والمهد قيل : حجر أمه . وقيل : الآلة المعروفة لإضجاع الصبي . وكيف كان فالمراد أنه يكلم الناس في الحالة التي يحتاج الصبي فيها إلى المهد
{ وكهلاً } عطف على الظرف أي يكلم الناس في الصغر وفي الكهولة . والكهل في اللغة الذي اجتمع قوته وكمل شبابه من قولهم : " اكتهل النبات " أي قوي . روي أن عمره بلغ ثلاثاً وثلاثين ثم رفع إلى السماء . ولا ريب أن أكمل أحوال الإنسان ما بين الثلاثين والأربعين ، فيكون عيسى قد بلغ سن الكهولة . وعن الحسين بن الفضل : المراد أن يكون كهلاً بعد نزوله من السماء وأنه حينئذٍ يكلم الناس ويقتل الدجال . فإن قيل : إن تكلمه في المهد من المعجزات ، ولكن تكلمه في حالة الكهولة ليس من المعجزات ، فما الفائدة في ذكره ؟ فالجواب من وجوه . قال أبو مسلم : معناه أنه يتكلم حال كونه في المهد وحال كونه كهلاً على حد واحد وصفة واحدة ، ولا شك أنه غاية في الإعجاز ، وقيل : المراد الرد على نصارى نجران وبيان كونه متقلباً في الأحوال من الصبا إلى الكهولة ؛ فإن التغير على الإله محال . وقيل : المراد أنه يكلم الناس مرة واحدة في المهد لإظهار طهارة أمه ، ثم عند الكهولة يتكلم بالوحي والنبوة . وقال الأصم : المراد أنه يبلغ حال الكهولة .
ويخرج من قول الحسين بن الفضل جواب آخر . وههنا بحث للنصارى قالوا : إن كلامه في المهد من أعجب الأمور وأغربها ولا شك أن مثل هذه الواقعة يكون بمحضر جمع عظيم وتتوفر الدواعي على نقلها فيبلغ حد التواتر . فلو كانت هذه الواقعة موجودة لكان أولى الناس بمعرفتها النصارى لأنهم أفرطوا في محبته حتى ادّعوا إلهيته ، لكنهم أطبقوا على إنكاره فعلمنا أنها لم توجد أصلاً . والجواب أن إطباق النصارى على إنكاره ممنوع . ولو سلم فإن كلام عيسى في المهد إنما كان للدلالة على براءة مريم مما نسب إليها من السوء وكان الحاضرون حينئذٍ جمعاً قليلاً ولا يبعد في مثلهم التواطؤ على الإخفاء . وبتقدير أن يذكروا ذلك فإن غيرهم كانوا يكذبونهم في ذلك وينسبونهم إلى البهت . فهم أيضاً قد سكتوا لهذه العلة . فلهذه الأسباب بقي الأمر مكتوماً إلى أن نطق القرآن بذلك . ثم ختم أوصاف عيسى بقوله : { ومن الصالحين } كما ختم بذلك أوصاف يحيى . وفيه أن الدخول في زمرة الصالحين والانتظام في سلكهم هو المقصد الأسني والأمر الأقصى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.