في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوۡمِهِۦٓ إِلَّآ أَن قَالُواْ ٱقۡتُلُوهُ أَوۡ حَرِّقُوهُ فَأَنجَىٰهُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلنَّارِۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ} (24)

14

وبعد هذا الخطاب المعترض في ثنايا القصة ، الذي جاء خطابا لكل منكر لدعوة الإيمان ولقوم إبراهيم ضمنا . . بعد هذا الخطاب يعود لبيان جواب قوم إبراهيم ، فيبدو هذا الجواب غربيا عجيبا ، ويكشف عن تبجح الكفر والطغيان ، بما يملك من قوة ومن سلطان :

( فما كان جواب قومه إلا أن قالوا : اقتلوه أو حرقوه . فأنجاه الله من النار . إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون ) . .

اقتلوه أو حرقوه . . ردا على تلك الدعوة الواضحة البسيطة المرتبة التي خاطب بها قلوبهم وعقولهم على النحو الذي بينا قيمته في عرض الدعوات .

وإذ أن الطغيان أسفر عن وجهه الكالح ؛ ولم يكن إبراهيم - عليه السلام - يملك له دفعا ، ولا يستطيع منه وقاية . وهو فرد أعزل لا حول له ولا طول . فهنا تتدخل القدرة سافرة كذلك . تتدخل بالمعجزة الخارقة لمألوف البشر :

( فأنجاه الله من النار ) . .

وكان في نجاته من النار على النحو الخارق الذي تمت به آية لمن تهيأ قلبه للإيمان . ولكن القوم لم يؤمنوا على الرغم من هذه الآية الخارقة ، فدل هذا على أن الخوارق لا تهدي القلوب ، إنما هوالاستعداد للهدى والإيمان :

إن في ذلك لايات لقوم يؤمنون . .

الآية الأولى هي تلك النجاة من النار . والآية الثانية هي عجز الطغيان عن إيذاء رجل واحد يريد الله له النجاة . والآية الثالثة هي أن الخارقة لا تهدي القلوب الجاحدة ذلك لمن يريد أن يتدبر تاريخ الدعوات ، وتصريف القلوب ، وعوامل الهدى والضلال .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوۡمِهِۦٓ إِلَّآ أَن قَالُواْ ٱقۡتُلُوهُ أَوۡ حَرِّقُوهُ فَأَنجَىٰهُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلنَّارِۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ} (24)

يقول تعالى مخبرا عن قوم إبراهيم في كفرهم وعنادهم ومكابرتهم ، ودفعهم الحق بالباطل : أنه ما كان لهم جواب بعد مقالة إبراهيم هذه المشتملة على الهدى والبيان ، { إِلا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ } ، وذلك لأنهم قام عليهم البرهان ، وتوجهت عليهم الحجة ، فعدلوا إلى استعمال جاههم وقوة ملكهم ، { قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ . فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الأسْفَلِينَ } [ الصافات : 97 ، 98 ] ، وذلك أنهم حَشَدوا في جمع أحطاب عظيمة مدة طويلة ، وحَوّطوا حولها ، ثم أضرموا فيها النار ، فارتفع لها لهب إلى عَنَان السماء : ولم توقد{[22528]} نار قط أعظم منها ، ثم عمدوا إلى إبراهيم فكتفوه وألقوه في كفَّة المنجنيق ، ثم قذفوا به فيها ، فجعلها الله عليه بردا وسلاما ، وخرج منها سالما بعد ما مكث فيها أياما . ولهذا وأمثاله جعله الله للناس إماما . فإنه بذل نفسه للرحمن ، وجسده للنيران ، وسخا بولده للقربان ، وجعل ماله للضيفان ، ولهذا اجتمع على محبته جميع أهل الأديان .

وقوله : { فَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ } أي : سَلَّمه [ الله ]{[22529]} منها ، بأن جعلها عليه بردا وسلاما ، { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } .


[22528]:- في ت : "توجد".
[22529]:- زيادة من ت ، ف.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوۡمِهِۦٓ إِلَّآ أَن قَالُواْ ٱقۡتُلُوهُ أَوۡ حَرِّقُوهُ فَأَنجَىٰهُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلنَّارِۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ} (24)

القول في تأويل قوله تعالى : { فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاّ أَن قَالُواْ اقْتُلُوهُ أَوْ حَرّقُوهُ فَأَنْجَاهُ اللّهُ مِنَ النّارِ إِنّ فِي ذَلِكَ لاَيَاتٍ لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } .

يقول تعالى ذكره : فلم يكن جواب قوم إبراهيم له إذ قال لهم : اعبدوا الله واتقوه ، ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون ، إلاّ أن قال بعضهم لبعض : اقتلوه أو حرّقوه بالنار ، ففعلوا ، فأرادوا إحراقه بالنار ، فأضرموا له النار ، فألقَوه فيها ، فأنجاه الله منها ، ولم يسلطها عليه ، بل جعلها عليه بَرْدا وسلاما . كما :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة ، قوله : فَمَا كانَ جَوَابَ قوم إبراهيم إلاّ أنْ قالُوا اقْتُلُوهُ أوْ حَرّقُوهُ ، فَأنجاهُ اللّهُ مِنَ النّارِ قال : قال كعب : ما حرقت منه إلاّ وثاقه إنّ فِي ذلكَ لاَياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ يقول تعالى ذكره : إن في إنجائنا لإبراهيم من النار ، وقد ألقي فيها وهي تَسعَر ، وتصييرها عليه بردا وسلاما ، لأدلة وحججا لقوم يصدّقون بالأدلة والحجج إذا عاينوا ورأوا .