الآية 12 وقوله تعالى : { لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية } فوجه التذكير فيه أن أهل مكة أبوا إجابة الرسول ، وقالوا : /591 – ب { إن وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون } [ الزخرف23 ] فذكرهم أنهم أولاد من حملوا مع نوح عليه السلام في السفينة ، وهم إنما استوجبوا النجاة ، وشرفوا في الدارين جميعا بإتباعهم الرسل . فما لكم لا تتبعونهم في تصديق الرسل دون أن تتبعوا المكذبين للرسل ، يذكرهم كذبهم في قولهم : { إن وجدنا آباءنا على أمة } [ الزخرف 22و 23 ] بل قد وجدتم آباءكم على خلاف ما أنتم عليه وتعلمون {[21904]} أن آباءكم هم الذين اتبعوا نوحا ، فنجوا ، وهم المؤمنون دون الكفرة . ووجه آخر : أنه ذكّرهم أحوال المكذبين وإلى ماذا آل أمرهم من الغرق والهلاك ، فيكون فيه تخويف من كذب من أهل مكة رسول الله صلى الله عليه وسلم فصارت تلك الجارية .
وفي السفينة موعظة ، وتذكرة ، تذكرهم عواقب المصدقين بالرسل والمكذبين بهم ، أو تذكرهم {[21905]} عظيم نعمه على آبائهم الذين حملوا في السفينة ليستأدي منهم شكر ذلك .
وقال بعضهم : كم من سفينة قد هلكت منذ ذلك الوقت ، وهي قائمة في موضع كذا عبرة وتذكرة ، ثم التذكرة تخرج على وجهين :
أحدهما : أن يراد بها الآية والعبرة ، أي جعلنا لكم ذلك لتعتبروا ، وتكون آية لكم على وحدانية الله تعالى وقدرته كقوله : { فأنجيناه وأصحاب السفينة وجعلناها آية للعالمين } [ العنكبوت 15 ] .
والثاني : أي جعلنا تلك الأنباء تذكرة لكم أي جعلناها قرآنا تقرؤونها ، وتذكرونها إلى آخر الأبد ، فتشكرون الله تعالى على ما صنع إليكم ، والله اعلم .
وقوله تعالى : { وتعيها أذن واعية } يقال : وعي الشيء إذا حفظه ، وأوعاه إذا حفظه بإناء أو غيره ، أي تحفظها أذن حافظة ، فأضاف الوعي والحفظ إلى الأذن ، والأذن لا تعي ، بل تسمع ، ثم يعيه القلب ، ولكن نسب الوعي إلى الأذن لأنه يوصل إلى الوعي من جهة الأذن ، إذ بالسمع يوعى ، والسمع من عمل الأذن ، ثم يقع المسموع في ما فيه يوعى ، وهو القلب ، فنسب الوعي إلى السمع لما يتطرق به إلى الوعي كما ذكرنا من إضافة اللباس إلى [ ما ]{[21906]} منه قدر اللباس ، وهو المطر ، وأضيف خلقنا إلى التراب لأن أصل ما منه قدر خلقنا ، هو التراب ، وجائز أن يكون الله تعالى يجعل للقلوب آذانا بها تعي ، وأبصارا بها تبصر ، فيضيف الوعي إلى آذان القلوب ، ليس إلى آذان الرؤوس ، والله اعلم .
وقيل : { أذن واعية } أي عقلت عن الله تعالى ، وانتفعت بما سمعت من كتابه ، وهي أذن المؤمن ، فأما أذن الكافر فإنها تسمع ، وتقذف ، ولا تعي لما يحصل لهم الانتفاع به ، ألا ترى أنه وصف آذانهم بالصمم لما لم ينتفعوا بالمسموع ؟ وكذلك قال : { فنبذوه وراء ظهورهم } [ آل عمران : 187 ] جعل تركهم الانتفاع به نبذا . فعلى ذلك جعل الانتفاع به وعيا ، وكذلك المتعارف في الخلق أنهم إذا أرادوا الانتفاع بعلم أو بشيء اجتهدوا في [ وعيه وحفظه ] {[21907]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.