في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَوۡ دُخِلَتۡ عَلَيۡهِم مِّنۡ أَقۡطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُواْ ٱلۡفِتۡنَةَ لَأٓتَوۡهَا وَمَا تَلَبَّثُواْ بِهَآ إِلَّا يَسِيرٗا} (14)

9

ويقف السياق عند هذه اللقطة الفنية المصورة لموقف البلبلة والفزع والمراوغة . يقف ليرسم صورة نفسية لهؤلاء المنافقين والذين في قلوبهم مرض . صورة نفسية داخلية لوهن العقيدة ، وخور القلب ، والاستعداد للانسلاخ من الصف بمجرد مصادفة غير مبقين على شيء ، ولا متجملين لشيء :

( ولو دخلت عليهم من أقطارها ، ثم سئلوا الفتنة لآتوها ، وما تلبثوا بها إلا يسيرا ) . .

ذلك كان شأنهم والأعداء بعد خارج المدينة ؛ ولم تقتحم عليهم بعد . ومهما يكن الكرب والفزع ، فالخطر المتوقع غير الخطر الواقع ، فاما لو وقع واقتحمت عليهم المدينة من أطرافها . . ( ثم سئلوا الفتنة )وطلبت إليهم الردة عن دينهم( لآتوها )سراعا غير متلبثين ، ولا مترددين( إلا قليلا )من الوقت ، أو إلا قليلا منهم يتلبثون شيئا ما قبل أن يستجيبوا ويستسلموا ويرتدوا كفارا ! فهي عقيدة واهنة لا تثبت ؛ وهو جبن غامر لا يملكون معه مقاومة !

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَلَوۡ دُخِلَتۡ عَلَيۡهِم مِّنۡ أَقۡطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُواْ ٱلۡفِتۡنَةَ لَأٓتَوۡهَا وَمَا تَلَبَّثُواْ بِهَآ إِلَّا يَسِيرٗا} (14)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

ولو دخلت عليهم المدينة من نواحيها يعني نواحي المدينة {ثم سئلوا الفتنة} يعني الشرك.

{لآتوها} لأعطوها عفوا: لو أن الأحزاب دخلوا المدينة، ثم أمروهم بالشرك لأشركوا.

{وما تلبثوا بها إلا يسيرا}: ما تحسبوا بالشرك إلا قليلا حتى يعطوا طائعين.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وقوله:"وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أقْطارِها" يقول: ولو دخلت المدينة على هؤلاء القائلين "إنّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ ""من أقطارها"، يعني: من جوانبها ونواحيها...

وقوله: "ثُمّ سُئِلُوا الفِتْنَةَ" يقول: ثم سئلوا الرجوع من الإيمان إلى الشرك "لاَتَوْها" يقول: لفعلوا ورجعوا عن الإسلام وأشركوا.

وقوله: "وَما تَلَبّثُوا بها إلاّ يَسِيرا" يقول: وما احتبسوا عن إجابتهم إلى الشرك إلاّ يسيرا قليلاً، ولأسرعوا إلى ذلك...

قال ابن زيد، في قوله "وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أقْطارِها" يقول: لو دخلت المدينة عليهم من نواحيها "ثُمّ سُئِلُوا الفِتْنَةَ لآتَوْها" سئلوا أن يكفروا لكفروا قال: وهؤلاء المنافقون لو دخلت عليهم الجيوش، والذين يريدون قتالهم ثم سئلوا أن يكفروا لكفروا قال: والفتنة: الكفر، وهي التي يقول الله "والفِتْنَةُ أشَدّ مِنَ القَتْلِ" أي الكفر يقول: يحملهم الخوف منهم، وخبث الفتنة التي هم عليها من النفاق على أن يكفروا به.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

إنهم يتعللون بإعوار بيوتهم، ويتمحلون ليفروا عن نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، وعن مصافة الأحزاب الذين ملؤوهم هولاً ورعباً؛ وهؤلاء الأحزاب كما هم، لو كبسوا عليهم أرضهم وديارهم وعرض عليهم الكفر وقيل لهم كونوا على المسلمين، لسارعوا إليه وما تعللوا بشيء، وما ذاك إلا لمقتهم الإسلام. وشدة بغضهم لأهله، وحبهم الكفر وتهالكهم على حزبه.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

إشارة إلى أن ذلك الفرار والرجوع ليس لحفظ البيوت لأن من يفعل فعلا لغرض، فإذا فاته الغرض لا يفعله، كمن يبذل المال لكي لا يؤخذ منه بيته فإذا أخذ منه البيت لا يبذله، فقال الله تعالى هم قالوا بأن رجوعنا عنك لحفظ بيوتنا، ولو دخلها الأحزاب وأخذوها منهم لرجعوا أيضا، وليس رجوعهم عنك إلا بسبب كفرهم وحبهم الفتنة.

{إلا يسيرا} فإنها تزول وتكون العاقبة للمتقين، ويحتمل أن يكون المراد المدينة أو البيوت أي ما تلبثوا بالمدينة إلا يسيرا فإن المؤمنين يخرجونهم.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

عبر بأداة الاستعلاء فقال: {عليهم} إشارة إلى أنه دخول غلبة {من أقطارها} أي جوانبها كلها بحيث لا يكون لهم مكان للهرب.

ولما كان قصد الفرار مع الإحاطة بالدار، من جميع الأقطار، دون الاستقتال للدفع عن الأهل والمال، بعيداً عن أفعال الرجال؛ عبر بأداة التراخي فقال: {ثم سئلوا} أي من أيّ سائل كان {الفتنة} أي الخروج منها فارّين، وكأنه سماه بها لأنه لما كان أشد الفتنة من حيث أنه لا يخرج الإنسان من بيته إلا الموت أو ما يقاربه كان كأنه لا فتنة سواه.

{لأتوها} أي الفتنة بالخروج فراراً، إجابة لسؤال من سألهم مع غلبة الظن بالدخول على صفة الإحاطة أن لا نجاة، فهم أبداً يعولون على الفرار من غير قتال حماية لذمار او دفعاً لعار، أو ذباً عن أهل أو جار، وهذا المعنى ينتظم قراءة أهل الحجاز بالقصر وغيرهم بالمد، فإن من أجاب إلى الفرار فقد أعطى ما كأنه كان في يده منه غلبة وجبناً وقد جاءه وفعله.

ولما كان هذا عند العرب -مع ما لهم من النجدة والخوف من السبة- لا يكاد يصدق، أشار إلى ذلك بتأكيده في زيادة تصويره فقال: {وما تلبثوا بها} أي البيوت {إلا يسيراً} فصح بهذا أنهم لا يقصدون إلا الفرار، لا حفظ البيوت من المضار.

تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :

{وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا} أي: ليس لهم منعة ولا تَصلُّبٌ على الدين، بل بمجرد ما تكون الدولة للأعداء، يعطونهم ما طلبوا، ويوافقونهم على كفرهم، هذه حالهم.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

ويقف السياق عند هذه اللقطة الفنية المصورة لموقف البلبلة والفزع والمراوغة. يقف ليرسم صورة نفسية لهؤلاء المنافقين والذين في قلوبهم مرض. صورة نفسية داخلية لوهن العقيدة، وخور القلب، والاستعداد للانسلاخ من الصف بمجرد مصادفة غير مبقين على شيء، ولا متجملين لشيءذلك كان شأنهم والأعداء بعد خارج المدينة؛ ولم تقتحم عليهم بعد. ومهما يكن الكرب والفزع، فالخطر المتوقع غير الخطر الواقع، فاما لو وقع واقتحمت عليهم المدينة من أطرافها.. (ثم سئلوا الفتنة لآتوها) سراعا غير متلبثين، ولا مترددين (إلا قليلا) من الوقت، أو إلا قليلا منهم يتلبثون شيئا ما قبل أن يستجيبوا ويستسلموا ويرتدوا كفارا! فهي عقيدة واهنة لا تثبت؛ وهو جبن غامر لا يملكون معه مقاومة!

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

موقع هذه الآية زيادة تقرير لمضمون جملة {وما هي بعورة إنْ يريدون إلا فراراً} [الأحزاب: 13] فإنها لتكذيبهم في إظهارهم التخوف على بيوتهم، ومرادهم خذل المسلمين. ولذلك فالدخول في قوله: {ولو دُخِلت عليهم} هو دخول الغزو فيتعين أن يكون ضمير {دُخلت} عائداً إلى مدينة يثرب لا إلى البيوت من قولهم {إن بيوتنا عورة} [الأحزاب: 13]، والمعنى: لو غُزِيت المدينة من جوانبها الخ... والمعنى: لو دَخلت جيوش الأحزاب المدينة وبقي جيش المسلمين خارجها أي مثلاً، لأن الكلام على الفرض والتقدير، وسأل الجيشُ الداخلُ الفريقَ المستأذنين أن يُلقوا الفتنة في المسلمين بالتفريق والتخذيل لخرجوا لذلك القصد مُسرعين ولم يثبطهم الخوف على بيوتهم أن يدخلها اللصوص أو ينهبها الجيش: إما لأنهم آمنون من أن يلقَوا سوءاً من الجيش الداخل لأنهم أولياء له ومعاونون، فهم منهم وإليهم، وإما لأن كراهتهم الإسلام تجعلهم لا يكترثون بنهب بيوتهم. والاستثناء في قوله {إلا يسيراً} يظهر أنه تهكم بهم فيكون المقصود تأكيد النفي بصورة الاستثناء.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

من المعلوم أنّ أناسا بهذا الضعف والتزلزل وعدم الثبات غير مستعدّين للقاء العدوّ ومحاربته، ولا هم متأهّبون لتقبّل الشهادة في سبيل الله، بل يستسلمون بسرعة ويغيّرون مسيرهم.

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَلَوۡ دُخِلَتۡ عَلَيۡهِم مِّنۡ أَقۡطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُواْ ٱلۡفِتۡنَةَ لَأٓتَوۡهَا وَمَا تَلَبَّثُواْ بِهَآ إِلَّا يَسِيرٗا} (14)

ولما كانت{[55212]} عنايتهم مشتدة{[55213]} بملازمة دورهم . فأظهروا اشتداد العناية بحمايتها زوراً ، بين الله ذلك ودل عليه بالإسناد إلى الدور تنبيهاً{[55214]} على أنها ربة الحماية والعمدة فقال : { ولو دخلت } أي بيوتهم من أيّ داخل كان من هؤلاء الأحزاب{[55215]} أو{[55216]} غيرهم ، وأنث الفعل نصاً على المراد وإشارة إلى أن{[55217]} ما ينسب{[55218]} إليهم جدير بالضعف ، وعبر بأداة الاستعلاء فقال : { عليهم } إشارة إلى أنه دخول غلبة{[55219]} { من أقطارها } أي جوانبها كلها بحيث لا يكون لهم مكان للهرب{[55220]} .

ولما كان قصد الفرار مع الإحاطة بالدار ، من جميع الأقطار ، دون الاستقتال{[55221]} للدفع عن الأهل والمال ، بعيداً عن أفعال الرجال ؛ عبر{[55222]} بأداة التراخي فقال : { ثم سئلوا } أي{[55223]} من أيّ سائل كان{[55224]} { الفتنة } أي الخروج منها فارّين ، وكأنه سماه بها لأنه لما كان أشد الفتنة{[55225]} {[55226]}من حيث أنه لا يخرج الإنسان من بيته إلا الموت أو ما يقاربه كان كأنه لا فتنة سواه { لأتوها } أي الفتنة{[55227]} بالخروج فراراً ، إجابة لسؤال من سألهم مع غلبة الظن بالدخول على صفة الإحاطة أن لا نجاة ، فهم أبداً يعولون على الفرار من غير قتال حماية لذمار{[55228]} او دفعاً لعار ، أو ذباً عن أهل أو جار ، وهذا{[55229]} المعنى ينتظم قراءة أهل{[55230]} الحجاز بالقصر وغيرهم{[55231]} بالمد{[55232]} ، فإن من أجاب إلى الفرار فقد أعطى ما كأنه كان في يده منه غلبة وجبناً وقد جاءه وفعله .

ولما كان هذا عند العرب - مع ما لهم من النجدة والخوف من السبة{[55233]} - لا يكاد يصدق ، أشار إلى ذلك بتأكيده في زيادة تصويره فقال : { وما تلبثوا بها } أي{[55234]} البيوت { إلا يسيراً * } فصح بهذا أنهم لا يقصدون إلا الفرار ، لا حفظ البيوت من المضار ، ويدلك على هذا المعنى إتباعه بقوله مؤكداً لأجل ما لهم من الإنكار والحلف بالكذب{[55235]} : { ولقد كانوا } أي هؤلاء الذين أسرعوا الإجابة إلى الفرار مع الدخول عليهم على تلك الصفة من سبي حريمهم واجتياح{[55236]} بيضتهم { عاهدوا الله } أي الذي لا أجلّ منه .

ولما كان العهد ربما طال زمنه فنسي ، فكان ذلك عذراً لصاحبه ، بين قرب زمنه بعد{[55237]} بيان عظمة المعاهد اللازم منه ذكره ، فقال مثبتاً الجار : { من قبل } أي قبل هذه الحالة وهذه الغزوة حين أعجبتهم المواعيد الصادقة بالفتوحات التي سموها الآن عندما جد الجد مما هي مشروطة به من الجهاد غروراً { لا يولّون } أي يقربون عدوهم { الأدبار } أي أدبارهم{[55238]} أبداً لشيء من الأشياء ، ولا يكون لهم عمل إذا حمى الياس ، وتخالط الناس ، واحمرت الحدق وتداعس الرجال ، وتعانق الحماة الأبطال إلى{[55239]} الظفر أو الموت .

ولما كان الإنسان قد يتهاون بالعهد لإعراض المعاهد عنه قال : { وكان عهد الله } أي الوفاء بعهد من هو محيط بصفات الكمال . ولما كان العهد فضلة في الكلام لكونه مفعولاً ، واشتدت العناية به هنا ، بين ذلك بتقديمه أولاً{[55240]} ثم يجعله العمدة ، وإسناد الفعل إليه ثانياً فقال : { مسؤولاً * } ، أي في{[55241]} أن يوفي{[55242]} به ذلك الذي وقع منه .


[55212]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: كان.
[55213]:زيد من ظ وم ومد.
[55214]:زيد من ظ وم ومد.
[55215]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: الخراب.
[55216]:في ظ "و".
[55217]:زيد من م ومد.
[55218]:من م ومد، وفي الأصل: يتسبب، وفي ظ: بنت ـ كذا.
[55219]:من م ومد، وفي الأصل وظ: عليه.
[55220]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: للترب.
[55221]:من ظ وم، وفي الأصل ومد: الاستقبال.
[55222]:زيد في ظ: عنه.
[55223]:سقط من ظ.
[55224]:زيد من ظ وم ومد.
[55225]:سقط من ظ.
[55226]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[55227]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[55228]:من ظ وم، وفي الأصل: لرماد.
[55229]:العبارة من "الفرار" إلى هنا ساقطة من مد.
[55230]:زيد من ظ وم ومد.
[55231]:في ظ: غيره.
[55232]:راجع نثر المرجان 5/385.
[55233]:من م ومد، وفي الأصل وظ: الشبه.
[55234]:زيد من ظ وم ومد.
[55235]:في ظ وم ومد: في الكذب.
[55236]:من مد، وفي الأصل وظ وم: احتياج.
[55237]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: مع.
[55238]:في ظ: ديارهم.
[55239]:في الأصول: إلا.
[55240]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: أوبا.
[55241]:سقط من ظ وم ومد.
[55242]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: يؤتي.