الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{كَٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ كَانُوٓاْ أَشَدَّ مِنكُمۡ قُوَّةٗ وَأَكۡثَرَ أَمۡوَٰلٗا وَأَوۡلَٰدٗا فَٱسۡتَمۡتَعُواْ بِخَلَٰقِهِمۡ فَٱسۡتَمۡتَعۡتُم بِخَلَٰقِكُمۡ كَمَا ٱسۡتَمۡتَعَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُم بِخَلَٰقِهِمۡ وَخُضۡتُمۡ كَٱلَّذِي خَاضُوٓاْۚ أُوْلَـٰٓئِكَ حَبِطَتۡ أَعۡمَٰلُهُمۡ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِۖ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ} (69)

وقوله : { كالذين }[ 69 ] .

في موضع نصب نعت/لمصدر محذوف ، والمعنى : وعد الله هؤلاء بكذا وعدا ، كما وعد الذين من قبلهم{[29218]} .

فعلى هذا لا يوقف على ما قبل " الكاف " {[29219]} .

ومثله : { كالذي خاضوا }[ 69 ] ، [ أي{[29220]} : خوضا كما الذي خاضوا ]{[29221]} .

والمعنى عند الطبري : قل لهم يا محمد ، { آبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون } ، { كالذين من قبلكم } ، فعلوا كفعلكم ، فأهلكهم الله ، وأعد لهم العقوبة{[29222]} والنكال في الآخرة ، فقد { كانوا أشد منكم [ قوة ] }{[29223]} ، أي : بطشا ، وأكثر منكم أموالا ، { فاستمتعوا بخلاقهم } ، أي : بنصيبهم من دنياهم ، كما استمتعتم ، أيها المنافقون ، { بخلاقهم } ، أي : بنصيبكم من دنياكم ، { وخضتم } مثل خوضهم{[29224]} .

وهذا يدل على أن " الكاف " في موضع نصب ، نعت{[29225]} لمصدر " يستهزءون " {[29226]} .

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ، في هذا المعنى : " لتأخذن كما أخذت الأمم من قبلكم ، ذراعا بذارع ، وشبرا{[29227]} بشبر ، وباعا بباع ، حتى لو أن أحدا دخل جُحر [ ضب ]{[29228]} لدخلتموه " ، رواه عنه أبو هريرة :

ثم قال أبو هريرة : اقرأوا إن شئتم : { كالذين من قبلكم } الآية{[29229]} .

قال أبو هريرة : " الخلاق " : الدين{[29230]} .

{ أولئك حبطت أعمالهم }[ 69 ] .

يعني الذين قالوا : { إنما كنا نخوض ونلعب } ، ركبوا فعل من سبقهم من الأمم الهالكين{[29231]} .

ومعنى { حبطت } : بطلت{[29232]} { وأولئك هم الخاسرون }[ 69 ] .

أي : المغبونون صفقتهم ، لبيعهم نعيم الأبد بعرض الدنيا اليسير منه{[29233]} .


[29218]:مشكل إعراب القرآن 1/333، والبيان 1/403، والتبيان 2/650. وفي إعراب القرآن للنحاس 2/227، "قال أبو إسحاق (الزجاج): "الكاف" في موضع نصب، أي: وعد الله الكفار نار جهنم وعدا كما وعد الذين من قبلهم.
[29219]:قال الأشموني في منار الهدى 167، {مقيم} ليس بوقف، لتعلق ما بعده بما قبله. وقيل: حسن، لكونه رأس آية، وذلك على قطع "الكاف" في قوله: {كالذين} عما قبلها: أي: أنتم كالذين، فـ"الكاف" في محل رفع خبر مبتدأ محذوف. انظر: القطع والإئتناف 365، وعلل الوقوف 2/553، والمقصد 167.
[29220]:زيادة من "ر".
[29221]:البيان 1/403، ونصه: "والكاف" في {كالذي خاضوا} في موضع نصب أيضا صفة مصدر محذوف، وتقديره: وخضتم خوضا كالخوض الذي خاضوا، والتبيان 2/650، وزاد "وفي "الذي" وجهان: أحدهما: أنه جنس، والتقدير: خوضا كخوض الذين خاضوا"، وقد ذكر مثله في قوله تعالى: {مثلهم كمثل الذي استوقد}[البقرة آية 16]. والثاني: أن "الذي" هنا مصدرية، أي كخوضهم، وهو نادر، انظر: تفسير القرطبي 8/128، والدر المصون 3/482، 483.
[29222]:في الأصل: العوقبه، وهو سهو ناسخ.
[29223]:ما بين الهلالين ساقط من "ر".
[29224]:جامع البيان 14/340، 341، بتصرف.
[29225]:في "ر": نعتا.
[29226]:انظر: البحر المحيط 5/69.
[29227]:في "ر": شبر، وهو خطأ ناسخ.
[29228]:زيادة من "ر".
[29229]:جامع البيان 14/341، وتمامه: "قالوا: يا رسول الله كما صنعت فارس والروم؟ قال "فهل الناس إلا هم؟". وفي هامش الشيخ محمود شاكر، "إسناده ضعيف، ولكن هذا الخبر له أصل في الصحيح، فقد رواه البخاري في صحيحه من طريق أحمد بن يونس، عن ابن أبي ذئب، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة....، بغير هذا اللفظ". وقال الحافظ ابن كثير في التفسير 2/368، "....وهذا الحديث له شاهد في الصحيح، انظر: صحيح الجامع الصغير وزيادته 2/903.
[29230]:تفسير ابن أبي حاتم 6/1834، وزاد نسبته إلى مجاهد وابن عباس، وتفسير القرطبي 8/128، وتفسير ابن كثير 2/386، والدر المنثور 4/233، وفي المخطوطتين: الذين، وهو تصحيف.
[29231]:جامع البيان 14/344، بتصرف.
[29232]:أخرجه ابن أبي حاتم في التفسير 6/1835، عن أبي مالك.
[29233]:جامع البيان 14/344، بتصرف.