قوله تعالى : " لنجعلها لكم تذكرة " يعني سفينة نوح عليه الصلاة والسلام . جعلها الله تذكرة وعظة لهذه الأمة حتى أدركها أوائلهم ، في قول قتادة . قال ابن جريج : كانت ألواحها على الجودي . والمعنى : أبقيت لكم تلك الخشبات حتى تذكروا ما حل بقوم نوح ، وإنجاء الله آباءكم ، وكم من سفينة هلكت وصارت ترابا ولم يبق منها شيء . وقيل : لنجعل تلك الفعلة من إغراق قوم نوح وإنجاء من آمن معه موعظة لكم ؛ ولهذا قال الله تعالى : " وتعيها أذن واعية " أي تحفظها وتسمعها أذن حافظة لما جاء من عند الله . والسفينة لا توصف بهذا . قال الزجاج : ويقال وعيت كذا أي حفظته في نفسي ، أعيه وعيا . ووعيت العلم ، ووعيت ما قلت ، كله بمعنى . وأوعيت المتاع في الوعاء . قال الزجاج : يقال لكل ما حفظته في غير نفسك : " أوعيته " بالألف ، ولما حفظته في نفسك " وعيته " بغير ألف . وقرأ طلحة وحميد والأعرج " وتعيها " بإسكان العين ، تشبيها بقول : " أرنا{[15302]} " [ البقرة : 128 ] . واختلف فيها عن عاصم وابن كثير . الباقون بكسر العين ، ونظير قوله تعالى : " وتعيها أذن واعية " ، " إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب{[15303]} " [ ق : 37 ] . وقال قتادة : الأذن الواعية أذن عقلت عن الله تعالى ، وانتفعت بما سمعت من كتاب الله عز وجل . وروى مكحول أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عند نزول هذه الآية : ( سألت ربي أن يجعلها أذن علي ) . قال مكحول : فكان علي رضي الله عنه يقول ما سمعت من رسول صلي الله عليه وسلم شيئا قط فنسيته إلا وحفظته . ذكره الماوردي . وعن الحسن نحوه ذكره الثعلبي قال : لما نزلت " وتعيها أذن واعية " قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( سألت ربي أن يجعلها أذنك يا علي ) قال علي : فوالله ما نسيت شيئا بعد ، وما كان لي أن أنسى . وقال أبو برزة الأسلمي قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي : ( يا علي إن الله أمرني أن أدنيك ولا أقصيك وأن أعلمك وأن تعي وحقٌّ على الله أن تَعِيَ ) .
ولما بدأ سبحانه وتعالى بثمود الذين هم أقرب المهلكين إلى مكة المشرفة لأن التخويف بالأقرب أقعد ، وختم بقوم نوح عليه السلام لأنهم كانوا جميع أهل الأرض ولم يخف أمرهم على أحد ممن بعدهم ، علل اختيار إنجائهم بالسفينة دون غيرها فقال : { لنجعلها } أي هذه الفعلات العظيمة من إنجاء المؤمنين بحيث لا يهلك منهم بذلك العذاب أحد وإهلاك الكافرين بحيث لا يشذ منهم أحد ، وكذا السفينة التي حملنا فيها نوحاً عليه السلام ومن معه بإبقائها{[67950]} آية من آياته وأعجوبة من بدائع بيناته وغريبة في الدهر من أعجوباته { لكم } أي{[67951]} أيها الأناسي { تذكرة } أي سبباً عظيماً لذكر{[67952]} أول إنشائه والموعظة به لتستدلوا بذلك على كمال قدرته تعالى وتمام علمه وعظمة رحمته وقهره ، فيقودكم{[67953]} ذلك إليه وتقبلوا{[67954]} بقلوبكم عليه { وتعيها } أي ولتحفظ قصة السفينة وغيرها مما تقدم ، حفظاً ثابتاً مستقراً كأنه محوى في وعاء .
ولما كان المنتفع بما يسمع الحافظ له قليلاً جداً ، دل على ذلك يتوحيد الأذن فقال موحداً منكراً {[67955]}مع الدلالة{[67956]} على تعظيمها : { أذن } أي عظيمة{[67957]} النفع { واعية * } أي من شأنها أن تحفظ ما ينبغي حفظه من الأقوال والأفعال الإلهية والأسرار الربانية لنفع عباد الله كما كان نوح عليه السلام ومن معه وهم قليل سبباً{[67958]} لإدامة النسل والبركة فيه حتى امتلأت منه الأرض . والوعي : الحفظ في النفس ، والإيعاء : الحفظ في الوعاء ، وفي ذلك توبيخ للناس بقلة الواعي منهم ، ودلالة على أن الأذن الواحدة إذا غفلت عن الله تعالى فهي السواد الأعظم ، وما سواها لا يبالي بهم الله بالة - قاله الأصبهاني والزمخشري وغيرهما .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.