البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{لِنَجۡعَلَهَا لَكُمۡ تَذۡكِرَةٗ وَتَعِيَهَآ أُذُنٞ وَٰعِيَةٞ} (12)

{ لنجعلها } : أي سفينة نوح عليه السلام ، { لكم تذكرة } بما جرى لقومه الهالكين وقومه الناجين فيها وعظة .

قال قتادة : أدركها أوائل هذه الأمة .

وقال ابن جريج : كانت ألواحها على الجودي .

وقيل : لنجعل تلك الجملة في سفينة نوح عليه السلام لكم موعظة تذكرون بها نجاة آبائكم وإغراق مكذبي نوح عليه السلام ، { وتعيها } : أي تحفظ قصتها ، { أذن } من شأنها أن تعي المواعظ ، يقال : وعيت لما حفظ في النفس ، وأوعيت لما حفظ في غير النفس من الأوعية .

وقال قتادة : الواعية هي التي عقلت عن الله وانتفعت بما سمعت من كتاب الله ؛ وفي الحديث ، أنه صلى الله عليه وسلم قال لعلي : « إني دعوت الله تعالى أن يجعلها أذنك يا علي » قال علي رضي الله تعالى عنه : فما سمعت بعد ذلك شيئاً فنسيته ، وقرأها : وتعيها ، بكسر العين وتخفيف الياء العامة ؛ وابن مصرف وأبو عمرو في رواية هارون وخارجة عنه ؛ وقنبل بخلاف عنه : بإسكانها ؛ وحمزة : بإخفاء الحركة ، ووجه الإسكان التشبيه في الفعل بما كان على وزن فعل في الاسم والفعل .

نحو : كبد وعلم .

وتعي ليس على وزن فعل ، بل هو مضارع وعي ، فصار إلى فعل وأصله حذفت واوه .

وروي عن عاصم عصمة وحمزة الأزرق : وتعيها بتشديد الياء ، قيل : وهو خطأ وينبغي أن يتأول على أنه أريد به شدة بيان الياء إحترازاً ممن سكنها ، لا إدغام حرف في حرف ، ولا ينبغي أن يجعل ذلك من باب التضعيف في الوقف ، ثم أجرى الوصل مجرى الوقف ، وإن كان قد ذهب إلى ذلك بعضهم .

وروي عن حمزة وعن موسى بن عبد الله العنسي : وتعيها بإسكان الياء ، فاحتمل الاستئناف وهو الظاهر ، واحتمل أن يكون مثل قراءة من أوسط ما تطعمون أهاليكم بسكون الياء .

وقال الزمخشري : فإن قلت : لم قيل { أذن واعية } على التوحيد والتنكير ؟ قلت : للإيذان بأن الوعاة فيهم قلة ، ولتوبيخ الناس بقلة من يعي منهم ، وللدلالة على أن الأذن الواحدة إذا وعت وعقلت عن الله تعالى فهي السواد الأعظم عند الله تعالى ، وأن ما سواها لا يبالي بالة وإن ملأوا ما بين الخافقين .

انتهى ، وفيه تكثير .