وأياً ما كانت أسباب بسط الرزق وقبضه من عمل الناس ، ومن حكمة الله ، فهي مسألة منفصلة عن أن تكون دليلاً بذاتها على أن المال والرزق والأبناء والمتاع قيم تقدم أو تؤخر عند الله . ولكنها تتوقف على تصرف المبسوط لهم في الرزق أو المضيق عليهم فيه . فمن وهبه الله مالاً وولداً فأحسن فيهما التصرف فقد يضاعف له الله في الثواب جزاء ما أحسن في نعمة الله . وليست الأموال والأولاد بذاتها هي التي تقربهم من الله ؛ ولكن تصرفهم في الأموال والأولاد هو الذي يضاعف لهم في الجزاء :
( وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى . إلا من آمن وعمل صالحاً فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات آمنون .
ثم قال : { وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى } أي : ليست هذه دليلا على محبتنا لكم ، ولا اعتنائنا بكم .
قال{[24370]} الإمام أحمد ، رحمه الله : حدثنا كَثير ، حدثنا جعفر ، حدثنا يزيد بن الأصم ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم{[24371]} : «إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ، ولكن إنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم » . [ و ]{[24372]} رواه مسلم وابن ماجة ، من حديث كثير بن هشام ، عن جعفر بن بُرْقَان ، به . {[24373]}
ولهذا قال : { إِلا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا } أي : إنما يقربكم عندنا زلفى الإيمان والعمل الصالح ، { فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا } أي : تضاعف{[24374]} لهم الحسنة بعشرة{[24375]} أمثالها ، إلى سبعمائة ضعف { وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ } أي : في منازل الجنة العالية آمنون من كل بأس وخوف وأذى ، ومن كل شر يُحْذَر منه .
قال{[24376]} ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا فَرْوَة بن أبي المغراء الكندي ، حدثنا القاسم وعلي بن مُسْهِر ، عن عبد الرحمن بن إسحاق ، عن النعمان بن سعد ، عن علي ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن في الجنة لَغرفا ترى ظهورها من بطونها ، وبطونها من ظهورها » . فقال أعرابي : لمن هي ؟ قال : " لمن طيب الكلام ، وأطعم الطعام ، وأدام الصيام ، [ وصلى بالليل والناس نيام ] " {[24377]} {[24378]} .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَمَآ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ بِالّتِي تُقَرّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَىَ إِلاّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلََئِكَ لَهُمْ جَزَآءُ الضّعْفِ بِمَا عَمِلُواْ وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ } .
يقول جلّ ثناؤه : وما أموالكم التي تفتخرون بها أيّها القوم على الناس ، ولا أولادكم الذين تتكبرون بهم بالتي تقرّبكم منا قُرْبَةً . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : عِنْدَنا زُلْفَى قال : قُربَى .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَما أمْوَالُكُمْ وَلا أوْلادُكُمْ بالّتِي تُقَرّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفَى لا يعتبر الناس بكثرة المال والولد ، وإن الكافر قد يُعْطَى المال ، وربما حُبِس عن المؤمن .
وقال جلّ ثناؤه : وَما أمْوَالُكُمْ وَلا أوْلادُكُمْ بالتي تُقَرّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفَى ولم يقل باللّتين ، وقد ذكر الأموال والأولاد ، وهما نوعان مختلفان لأنه ذُكر من كل نوع منهما جمع يصلح فيه التي ولو قال قائل : أراد بذلك أحد النوعين لم يبعد قوله ، وكان ذلك كقول الشاعر :
نَحْنُ بِمَا عِنْدَنا ، وأنْتَ بِمَا *** عِنْدَكَ رَاضٍ والرأيُ مُخْتَلِفُ
وقوله : إلاّ مَنْ آمَنَ وعَمِلَ صَالِحا اختلف أهل التأويل في معنى ذلك فقال بعضهم : معنى ذلك : وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقرّبكم عندنا زُلفى ، إلاّ من آمن وعمل صالحا ، فإنه تقرّبهم أموالهم وأولادهم بطاعتهم الله في ذلك وأدائهم فيه حقه إلى الله زلفى دون أهل الكفر بالله . ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قول الله : إلاّ مَنْ آمَنَ وعَمِلَ صَالِحا قال : لم تضرّهم أموالهم ولا أولادهم في الدنيا للمؤمنين ، وقرأ : لِلّذِينَ أحْسَنُوا الحُسْنَى وَزِيادَةٌ فالحُسنى : الجنة ، والزيادة : ما أعطاهم الله في الدنيا لم يحاسبهم به ، كما حاسب الاَخرين ، فمن حملها على هذا التأويل نصب بوقوع تقرّب عليه ، وقد يحتمل أن يكون «من » في موضع رفع ، فيكون كأنه قيل : وما هو إلاّ من آمن وعمل صالحا .
وقوله : فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضّعْفِ يقول : فهؤلاء لهم من الله على أعمالهم الصالحة الضعف من الثواب ، بالواحدة عشر . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضّعْفِ بِمَا عَمِلُوا قال : بأعمالهم الواحد عشر ، وفي سبيل الله بالواحد سبعُ مئة .
وقوله : فِي الغُرُفاتِ آمِنُونَ يقول : وهم في غرفات الجنات آمنون من عذاب الله .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.