخروج من البيت مهاجرا إلى الله ورسوله - والموت هو الموت . في موعده الذي لا يتأخر . والذي لا علاقة له بهجرة أو إقامة . ولو أقام المهاجر ولم يخرج من بيته لجاءه الموت في موعده . ولخسر الصفقة الرابحة . فلا أجر ولا مغفرة ولا رحمة . بل هنالك الملائكة تتوفاه ظالما لنفسه !

وشتان بين صفقة وصفقة ! وشتان بين مصير ومصير !

ويخلص لنا من هذه الآيات التي استعرضناها من هذا الدرس - إلى هذا الموضع - عدة اعتبارات ، نجملها قبل أن نعبر إلى بقية الدرس وبقية ما فيه من موضوعات .

يخلص لنا منها مدى كراهية الإسلام للقعود عن الجهاد في سبيل الله ؛ والقعود عن الانضمام للصف المسلم المجاهد . . اللهم إلا من عذرهم الله من أولي الضرر ، ومن العاجزين عن الهجرة لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{۞وَمَن يُهَاجِرۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ يَجِدۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ مُرَٰغَمٗا كَثِيرٗا وَسَعَةٗۚ وَمَن يَخۡرُجۡ مِنۢ بَيۡتِهِۦ مُهَاجِرًا إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ ثُمَّ يُدۡرِكۡهُ ٱلۡمَوۡتُ فَقَدۡ وَقَعَ أَجۡرُهُۥ عَلَى ٱللَّهِۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمٗا} (100)

وقوله : { وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً } هذا تحريض على الهجرة ، وترغيب في مفارقة المشركين ، وأن المؤمن حيثما ذهب وجد عنهم مندوحة وملجأ يتحصن فيه ، و " المراغم " مصدر ، تقول العرب : راغم فلان قومه مراغما ومراغمة ، قال نابغة{[8153]} بني جعدة{[8154]} :

كَطَوْدٍ يُلاذُ بأرْكَانِه *** عَزيز المُرَاغَم وَالْمَهْربِ

وقال ابن عباس : " المراغَم " : التحول من أرض إلى أرض . وكذا رُوي عن الضحاك والربيع بن أنس ، الثوري ، وقال مجاهد : { مُرَاغَمًا كَثِيرًا } يعني : متزحزحا عما يكره . وقال سفيان بن عيينة : { مُرَاغَمًا كَثِيرًا } يعني : بروجا .

والظاهر - والله أعلم - أنه{[8155]} التمنّع الذي يُتَحصَّن به ، ويراغم به الأعداء .

قوله : { وَسَعَةً } يعني : الرزق . قاله غير واحد ، منهم : قتادة ، حيث قال في قوله : { يَجِدْ فِي الأرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً } إي ، والله ، من الضلالة إلى الهدى ، ومن القلة إلى الغنى .

وقوله : { وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ } أي : ومن خرج من منزله بنية الهجرة ، فمات في أثناء الطريق ، فقد حصل له من{[8156]} الله ثواب من هاجر ، كما ثبت في الصحيحين وغيرهما من الصحاح والمسانيد والسنن ، من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري{[8157]} عن محمد بن إبراهيم التيمي ، عن علقمة بن وَقّاص الليثي ، عن عمر بن الخطاب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى ، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله ، فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها ، أو امرأة يتزوجها ، فهجرته إلى ما هاجر إليه " {[8158]} .

وهذا عام في الهجرة وفي كل الأعمال . ومنه الحديث الثابت في الصحيحين{[8159]} في الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نَفْسًا . ثم أكمل بذلك العابد المائة ، ثم سأل عالما : هل له من توبة ؟ فقال : ومن يَحُول بينك وبين التوبة ؟ ثم أرشده إلى أن يتحول من بلده إلى بلد آخر يعبد الله فيه ، فلما ارتحل من بلده مهاجرا إلى البلد الآخر ، أدركه الموت في أثناء الطريق ، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ، فقال هؤلاء : إنه جاء تائبا . وقال هؤلاء : إنه لم يَصِلْ بَعْدُ . فأمروا أن يقيسوا ما بين الأرضين فإلى أيتهما{[8160]} كان أقرب كان{[8161]} منها ، فأمر الله هذه أن يُقرب{[8162]} من هذه ، وهذه أن تبعد{[8163]} فوجدوه أقرب إلى الأرض التي هاجر إليها بِشِبْر ، فقبضته ملائكة الرحمة . وفي رواية : أنه لما جاءه

الموت ناء بصدره إلى الأرض{[8164]} التي هاجر إليها .

وقال الإمام أحمد : حدثنا يزيد بن هارون ، حدثنا محمد بن إسحاق ، عن محمد بن إبراهيم ، عن محمد بن عبد الله بن عَتِيك ، عن أبيه عبد الله بن عَتِيك قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من خرج من بيته مهاجرا{[8165]} في سبيل الله - ثم قال بأصابعه هؤلاء الثلاث : الوسطى والسبابة والإبهام ، فجمعهن وقال : وأين المجاهدون - ؟ فخرَّ عن دابته فمات فقد وقع أجره على الله ، أو لدغته دابة فمات ، فقد وقع أجره على الله أو مات حَتْف أنفه ، فقد وقع أجره على الله - والله ! إنها لكلمة ما سمعتها من أحد من العرب قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم - ومن قتل قَعْصًا{[8166]} فقد استوجب المآب{[8167]} .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زُرْعَة ، حدثنا عبد الرحمن بن عبد الملك بن شيبة الحزامي{[8168]} حدثني عبد الرحمن بن المغيرة الحزامي{[8169]} عن المنذر بن عبد الله ، عن هشام بن عُرْوَة ، عن أبيه ؛ أن الزبير بن العوام قال : هاجر خالد بن حِزَام{[8170]} إلى أرض الحبشة ، فنهشته حية في الطريق فمات ، فنزلت فيه : { وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا } قال الزبير : فكنت أتوقعه وأنتظر قدومه وأنا بأرض الحبشة ، فما أحزنني شيء حزن وفاته حين بلغني ؛ لأنه قَلّ أحد ممن هاجر من قريش إلا معه بعض أهله ، أو ذوي رحمه ، ولم يكن معي أحد من بني أسد بن عبد العزى ، ولا أرجو غيره .

وهذا الأثر غريب جدا{[8171]} فإن هذه القصة مكية ، ونزول هذه الآية مدنية ، فلعله أراد أنها أنزلت تعم حكمه مع غيره ، وإن لم يكن ذلك سبب النزول ، والله أعلم .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا سليمان بن داود مولى عبد الله بن جعفر ، حدثنا سهل بن عثمان ، حدثنا عبد الرحمن{[8172]} بن سليمان ، عن الأشعث{[8173]} - هو ابن سَوَّار - عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : خرج ضَمْرَةُ بن جُنْدُب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فمات في الطريق قبل أن يصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت : { وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ [ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ]{[8174]} }{[8175]} .

وحدثنا أبي ، حدثنا عبد الله بن رَجَاء ، أنبأنا إسرائيل ، عن سالم ، عن سعيد بن جبير عن أبي ضمرة بن العيص الزُّرَقِي ، الذي كان مصاب البصر ، وكان بمكة فلما نزلت : { إِلا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً } فقلت : إني لغني ، وإني لذو حيلة ، [ قال ]{[8176]} فتجهز يريد النبي صلى الله عليه وسلم فأدركه الموت بالتَّنْعِيم ، فنزلت هذه الآية : { وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ [ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ]{[8177]} }

قال الحافظ أبو يعلى : حدثنا إبراهيم بن زياد سَبَلانُ ، حدثنا أبو معاوية ، حدثنا محمد بن إسحاق ، عن حميد بن أبي حميد ، عن عطاء بن يزيد الليثي ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من خرج حاجا فمات ، كتب له أجر الحاج إلى يوم القيامة ، ومن خرج معتمرا فمات ، كتب له أجر المعتمر إلى يوم القيامة ، ومن خرج غازيا في سبيل الله فمات ، كتب له أجر الغازي{[8178]} إلى يوم القيامة " .

وهذا حديث غريب من هذا الوجه{[8179]} .


[8153]:في أ: "نابغة في بني جعدة.
[8154]:البيت في تفسير الطبري (10/112) واللسان مادة (رغم).
[8155]:في أ: "أن المراغم هو".
[8156]:في أ: "عند".
[8157]:في أ: "القطان".
[8158]:صحيح البخاري برقم (1، 54) وصحيح مسلم برقم (1907) وسنن أبي داود برقم (2201) وسن الترمذي برقم (1647)، وسنن النسائي (1/59) وسنن ابن ماجه برقم (4227) ومسند أحمد (1/25) ومسند الحميدي (1/16) ومسند الطيالسي (2/27) "منحة المعبود".
[8159]:صحيح البخاري برقم (3470) وصحيح مسلم برقم (2766).
[8160]:في د، ر: "أيها"، وفي أ: "أيهما".
[8161]:في د، ر: "فهو".
[8162]:في د: "تقترب"، وفي ر: "تقرب".
[8163]:في د: "تبتعد".
[8164]:في د: "البلد".
[8165]:في أ: "مجاهدا".
[8166]:في د: "نفسا"، وفي ر: "بعضا"، وفي أ: "بعض".
[8167]:المسند (4/36)، وقال الهيثمي في المجمع (5/260: "فيه محمد بن إسحاق وهو مدلس، وبقية رجاله ثقات".
[8168]:في أ: "الخزامي".
[8169]:في أ: "الخزامي".
[8170]:في أ: "ابن حرام".
[8171]:ووجه غرابته أيضا كما قال ابن حجر: أن الذي نزلت فيه هذه الآية جندب بن ضمرة، وسيأتي حديثه عقب هذا.
[8172]:في ر: "عبد الرحيم".
[8173]:في ر: "أشعث".
[8174]:زيادة من ر، أ، وفي هـ: "الآية".
[8175]:ورواه أبو يعلى في مسنده (5/81) والطبراني في المعجم الكبير (11/272 ) من طريق أشعث بن سوار به. قال الهيثمي بعد أن عزاه لأبي يعلى وحده: "رجاله ثقات، لكن في إسناده أشعث بن سوار وهو ضعيف".
[8176]:زيادة من ر.
[8177]:تفسير ابن أبي حاتم (ق176) وقد روي هذا الأثر من طرق أخرى مرسلة، فرواه سعيد بن منصور في سننه برقم (685) قال: أخبرنا هشيم عن أبي بشر عن سعيد بن جبير به مرسلا، ورواه الطبري في تفسيره (9/118) من طريق قيس بن الربيع عن سالم عن سعيد بن جبير به مرسلا.
[8178]:في ر: "المغازي".
[8179]:مسند أبي يعلى (1/238) وفي إسناده جميل بن أبي ميمونة لم يوثقه سوى ابن حبان، وابن إسحاق مدلس وقد عنعن.
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{۞وَمَن يُهَاجِرۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ يَجِدۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ مُرَٰغَمٗا كَثِيرٗا وَسَعَةٗۚ وَمَن يَخۡرُجۡ مِنۢ بَيۡتِهِۦ مُهَاجِرًا إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ ثُمَّ يُدۡرِكۡهُ ٱلۡمَوۡتُ فَقَدۡ وَقَعَ أَجۡرُهُۥ عَلَى ٱللَّهِۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمٗا} (100)

{ ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا } متحولا من الرغام وهو التراب . وقيل طريق يراغم قومه بسلوكه أي يفارقهم على رغم أنوفهم وهو أيضا من الرغام . { وسعة } في الرزق وإظهار الدين . { ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت } وقرئ { يدركه } بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي ثم هو يدركه وبالنصب على إضمار أن كقوله :

سأترك منزلي ببني تميم *** وألحق بالحجاز فأستريحا

{ فقد وقع أجره على الله وكان الله غفورا رحيما } الوقوع والوجوب متقاربان والمعنى : ثبت أجره عند الله تعالى ثبوت الأمر الواجب . والآية الكريمة نزلت في جندب بن ضمرة حمله بنوه على سرير متوجها إلى المدينة ، فلما بلغ التنعيم أشرف على الموت فصفق بيمينه على شماله فقال : اللهم هذه لك وهذه لرسولك أبايعك على ما بايع عليه رسولك صلى الله عليه وسلم فمات .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{۞وَمَن يُهَاجِرۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ يَجِدۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ مُرَٰغَمٗا كَثِيرٗا وَسَعَةٗۚ وَمَن يَخۡرُجۡ مِنۢ بَيۡتِهِۦ مُهَاجِرًا إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ ثُمَّ يُدۡرِكۡهُ ٱلۡمَوۡتُ فَقَدۡ وَقَعَ أَجۡرُهُۥ عَلَى ٱللَّهِۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمٗا} (100)

جملة { ومن يهاجر } عطف على جملة { إنّ الذين توفّاهم الملائكة } [ النساء : 97 ] ، و ( مَن ) شرطية . والمهاجرة في سبيل الله هي المهاجرة لأجل دين الله . والسبيل استعارة معروفة ، وزادها قبولاً هنا أنّ المهاجرة نوع من السير ، فكان لذكر السبيل معها ضرب من التورية . والمراغم اسم مكان من راغم إذا ذهب في الأرض ، وفعل راغم مشتقّ من الرّغام بفتح الراء وهو التراب . أو هو من راغم غيره إذا غلبه وقهره ، ولعلّ أصله أنّه أبقاه على الرغام ، أي التراب ، أي يجِد مكاناً يُرْغم فيه من أرغمه ، أي يَغلب فيه قومه باستقلاله عنهم كما أرغموه بإكراهه على الكفر ، قال الحارث بن وعلة الذهلي :

لا تأمنَنْ قوماً ظلمتهم *** وبدأتهم بالشتم والرغــم

إن يأبِرُوا نَخْلاً لغيرهم *** والشيءُ تحقره وقد ينمي

أي أن يكونوا عوْناً للعدوّ على قومهم . ووصفُ المراغم بالكثير لأنّه أريد به جنس الأمكنة . والسعة ضد الضيق ، وهي حقيقةً اتّساعُ الأمكنة ، وتطلق على رفاهية العيش ، فهي سعة مجازية . فإن كان المراغم هو الذهاب في الأرض فعطف السعة عليه عطف تفسير ، وإن كان هو مكان الإغاضة فعطف السعة للدلالة على أنّه يجده ملائماً من جهة أرضاء النفس ، ومن جهة راحة الإقامة .

ثم نوّه الله بشأن الهجرة بأن جعل ثوابها حاصلاً بمجرّد الخروج من بلد الكفر ، ولو لم يبلغ إلى البلد المهاجَر إليه . بقوله : { ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله } الخ . ومعنى المهاجرة إلى الله المهاجرة إلى الموضع الذي يرضاه الله . وعطف الرسول على اسم الجلالة للإشارة إلى خصوص الهجرة إلى المدينة للإلتحاق بالرسول وتعزيز جانبه ، لأنّ الذي يهاجر إلى غير المدينة قد سلم من إرهاق الكفر ولم يحصّل على نصرة الرسول ، ولذلك بادر أهل هجرة الحبشة إلى اللحاق بالرسول حين بلغهم مهاجَرهُ إلى المدينة .

ومعنى { يدركه الموت } ، أي في الطريق ، ويجوز أن يكون المعنى : ثم يدركه الموت مهاجراً ، أي لا يرجع بعد هجرته إلى بلاد الكفر وهو الأصحّ ، وقد اختلف في الهجرة المرادة من هذه الآية : فقيل : الهجرة إلى المدينة ، وقيل : الهجرة إلى الحبشة . واختلف في المعني بالموصول من قوله : { ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله } . فعند من قالوا إنّ المراد الهجرة إلى المدينة قالوا المراد بمن يخرج رجل من المسلمين كان بقي بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، فلمّا نزل قوله تعالى : { إنّ الذين توفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم إلى قوله : وكان الله غفوراً رحيماً } [ النساء : 97 100 ] كتب بها النبي صلى الله عليه وسلم إلى المسلمين من أهل مكة ، وكان هذا الرجل مريضاً ، فقال : إني لَذو مال وعبيد ، فدعا أبناءَه وقال لهم : احملوني إلى المدينة .

فحملوه على سرير ، فلمّا بلغ التنعيم توفّي ، فنزلت هذه الآية فيه ، وتعمّ أمثاله ، فهي عامّة في سياق الشرط لا يخصّصها سبب النزول .

وكان هذا الرجل من كنانة ، وقيل من خزاعة ، وقيل من جُنْدَع ، واختلف في اسمه على عشرة أقوال : جندب بن حمزة الجندعي ، حندج بن ضمرة الليثي الخزاعي . ضمرة بن بغيض الليثي ، ضمرة بن جندب الضمْري ، ضمرة بن جندب الضمْري ، ضمرة بن ضمرة بن نعيم . ضمرة من خزاعة ( كذا ) . ضمرة بن العيص . العيص بن ضمرة بن زنباع ، حبيب بن ضمرة ، أكثم بن صيفي .

والذين قالوا : إنّها الهجرة إلى الحبشة قالوا : إنّ المعنيّ بمن يخرج من بيته خالد بن حزام بن خويلد الأسدي ابن أخي خديجة أمّ المؤمنين ، خرج مهاجراً إلى الحبشة فنهشته حيّة في الطريق فمات . وسياق الشرط يأبى هذا التفسير .