( لا يمسه إلا المطهرون ) . . فقد زعم المشركون أن الشياطين تنزلت به . فهذا نفي لهذا الزعم . فالشيطان لا يمس هذا الكتاب المكنون في علم الله وحفظه . إنما تنزل به الملائكة المطهرون . . وهذا الوجه هو أظهر الوجوه في معنى( لا يمسه إلا المطهرون ) . ف( لا )هنا نافية لوقوع الفعل . وليست ناهية . وفي الأرض يمس هذا القرآن الطاهر والنجس . والمؤمن والكافر ، فلا يتحقق النفي على هذا الوجه . إنما يتحقق بصرف المعنى إلى تلك الملابسة . ملابسة قولهم : تنزلت به الشياطين . ونفي هذا الزعم إذ لا يمسه في كتابه السماوي المكنون إلا المطهرون . .
قال ابن جرير : حدثني إسماعيل بن موسى{[28152]} ، أخبرنا شريك ، عن حكيم - هو ابن جبير - عن سعيد بن جُبَيْر ، عن ابن عباس : { لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ } قال : الكتاب الذي في السماء .
وقال العَوْفِيّ ، عن ابن عباس : { [ لا يَمَسُّهُ ] إِلا الْمُطَهَّرُونَ } {[28153]} يعني : الملائكة . وكذا قال أنس ، ومجاهد ، وعِكْرِمَة ، وسعيد بن جُبَيْر ، والضحاك ، وأبو الشعثاء جابر بن زيد ، وأبو نَهِيك ، والسُّدِّيّ ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، وغيرهم .
وقال ابن جرير : حدثنا ابن عبد الأعلى ، حدثنا ابن ثور ، حدثنا معمر ، عن قتادة : { لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ } قال : لا يمسه عند الله إلا المطهرون ، فأما في الدنيا فإنه يمسه المجوسي النجس ، والمنافق الرجس . وقال : وهي في قراءة ابن مسعود : { مَا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ } .
وقال أبو العالية : { لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ } ليس أنتم أصحاب الذنوب .
وقال ابن زيد : زَعَمت كفار قريش أن هذا القرآن تنزلت به الشياطين ، فأخبر الله تعالى أنه لا يمسه إلا المطهرون كما قال : { وَمَا تَنزلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ . وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ . إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ } [ الشعراء : 210 - 212 ] .
وهذا القول قول جيد ، وهو لا يخرج عن الأقوال التي قبله .
وقال الفراء : لا يجد طعمه ونفعه إلا من آمن به .
وقال آخرون : { لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ } أي : من الجنابة والحدث . قالوا : ولفظ الآية خبر ومعناها الطلب ، قالوا : والمراد بالقرآن هاهنا المصحف ، كما روى مسلم ، عن ابن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو ، مخافة أن يناله العدو{[28154]} . واحتجوا في ذلك بما رواه الإمام مالك في موطئه ، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حَزم : أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم : ألا يمس القرآن إلا طاهر{[28155]} . وروى أبو داود في المراسيل ، من حديث الزهري قال : قرأت في صحيفة عند أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ولا يمس القرآن إلا طاهر " {[28156]} .
وهذه وِجَادةٌ جيدة . قد قرأها الزهري وغيره ، ومثل هذا ينبغي{[28157]} الأخذ به . وقد أسنده الدارقطني عن عمرو بن حزم ، وعبد الله بن عمر ، وعثمان بن أبي العاص ، وفي إسناد كل منها نظر{[28158]} ، والله أعلم .
قوله : لا يَمَسّهُ إلاّ المُطَهّرُونَ يقول تعالى ذكره : لا يمسّ ذلك الكتاب المكنون إلا الذين قد طهّرهم الله من الذنوب . واختلف أهل التأويل في الذين عنوا بقوله : إلاّ المُطَهّرُونَ فقال بعضهم : هم الملائكة . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قال : إذا أراد الله أن ينزل كتابا نسخته السفرة ، فلا يمسه إلا المطهرون ، قال : يعني الملائكة .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن الربيع بن أبي راشد ، عن سعيد بن جُبَير لا يَمَسّهُ إلاّ المُطَهّرُونَ قال : الملائكة الذين في السماء .
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن الربيع بن أبي راشد ، عن سعيد بن جُبَير لا يَمَسّهُ إلاّ المُطَهّرُونَ قال : الملائكة .
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن الربيع بن أبي راشد ، عن سعيد بن جُبَير . لا يَمَسّهُ إلاّ المُطَهّرُونَ قال : الملائكة .
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا عبيد الله ، يعني العتكي ، عن جبار بن زيد وأبي نهيك في قوله : لا يَمَسّهُ إلاّ المُطَهّرُونَ يقول : الملائكة .
قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن أبيه ، عن عكرِمة لا يَمَسّهُ إلاّ المُطَهّرُونَ قال الملائكة .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : لا يَمَسّهُ إلاّ المُطَهّرُونَ قال الملائكة .
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا جرير ، عن عاصم ، عن أبي العالية لا يَمَسّهُ إلاّ المُطَهّرُونَ قال : الملائكة .
وقال آخرون : هم حملة التوراة . والإنجيل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن أبيه ، عن عكِرمة لا يَمَسّهُ إلاّ المُطَهّرُونَ قال : حملة التوراة والإنجيل .
وقال آخرون في ذلك : هم الذين قد طهروا من الذنوب كالملائكة والرسل . ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا مروان ، قال : أخبرنا عاصم الأحول ، عن أبي العالية الرياحي ، في قوله : لا يَمَسّهُ إلاّ المُطَهّرُونَ قال : ليس أنتم ، أنتم أصحاب الذنوب .
حدثني يونس ، قال أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : لا يَمَسّهُ إلاّ المُطَهّرُونَ قال : الملائكة والأنبياء والرسل التي تنزل به من عند الله مطهرة ، والأنبياء مطهرة ، فجبريل ينزل به مُطَهّر ، والرسل الذين تجيئهم به مُطَهّرون فذلك قوله : لا يَمَسّهُ إلاّ المُطَهّرُونَ والملائكة والأنبياء والرسل من الملائكة ، والرسل من بني آدم ، فهؤلاء ينزلون به مطهرون ، وهؤلاء يتلونه على الناس مطهرون ، وقرأ قول الله بأيْدِي سَفَرةٍ كِرامٍ بَرَرَةٍ قال : بأيدي الملائكة الذين يحصون على الناس أعمالهم .
وقال آخرون : عنى بذلك : أنه لا يمسه عند الله إلا المطهرون . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : لا يَمَسّهُ إلاّ المُطَهّرُونَ ذاكم عند ربّ العالمين ، فأما عندكم فيمسه المشرك النجس ، والمنافق الرّجِس .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قوله : لا يَمَسّهُ إلاّ المُطَهّرُونَ قال لا يمسه عند الله إلا المطهرون ، فأما في الدنيا فإنه يمسه المجوسيّ النجس ، والمنافق الرجس . وقال في حرف ابن مسعود «ما يَمَسّهُ إلاّ المُطَهّرُونَ » .
والصواب من القول من ذلك عندنا ، أن الله جلّ ثناؤه ، أخبر أن لا يمسّ الكتاب المكنون إلا المطهرون فعمّ بخبره المطهرين ، ولم يخصص بعضا دون بعض فالملائكة من المطهرين ، والرسل والأنبياء من المطهرين وكل من كان مطهرا من الذنوب ، فهو ممن استثني ، وعني بقوله : إلاّ المُطَهّرُونَ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.