في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{كَٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ كَانُوٓاْ أَشَدَّ مِنكُمۡ قُوَّةٗ وَأَكۡثَرَ أَمۡوَٰلٗا وَأَوۡلَٰدٗا فَٱسۡتَمۡتَعُواْ بِخَلَٰقِهِمۡ فَٱسۡتَمۡتَعۡتُم بِخَلَٰقِكُمۡ كَمَا ٱسۡتَمۡتَعَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُم بِخَلَٰقِهِمۡ وَخُضۡتُمۡ كَٱلَّذِي خَاضُوٓاْۚ أُوْلَـٰٓئِكَ حَبِطَتۡ أَعۡمَٰلُهُمۡ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِۖ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ} (69)

هذه الطبيعة الفاسقة المنحرفة الضالة ، ليست جديدة ، ففي تاريخ البشرية لها نظائر وأمثال . ولقد حوى تاريخ البشرية من قبل هؤلاء نماذج كثيرة من هذا الطراز . ولقد لاقى السابقون مصائر تليق بفسوقهم عن الفطرة المستقيمة والطريق القويمة ، بعدما استمتعوا بنصيبهم المقدر لهم في هذه الأرض . وكانوا أشد قوة وأكثر أموالاً و أولادا فلم يغن عنهم من ذلك كله شيء .

والقرآن يذكر القوم بما كان من أسلافهم ، ويبصرهم بأنهم يسلكون طريقهم ، ويحذرهم أن يلاقوا مصيرهم . لعلهم يهتدون :

( كالذين من قبلكم كانوا أشد منكم قوة وأكثر أموالاً وأولاداً ، فاستمتعوا بخلاقهم . فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم ، وخضتم كالذي خاضوا . أولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك هم الخاسرون ) .

إنها الفتنة بالقوة ، والفتنة بالأموال والأولاد . فأما الذين اتصلت قلوبهم بالقوة الكبرى فهم لا يفتنون بالقوة العارضة التي تخول لهم في الأرض ، لأنهم يخشون من هو أقوى ، فينفقون قوتهم في طاعته وإعلاء كلمته . وهم لا يفتنون بالأموال والأولاد ، لأنهم يذكرون من أنعم عليهم بالأموال والأولاد ، فيحرصون على شكر نعمته ، وتوجيه أموالهم وأولادهم إلى طاعته . . وأما الذين انحرفت قلوبهم عن مصدر القوة والنعمة فهم يبطرون ويفجرون في الأرض ، ويتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام :

( أولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة ) . .

وبطلت بطلانا أساسياً ، لأنها كالنبتة بلا جذور ، لا تستقر ولا تنمو ولا تزدهر .

( وأولئك هم الخاسرون ) . .

الذين خسروا كل شيء على وجه الإجمال بلا تحديد ولا تفصيل .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{كَٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ كَانُوٓاْ أَشَدَّ مِنكُمۡ قُوَّةٗ وَأَكۡثَرَ أَمۡوَٰلٗا وَأَوۡلَٰدٗا فَٱسۡتَمۡتَعُواْ بِخَلَٰقِهِمۡ فَٱسۡتَمۡتَعۡتُم بِخَلَٰقِكُمۡ كَمَا ٱسۡتَمۡتَعَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُم بِخَلَٰقِهِمۡ وَخُضۡتُمۡ كَٱلَّذِي خَاضُوٓاْۚ أُوْلَـٰٓئِكَ حَبِطَتۡ أَعۡمَٰلُهُمۡ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِۖ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ} (69)

يقول تعالى : أصاب هؤلاء من عذاب الله في الدنيا والآخرة كما أصاب من قبلهم ، وقد كانوا أشد منهم قوة وأكثر أموالا وأولادا ، { فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ } قال الحسن البصري : بدينهم ، { كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا } أي : في الكذب والباطل ، { أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ } أي : بطلت مساعيهم ، فلا ثواب لهم عليها لأنها فاسدة { فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ } ؛ لأنهم لم يحصل لهم عليها ثواب .

قال ابن جُرَيْج عن عُمَر بن عَطَاء ، عن عِكْرِمة ، عن ابن عباس في قوله : { كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ } الآية ، قال ابن عباس : ما أشبه الليلة بالبارحة ، { كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ } هؤلاء بنو إسرائيل ، شبهنا بهم ، لا أعلم إلا أنه قال : " والذي نفسي بيده ، لتتبعنهم حتى لو دخل الرجل منهم جُحر ضَبٍّ لدخلتموه " .

قال ابن جُرَيْج : وأخبرني زياد بن سعد ، عن محمد بن زيد{[13613]} بن مهاجر ، عن سعيد بن أبي سعيد المَقْبُري ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده ، لتتبعن سَنَن الذين من قبلكم ، شبرا بشبر ، وذراعا بذراع ، وباعا بباع ، حتى لو دخلوا جُحْر ضَبٍّ لدخلتموه " . قالوا : ومن هم يا رسول الله ؟ أهل الكتاب ؟ قال : " فَمَه " {[13614]} وهكذا رواه أبو مَعْشَر ، عن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكره وزاد : قال أبو هريرة : اقرءوا إن شئتم القرآن . { كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالا وَأَوْلادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ } قال أبو هريرة : الخلاق : الدين . { وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا } قالوا : يا رسول الله ، كما صنعت فارس والروم ؟ قال : " فهل الناس إلا هم " {[13615]}

وهذا الحديث له شاهد في الصحيح{[13616]}


[13613]:- في ت : "زياد".
[13614]:- رواه الطبري في تفسيره (14/342).
[13615]:- رواه الطبري في تفسيره (14/341).
[13616]:- في صحيح البخاري برقم (7319) من طريق محمد بن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه.
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{كَٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ كَانُوٓاْ أَشَدَّ مِنكُمۡ قُوَّةٗ وَأَكۡثَرَ أَمۡوَٰلٗا وَأَوۡلَٰدٗا فَٱسۡتَمۡتَعُواْ بِخَلَٰقِهِمۡ فَٱسۡتَمۡتَعۡتُم بِخَلَٰقِكُمۡ كَمَا ٱسۡتَمۡتَعَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُم بِخَلَٰقِهِمۡ وَخُضۡتُمۡ كَٱلَّذِي خَاضُوٓاْۚ أُوْلَـٰٓئِكَ حَبِطَتۡ أَعۡمَٰلُهُمۡ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِۖ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ} (69)

{ كالذين من قبلكم } أي أنتم مثل الذين ، أو فعلتم مثل فعل الذين من قبلكم . { كانوا أشد منكم قوة وأكثر أموالا وأولادا } بيان لتشبيههم بهم وتمثيل حالهم بحالهم . { فاستمتعوا بخلاقهم } نصيبهم من ملاذ الدنيا ، واشتقاقه من الخلق بمعنى التقدير فإنه ما قدر لصاحبه . { فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم } ذم الأولين باستمتاعهم بحظوظهم المخدجة من الشهوات الفانية والتهائهم بها عن النظر في العاقبة والسعي في تحصيل اللذائذ الحقيقية تمهيدا لذم المخاطبين بمشابهتهم واقتفاء أثرهم . { وخُضتم } ودخلتم في الباطل { كالذين خاضوا } كالذين خاضوا ، أو كالفوج الذي خاضوا ، أو كالخوض الذي خاضوه . { أولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة } لم يستحقوا عليها ثوابا في الدارين . { وأولئك هم الخاسرون } الذين خسروا الدنيا والآخرة .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{كَٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ كَانُوٓاْ أَشَدَّ مِنكُمۡ قُوَّةٗ وَأَكۡثَرَ أَمۡوَٰلٗا وَأَوۡلَٰدٗا فَٱسۡتَمۡتَعُواْ بِخَلَٰقِهِمۡ فَٱسۡتَمۡتَعۡتُم بِخَلَٰقِكُمۡ كَمَا ٱسۡتَمۡتَعَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُم بِخَلَٰقِهِمۡ وَخُضۡتُمۡ كَٱلَّذِي خَاضُوٓاْۚ أُوْلَـٰٓئِكَ حَبِطَتۡ أَعۡمَٰلُهُمۡ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِۖ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ} (69)

قيل هذا الخطاب التفات ، عن ضمائر الغيبة الراجعة إلى المنافقين ، إلى خطابهم لقصد التفريع والتهديد بالموعظة ، والتذكير عن الغرور بما هم فيه من نعمة الإمهال بأنّ آخر ذلك حبط الأعمال في الدنيا والآخرة ، وأن يحقّ عليهم الخسران .

فكاف التشبيه في موضع الخبر عن مبتدأ محذوف دلّ عليه ضمير الخطاب ، تقديره : أنتم كالذين من قبلكم ، أو الكاف في موضع نصب بفعل مقدّر ، أي : فعلتم كفعل الذين من قبلكم ، فهو في موضع المفعول المطلق الدالّ على فعله ، ومثله في حذف الفعل والإتيان بما هو مفعول الفعل المحذوف قول النمر بن تولب :

حتّى إذا الكلاَّب قال لها *** كاليومِ مطلوباً ولا طالِبا

أراد : لم أر كاليوم ، إلاّ أنّ عامل النصب مختلف بين الآية والبيت .

وقيل هذا من بقية المَقول المأمور بأن يبلغه النبي صلى الله عليه وسلم إيّاهم من قوله : { قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون } [ التوبة : 65 ] الآية . فيكون ما بينهما اعتراضاً بقوله : { المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض } [ التوبة : 67 ] إلخ فضمير الخطاب لهم جار على مقتضى الظاهر بدون التفات والكلام مسوق لتشبيه حالهم في مصيرهم إلى النار .

والإتيان بالموصول لأنّه أشمل وأجمع للأمم التي تقدّمت مثل عاد وثمود ممّن ضرب العرب بهم المثل في القوة .

و { أشَدّ } معناه أقوى ، والقوة هنا القدرة على الأعمال الصعبة كقوله : { أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة } [ فصلت : 15 ] أو يُراد بها العزّة وعُدّة الغلب باستكمال العَدد والعُدد ، وبهذا المعنى أوقعت القوة تمييز ال { أشد } كما أوقعت مضافاً إليه شديد في قوله تعالى : { علمه شديد القوى } [ النجم : 5 ] .

وكثرة الأموال لها أسباب كثيرة : منها طيب الأرض للزرع والغرس ورَعِي الأنعام والنحلِ ، ومنها وفرة التجارة بحسن موقع الموطن بين مواطن الأمم ، ومنها الاقتراب من البحار للسفر إلى الأقطار وصيد البحر ، ومنها اشتمال الأرض على المعادن من الذهب والفضّة والحديد والمواد الصناعية والغذائية من النبات ، كأشجار التوابل ولحاء الدبغ والصبغ والأدوية والزراريع والزيوت .

وكثرة الأولاد تأتي من الأمن بسبب بقاء الأنفس ، ومن الخصب المؤثر قوة الأبدان والسلامة من المجاعات المعقبة للموتان ، ومن حسن المُناخ بالسلامة من الأوبئة المهلكة ، ومن الثروة بكثرة الأزواج والسراري والمراضع .

والاستمتاع : التمتّع ، وهو نوال أحدٍ المتاعَ الذي به التذاذ الإنسان وملائمه وتقدّم عند قوله تعالى : { ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين } في سورة الأعراف ( 24 ) .

والسين والتاء فيه للمبالغة في قوة التمتّع .

والخلاق : الحَظ من الخير وقد تقدّم عند قوله تعالى : { فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وماله في الآخرة من خلاق } في سورة البقرة ( 200 ) .

وتفرّع فاستمتعوا بخلاقهم } على { كانوا أشد } : لأنّ المقصود إدخاله في الحالة المشبه بها كما سيأتي .

وتفرَّع { فاستمتعتم بخلاقكم } على ما أفاده حرف الكاف بقوله : { كالذين من قبلكم } من معنى التشبيه ، ولذلك لم تعطف جملة { فاستمتعتم } بواو العطف ، فإنّ هذه الجملة هي المقصد من التشبيه وما تفرّع عليه ، وقد كان ذكر هذه الجملة يغني عن ذكر جملة : { فاستمتعوا بخلاقهم } لولا قصد الموعظة بالفريقين : المشبّهِ بهم ، والمشبّهين ، في إعراض كليهما عن أخذ العدّة للحياة الدائمة وفي انصبابهما على التمتّع العاجل فلم يكتف في الكلام بالاقتصار على حال أحد الفريقين ، قصداً للاعتناء بكليهما فذلك الذي اقتضى هذا الاطناب ولو اقتصر على قوله : { فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم } ولم يذكر قبله { فاستمتعوا بخلاقهم } لحصل أصل المعنى ولم يستفد قصد الاهتمام بكلا الفريقين .

ولذلك لمّا تقرّر هذا المقصد في أنفس السامعين لم يحتج إلى نسج مثل هذا النظم في قوله : { وخضتم كالذي خاضوا } .

وقوله : { كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم } تأكيد للتشبيه الواقع في قوله : { كالذين من قبلكم } إلى قوله فاستمتعتم بخلاقكم للتنبيه على أنّ ذلك الجزء بخصوصه ، من بين الحالة المشبهةِ والحالةِ المشبه بها ، هو محلّ الموعظة والتذكير ، فلا يغرّهم ما هم فيه من نعمة الإمهال والاستدراج ، فقدّم قوله : { فاستمتعوا بخلاقهم } وأتى بقوله : { كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم } مؤكِّداً له دون أن يقتصر على هذا التشبيه الأخير ، ليتأتى التأكيد ، ولأنّ تقديم ما يتمّم تصوير الحالة المشبّه بها المركّبة ، قبل إيقاع التشبيه ، أشدّ تمكيناً لمعنى المشابهة عند السامع .

وقوله : { كالذي خاضوا } تشبيه لخوض المنافقين بخوض أولئك وهو الخوض الذي حكي عنهم في قوله : { ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب } [ التوبة : 65 ] ولبساطة هذا التشبيه لم يؤت فيه بمثل الأسلوب الذي أتي به في التشبيه السابق له . أي : وخضتم في الكفر والاستهزاء بآيات الله ورسوله كالخوض الذي خاضوه في ذلك ، فأنتم وهم سواء ، فيوشك أن يَحيق بكم ما حاق بهم ، وكلامنا في هذين التشبيهين أدقّ ما كتب فيهما .

و { الذي } اسم موصول ، مفرد ، وإذ كان عائد الصلة هنا ضمير جمع تعيّن أن يكون المراد ب { الذي } : تأويله بالفريق أو الجَمْع ، ويجوز أن يكون { الذي } هنا أصله الذين فخُفّف بحذف النون على لغة هذيل وتميم كقول الأشهب بن زميلة النهشلي :

وإن الذي حانت بفلج دماؤهم *** هُم القومُ كلُّ القومِ يا أمَّ خالد

ونحاة البصرة يرون هذا الاستعمال خاصّاً بحالة أن تطول الصلة كالبيت فلا ينطبق عندهم على الآية ، ونحاة الكوفة يجوزّونه ولو لم تطل الصلة ، كما في الآية ، وقد ادّعى الفرّاء : أنّ { الذي } يكون موصولاً حرفياً مؤوّلاً بالمصدر ، واستشهد له بهذه الآية ، وهو ضعيف .

ولمّا وصفت حالة المشبه بهم من الأمم البائدة أعقب ذلك بالإشارة إليهم للتنبيه على أنّهم بسبب ذلك كانوا جديرين بما سيخبر به عنهم ، فقال تعالى : { أولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك هم الخاسرون } وفيه تعريض بأنّ الذين شابهوهم في أحوالهم أحرياء بأن يحلّ بهم ما حلّ بأولئك ، وفي هذا التعريض من التهديد والنذارة معنى عظيم .

والخوض : تقدّمت الحوالة على معرفته آنفاً .

والحبط : الزوال والبطلان ، وتقدّم في قوله تعالى : { فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة } في سورة البقرة ( 217 ) .

والمراد بأعمالهم : ما كانوا يعملونه ويكدحون فيه : من معالجة الأموال والعيال والانكباب عليهما ، ومعنى حبْطها في الدنيا استئصالها وإتلافها بحلول مختلف العذاب بأولئك الأمم ، وفي الآخرة بعدم تعويضها لهم ، كقوله تعالى : { ونرثه ما يقول } [ مريم : 80 ] أي في الدنيا { ويأتينا فرداً } [ مريم : 80 ] أي في الآخرة لا مال له ولا ولد ، كقوله : { ما أغنى عني ماليه هلك عني سلطانيه } [ الحاقة : 28 ، 29 ] .

وفي هذا كلّه تذكرة للنبيء صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بأنْ لا يظنّوا أن الله لمّا أمهل المنافقين قد عفا عنهم .

ولمّا كانت خسارتهم جسيمة جعل غيرهم من الخاسرين كلاً خاسرين فحصرت الخسارة في هؤلاء بقوله : { وأولئك هم الخاسرون } قصراً مقصوداً به المبالغة .

وإعادة اسم الإشارة للاهتمام بتمييز المتحدّث عنهم لزيادة تقرير أحوالهم في ذهن السامع .