في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَوۡمَ يَخۡرُجُونَ مِنَ ٱلۡأَجۡدَاثِ سِرَاعٗا كَأَنَّهُمۡ إِلَىٰ نُصُبٖ يُوفِضُونَ} (43)

وعندما يبلغ السياق هذا المقطع ، بعد تصوير هول العذاب في ذلك اليوم المشهود ؛ وكرامة النعيم للمؤمنين ، وهوان شأن الكافرين . يتجه بالخطاب إلى رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ليدعهم لذلك اليوم ولذلك العذاب ، ويرسم مشهدهم فيه ، وهو مشهد مكروب ذليل :

( فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون . يوم يخرجون من الأجداث سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون ، خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة ، ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون ) . .

وفي هذا الخطاب من تهوين شأنهم ، ومن التهديد لهم ، ما يثير الخوف والترقب . وفي مشهدهم وهيئتهم وحركتهم في ذلك اليوم ما يثير الفزع والتخوف . كما أن في التعبير من التهكم والسخرية ما يناسب اعتزازهم بأنفسهم واغترارهم بمكانتهم . .

فهؤلاء الخارجون من القبور يسرعون الخطى كأنما هم ذاهبون إلى نصب يعبدونه . . وفي هذا التهكم تناسق مع حالهم في الدنيا . لقد كانوا يسارعون إلى الأنصاب في الأعياد ويتجمعون حولها . فها هم أولاء يسارعون اليوم ، ولكن شتان بين يوم ويوم !

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{يَوۡمَ يَخۡرُجُونَ مِنَ ٱلۡأَجۡدَاثِ سِرَاعٗا كَأَنَّهُمۡ إِلَىٰ نُصُبٖ يُوفِضُونَ} (43)

أي : يقومون من القبور إذا دعاهم الرب ، تبارك وتعالى ، لموقف الحساب ، ينهضون سراعًا كأنهم إلى نصب يوفضون .

قال ابن عباس ، ومجاهد ، والضحاك : إلى عَلَم يسعون . وقال أبو العالية ، ويحيى بن أبي كثير : إلى غاية يسعون إليها .

وقد قرأ الجمهور : " نَصْب " بفتح النون وإسكان الصاد ، وهو مصدر بمعنى المنصوب . وقرأ الحسن البصري : { نُصُبٍ } بضم النون والصاد ، وهو الصنم ، أي : كأنهم في إسراعهم إلى الموقف كما كانوا في الدنيا يهرولون إلى النصب إذا عاينوه يوفضون ، يبتدرون ، أيهم يستلمه أول . وهذا مروي عن مجاهد ، ويحيى بن أبي كثير ، ومسلم البَطين{[29339]} وقتادة ، والضحاك ، والربيع بن أنس ، وأبي صالح ، وعاصم بن بَهْدَلة ، وابن زيد ، وغيرهم .


[29339]:- (1) في م : "وأبو مسلم البطين".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{يَوۡمَ يَخۡرُجُونَ مِنَ ٱلۡأَجۡدَاثِ سِرَاعٗا كَأَنَّهُمۡ إِلَىٰ نُصُبٖ يُوفِضُونَ} (43)

القول في تأويل قوله تعالى : { يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأجْدَاثِ سِرَاعاً كَأَنّهُمْ إِلَىَ نُصُبٍ يُوفِضُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الّذِي كَانُواْ يُوعَدُونَ } .

وقوله : يَوْمَ يَخْرُجُونَ بيان وتوجيه عن اليوم الأوّل الذي في قوله : يَوْمُهُمُ الّذِي يوعَدُونَ وتأويل الكلام : حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدونه يوم يخرجون مِن الأجداث وهي القبور : واحدها جدث سِرَاعا كأنّهُمْ إلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ ، كما :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأجْداثِ سِرَاعا : أي من القبور سراعا .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، مثله .

وقد بيّنا الجدث فيما مضى قبل بشواهده ، وما قال أهل العلم فيه .

وقوله : إلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ يقول : كأنهم إلى عَلَم قد نُصب لهم يستبقون . وأجمعت قرّاء الأمصار على فتح النون من قوله : «نَصْبٍ » غير الحسن البصري ، فإنه ذكر عنه أنه كان يضمها مع الصاد وكأن من فتحها يوجه النصب إلى أنه مصدر من قول القائل : نصبت الشيء أنصبه نصبا . وكان تأويله عندهم : كأنهم إلى صنم منصوب يسرعون سعيا . وأما من ضمها مع الصاد فأنه يوجهه إلى أنه واحد الأنصاب ، وهي آلهتهم التي كانوا يعبدونها .

وأما قوله : يُوفِضُونَ فإن الإيفاض : هو الإسراع ومنه قول الشاعر :

لأَنْعَتَنْ نَعامَةً مِيفاضَا *** خَرْجاءَ تَغْدو تطْلُبُ الإضَاَضَا

يقول : تطلب ملجأً تلجأ إليه والإيفاض : السرعة وقال رؤبة :

*** تَمْشِي بنا الجِدّ على أوْفاضٍ ***

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا ابن أبي عديّ ، عن عوف ، عن أبي العالية ، أنه قال في هذه الاَية كأنّهُمْ إلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ قال : إلى علامات يستبقون .

حدثنا محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : كأنّهُمْ إلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ قال : إلى علم يسعون .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : يُوفِضُونَ قال : يستبقون .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : كأنّهُمْ إلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ قال : إلى علم يسعون .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : كأنّهُمْ إلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ قال : إلى عَلَم يوفضون ، قال : يسعون .

حدثنا عليّ بن سهل ، قال : حدثنا الوليد بن مسلم ، قال : سمعت أبا عمر يقول : سمعت يحيى بن أبي كثير يقول : كأنّهُمْ إلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ قال : إلى غاية يستبقون .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : إلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ إلى علم ينطلقون .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان إلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ قال : إلى علم يستبقون .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : كأنّهُمْ إلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ قال : النصب : حجارة كانوا يعبدونها ، حجارة طوال يقال لها نصب . وفي قوله يوفِضُونَ قال : يُسرعون إليه كما يُسرعون إلى نصب يوفضون قال ابن زيد : والأنصاب التي كان أهل الجاهلية يعبدونها ويأتونها ويعظمونها ، كان أحدهم يحمله معه ، فإذا رأى أحسن منه أخذه ، وألقى هذا ، فقال له : كَلّ عَلىَ مَوْلاهُ أيْنَما يُوَجّهْهُ لا يأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلىَ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا أبو عامر ، قال : حدثنا مرّة ، عن الحسن ، في قوله : كأنّهُمْ إلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ قال : يبتدرون إلى نصبهم أيهم يستلمه أوّل .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا حماد بن مسعدة ، قال : حدثنا قرّة ، عن الحسن ، مثله .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يَوۡمَ يَخۡرُجُونَ مِنَ ٱلۡأَجۡدَاثِ سِرَاعٗا كَأَنَّهُمۡ إِلَىٰ نُصُبٖ يُوفِضُونَ} (43)

يوم يخرجون من الأجداث سراعا مسرعين جمع سريع كأنهم إلى نصب منصوب للعبادة أو علم يوفضون يسرعون وقرأ ابن عامر وحفص إلى نصب بضم النون والصاد والباقون من السبعة نصب بفتح النون وسكون الصاد وقرىء بالضم على أنه تخفيف نصب أو جمع .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{يَوۡمَ يَخۡرُجُونَ مِنَ ٱلۡأَجۡدَاثِ سِرَاعٗا كَأَنَّهُمۡ إِلَىٰ نُصُبٖ يُوفِضُونَ} (43)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

ثم أخبر عن ذلك اليوم الذي يعذب فيه كفار مكة، فقال تبارك اسمه: {يوم يخرجون من الأجداث} يعني القبور.

{سراعا} إلى الصوت.

{كأنهم إلى نصب يوفضون} يقول كأنهم إلى علم يسعون إليه قد نصب لهم...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وقوله:"يَوْمَ يَخْرُجُونَ "بيان وتوجيه عن اليوم الأوّل الذي في قوله:"يَوْمُهُمُ الّذِي يوعَدُونَ" وتأويل الكلام: حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدونه، يوم يخرجون مِن الأجداث وهي القبور: واحدها جدث.

"سِرَاعا كأنّهُمْ إلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ" كأنهم إلى عَلَم قد نُصب لهم يستبقون.

وأما قوله: "يُوفِضُونَ" فإن الإيفاض: هو الإسراع.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

[نصب] قرئ بنصب النون وجزم الصادر، وهو اسم العلامة كالعرض وأشباهه.

وقرئ بضم [فسكون] 3 وهم اسم الصنم.

فإن كان على العلامة، فمعناه أنهم يسارعون في ذلك الوقت إلى إجابة الداعي مسارعة من يسرع في هذه الدنيا إلى العرض والعلامة المنصوبة. كذا قال بعض أهل التأويل.

وذكر عن الكلبي: {إلى نصب يوفضون} إلى علم يسعون. وقال قتادة: إلى علم يستبقون، وعن مجاهد: إلى علم ينطلقون.

فإن كان على الثاني فمعناه أنهم يسرعون إلى إجابة الداعي في ذلك كسرعتهم إلى عبادة النصب عند خوفهم فوت عبادتها وعند اجتماع عبّادها [عندما يبتدرون] نصبهم حتى يستلموها.

ومنهم من ذكر أن النصب يرفع النون والصاد، هي الأعراض التي يستبقون إليها. ومن تأول هذا فهو يجعل النصب ههنا جمع النصب.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

النصب: ما نصب للإنسان فهو يقصد مسرعاً إليه من علم أو بناء أو صنم لأهل الأصنام. وقد كثر استعمال هذا الاسم في الأصنام حتى قيل لها الأنصاب، ويقال لشبكة الصائد نصب. وقال أبو العالية {إلى نصب يوفضون} معناه: إلى غايات يستبقون.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما كان ما بعد النفخة الثانية أعظمه وأهوله، أبدل منه قوله: {يوم يخرجون} أي هؤلاء الذين يسألون عنه سؤال استهزاء ويستبعدونه، وقراءة أبي بكر عن عاصم بالبناء للمفعول على طريقة كلام القادرين تدل على أنه مما هو في غاية السهولة {من الأجداث} أي القبور التي صاروا بتغيبهم فيها تحت وقع الحافر والخف، فهم بحيث لا يدفعون شيئاً يفعل بهم بل هم كلحم في فم ماضغ، فإن الجدث القبر والجدثة صوت الحافر والخف ومضغ اللحم {سراعاً} أي نحو صوت الداعي. ولما كانت عادة الإنسان الإسراع إلى ما يقصده من الأعلام المنصوبة، وعادتهم -هم بالخصوص- المبادرة إلى الأنصاب التي يبعدونها ما هي عليه من الخساسة خفة منهم في العلوم وطيشاً في الحلوم قال: {كأنهم إلى نصب} أي علم منصوب مصدر بمعنى المفعول كما تقول: هذا نصب عيني وضرب الأمير -هذا على قراءة الجماعة بالفتح، وعلى قراءة ابن عامر وحفص بالضم: إلى علم أو شيء يعبدونه من دون الله على ما فيه من الداء القاتل والبلاء، أو حجر يذبحون عليه، قال في الجمع بين العباب والمحكم: النَصْب والنُصْب والنُصُب: الداء والبلاء: والنُصُب كل ما نصب فجعل علماً، والنَصْب والنَصَب: العلم المنصوب، والنُصْب والنُصُب: كل ما عبد من دون الله، والجمع أنصاب، والأنصاب حجارة كانت حول الكعبة تنصب فيهل عليها ويذبح عليها لغير الله، وانصاب الحرم: حدوده،

{يوفضون} أي يعجلون عجلة من هو ذاهب إلى ما يسره حتى كأنه يطرد إليه كما كانوا يسرعون إلى أنصابهم.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 42]

وعندما يبلغ السياق هذا المقطع، بعد تصوير هول العذاب في ذلك اليوم المشهود؛ وكرامة النعيم للمؤمنين، وهوان شأن الكافرين. يتجه بالخطاب إلى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] ليدعهم لذلك اليوم ولذلك العذاب، ويرسم مشهدهم فيه، وهو مشهد مكروب ذليل: (فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون. يوم يخرجون من الأجداث سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون، خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة، ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون).. وفي هذا الخطاب من تهوين شأنهم، ومن التهديد لهم، ما يثير الخوف والترقب. وفي مشهدهم وهيئتهم وحركتهم في ذلك اليوم ما يثير الفزع والتخوف. كما أن في التعبير من التهكم والسخرية ما يناسب اعتزازهم بأنفسهم واغترارهم بمكانتهم.. فهؤلاء الخارجون من القبور يسرعون الخطى كأنما هم ذاهبون إلى نصب يعبدونه.. وفي هذا التهكم تناسق مع حالهم في الدنيا. لقد كانوا يسارعون إلى الأنصاب في الأعياد ويتجمعون حولها. فها هم أولاء يسارعون اليوم، ولكن شتان بين يوم ويوم!...