في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ جَآءَكُمۡ يُوسُفُ مِن قَبۡلُ بِٱلۡبَيِّنَٰتِ فَمَا زِلۡتُمۡ فِي شَكّٖ مِّمَّا جَآءَكُم بِهِۦۖ حَتَّىٰٓ إِذَا هَلَكَ قُلۡتُمۡ لَن يَبۡعَثَ ٱللَّهُ مِنۢ بَعۡدِهِۦ رَسُولٗاۚ كَذَٰلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ مَنۡ هُوَ مُسۡرِفٞ مُّرۡتَابٌ} (34)

21

وأخيراً يذكرهم بموقفهم من يوسف ، ومن ذريته كان موسى - عليهما السلام - وكيف وقفوا موقف الشك من رسالته وما جاءهم به من الآيات ، فلا يكرروا الموقف من موسى ، وهو يصدق ما جاءهم به يوسف ، فكانوا منه في شك وارتياب . ويكذب ما جزموا به من أن الله لن يبعث من بعده رسولاً ، وها هو ذا موسى يجيء على فترة من يوسف ويكذب هذا المقال :

( ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات ، فما زلتم في شك مما جاءكم به ، حتى إذا هلك قلتم : لن يبعث الله من بعده رسولاً . كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب . الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم . كبر مقتاً عند الله وعند الذين آمنوا . كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار ) . .

وهذه هي المرة الوحيدة في القرآن التي يشار فيها إلى رسالة يوسف - عليه السلام - للقوم في مصر . وقد عرفنا من سورة يوسف ، أنه كان قد وصل إلى أن يكون على خزائن الأرض ، المتصرف فيها . وأنه أصبح " عزيز مصر " وهو لقب قد يكون لكبير وزراء مصر . وفي السورة كذلك ما قد يؤخذ منه أنه جلس على عرش مصر - وإن لم يكن ذلك مؤكداً - وذلك قوله :

( ورفع أبويه على العرش وخروا له سجداً وقال : يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقاً ) . .

وقد يكون العرش الذي رفع عليه أبويه شيئاً آخر غير عرش المملكة المصرية الفرعونية . وعلى أية حال فقد وصل يوسف إلى مكان الحكم والسلطان . ومن ثم نملك أن نتصور الحالة التي يشير إليها الرجل المؤمن . حالة شكهم فيما جاءهم به يوسف من قبل ، مع مصانعة يوسف صاحب السلطان وعدم الجهر بتكذيبه وهو في هذا المكان ! ( حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولاً ) . . وكأنما استراحوا لموته ، فراحوا يظهرون ارتياحهم في هذه الصورة ، ورغبتهم عما جاءهم به من التوحيد الخالص ، الذي يبدو مما تكلم به في سجنه مع صاحبي السجن : ( أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار ) . . فزعموا أن لن يجيئهم من بعده رسول ، لأن هذه كانت رغبتهم . وكثيراً ما يرغب المرء في شيء ثم يصدق تحققه ، لأن تحققه يلبي هذه الرغبة !

والرجل المؤمن يشتد هنا وهو يشير إلى هذا الارتياب والإسراف في التكذيب فيقول :

( كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب ) . .

فينذرهم بإضلال الله الذي ينتظر كل مسرف مرتاب في عقيدته وقد جاءته معها البينات .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ جَآءَكُمۡ يُوسُفُ مِن قَبۡلُ بِٱلۡبَيِّنَٰتِ فَمَا زِلۡتُمۡ فِي شَكّٖ مِّمَّا جَآءَكُم بِهِۦۖ حَتَّىٰٓ إِذَا هَلَكَ قُلۡتُمۡ لَن يَبۡعَثَ ٱللَّهُ مِنۢ بَعۡدِهِۦ رَسُولٗاۚ كَذَٰلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ مَنۡ هُوَ مُسۡرِفٞ مُّرۡتَابٌ} (34)

وقوله : { وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ } يعني : أهل مصر ، قد بعث الله فيهم رسولا من قبل موسى ، وهو يوسف ، عليه السلام ، كان عزيز أهل مصر ، وكان رسولا يدعو إلى الله أمته {[25507]} القبط ، فما أطاعوه تلك الساعة {[25508]} إلا لمجرد الوزارة والجاه الدنيوي ؛ ولهذا قال : { فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولا } أي : يئستم فقلتم طامعين : { لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولا } وذلك لكفرهم وتكذيبهم { كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ } أي : كحالكم هذا .


[25507]:- (5) في أ: "أمة".
[25508]:- (6) في ت، س، أ: "تلك الطاعة".