تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
ثم أخبر بمنزلة الفريقين جميعا، فقال سبحانه: {فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون} يعني في بساتين يكرمون وينعمون فيها وهي الجنة...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
"فأمّا الّذِينَ آمَنُوا" بالله ورسوله "وعَمِلُوا الصّالِحاتِ" يقول: وعملوا بما أمرهم الله به، وانتهوا عما نهاهم عنه "فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ" يقول: فهم في الرياحين والنباتات الملتفة، وبين أنواع الزهر في الجنان يسرون، ويلذّذون بالسماع وطيب العيش الهنيّ. وإنما خصّ جلّ ثناؤه ذكر الروضة في هذا الموضع، لأنه لم يكن عند الطرفين أحسن منظرا، ولا أطيب نشرا من الرياض...فأعلمهم بذلك تعالى، أن الذين آمنوا وعملوا الصالحات من المنظر الأنيق، واللذيذ من الأراييح، والعيش الهنيّ فيما يحبون، ويسرّون به، ويغبطون عليه. والحبرة عند العرب: السرور والغبطة...
واختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: فهم في روضة يكرمون...
وقال آخرون: يلذذون بالسماع والغناء...
وكل هذه الألفاظ التي ذكرنا عمن ذكرناها عنه تعود إلى معنى ما قلنا.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات} آمنوا بكل ما أمروا أن يؤمنوا به، وعملوا بكل ما أمروا أن يعملوا.
{فهم في روضة يحبرون} والروضة كأنها اسم من أسماء الجنان.
{يحبرون}... الحبرة: النعمة الحسنة.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{فِي رَوْضَةٍ} في بستان، وهي الجنة. والتنكير لإبهام أمرها وتفخيمه. والروضة عند العرب: كل أرض ذات نبات وماء. وفي أمثالهم: أحسن من بيضة في روضة، يريدون: بيضة النعامة، {يُحْبَرُونَ} يسرون، يقال: حبره إذا سرّه سروراً تهلل له وجهه وظهر فيه أثره...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما تقدم هنا ذكر عمارة الأرض وإصلاحها للنبات ووعظ من جعلها أكبر همه بأنها لم تدم له ولا أغنت عنه شيئاً، ذكر أنه جزى من أعرض عنها بقلبه لاتباع أمره سبحانه أعظم ما يرى من زهرتها ونضرتها وبهجتها على سبيل الدوام. {فهم} أي خاصة. {في روضة} أي لا أقل منها {يحبرون} أي يسرون على سبيل التجدد كل وقت سروراً تشرق له الوجوه، وتبسم الأفواه، وتزهو العيون، فيظهر حسنها وبهجتها، فتظهر النعمة بظهور آثارها على أسهل الوجوه وأيسرها.
ثم بين كيف تفريقهم فقال : " فأما الذين آمنوا " قال النحاس : سمعت الزجاج يقول : معنى " أما " دع ما كنا فيه وخذ في غيره . وكذا قال سيبويه : إن معناها مهما كنا{[12441]} في شيء فخذ في غير ما كنا فيه . " فهم في روضة يحبرون " قال الضحاك : الروضة الجنة ، والرياض الجنان . وقال أبو عبيد : الروضة ما كان في تسفل ، فإذا كانت مرتفعة فهي ترعة . وقال غيره : أحسن ما تكون الروضة إذا كانت في موضع مرتفع غليظ . كما قال الأعشى :
ما روضة من رياض الحَزْنِ مُعْشِبَةٌ *** خضراء جاد عليها مُسْبِلٌ هَطِلُ{[12442]}
يضاحك الشمس منها كوكب شَرِقٌ *** مُؤَزَّرٌ بعمِيمِ النبت مُكْتَهِلُ{[12443]}
يوما بأطيب منها نَشْرَ رائحةٍ *** ولا بأحسن منها إذ دنا الأُصُلُ{[12444]}
إلا أنه لا يقال لها روضة إلا إذا كان فيها نبت ، فإن لم يكن فيها نبت وكانت مرتفعة فهي ترعة . وقد قيل في الترعة غير هذا . وقال القشيري : والروضة عند العرب ما ينبت حول الغدير من البقول . ولم يكن عند العرب شيء أحسن منه . الجوهري : والجمع روض ورياض ، صارت الواو ياء لكسر ما قبلها . والروض : نحو من نصف القربة ماء . وفي الحوض روضة من ماء إذا غطى أسفله . وأنشد أبو عمرو :
وروضة سقيتُ منها نِضْوَتِي{[12445]}
" يحبرون " قال الضحاك وابن عباس : يكرمون . وقيل ينعمون . وقاله مجاهد وقتادة . وقيل يسرون . السدي : يفرحون . والحبرة عند العرب : السرور والفرح . ذكره الماوردي . وقال الجوهري : الحبر : الحبور وهو السرور . ويقال : حبره يحبره ( بالضم ) حبرا وحبرة . قال تعالى : " فهم في روضة يحبرون " أي ينعمون ويكرمون ويسرون . ورجل يحبور{[12446]} يفعول من الحبور . النحاس : وحكى الكسائي : حبرته أي أكرمته ونعمته . وسمعت علي بن سليمان يقول : هو مشتق من قولهم : على أسنانه حبرة أي أثر ، ف " يحبرون " يتبين عليهم أثر النعيم . والحبر مشتق من هذا . قال الشاعر :
لا تملأ الدَّلْوَ وعَرِّقْ{[12447]} فيها*** أما ترى حَبَارَ من يسقيهَا
وقيل : أصله من التحبير وهو التحسين ، ف " يحبرون " يحسنون . يقال : فلان حسن الحبر والسبر إذا كان جميلا حسن الهيئة . ويقال أيضا : فلان حسن الحبر والسبر ( بالفتح ) ، وهذا كأنه مصدر قولك : حبرته حبرا إذا حسنته . والأول اسم ، ومنه الحديث : ( يخرج رجل من النار ذهب حبره وسبره ) وقال يحيى بن أبي كثير " في روضة يحبرون " قال : السماع{[12448]} في الجنة ، وقاله الأوزاعي ، قال : إذا أخذ أهل الجنة في السماع{[12449]} لم تبق شجرة في الجنة إلا رددت الغناء بالتسبيح والتقديس . وقال الأوزاعي : ليس أحد من خلق الله أحسن صوتا من إسرافيل ، فإذا أخذ في السماع قطع على أهل سبع سموات صلاتهم وتسبيحهم . زاد غير الأوزاعي : ولم تبق شجرة في الجنة إلا رددت ، ولم يبق ستر ولا باب إلا ارتج وانفتح ، ولم تبق حلقة إلا طنت بألوان طنينها ، ولم تبق أجمة من أجام الذهب إلا وقع أهبوب الصوت في مقاصبها ، فزمرت تلك المقاصب بفنون الزمر ، ولم تبق جارية من جوار الحور العين إلا غنت بأغانيها ، والطير بألحانها ، ويوحي الله تبارك وتعالى إلى الملائكة أن جاوبوهم وأسمعوا عبادي الذين نزهوا أسماعهم عن مزامير الشيطان فيجاوبون بألحان وأصوات روحانيين فتختلط هذه الأصوات فتصير رجة واحدة ، ثم يقول الله جل ذكره : يا داود قم عند ساق عرشي فمجدني ، فيندفع داود بتمجيد ربه بصوت يغمر الأصوات ويجليها{[12450]} وتتضاعف اللذة ، فذلك قوله تعالى : " فهم في روضة يحبرون " . ذكره الترمذي الحكيم رحمه الله . وذكر الثعلبي من حديث أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يذكر الناس ، فذكر الجنة وما فيها من الأزواج والنعيم ؛ وفي أخريات القوم أعرابي فقال : يا رسول الله ، هل في الجنة من سماع ؟ فقال : ( نعم يا أعرابي ، إن في الجنة لنهرا حافتاه الأبكار من كل بيضاء خمصانية يتغنين بأصوات لم تسمع الخلائق بمثلها قط ، فذلك أفضل نعيم الجنة ) فسأل رجل أبا الدرداء : بماذا يتغنين ؟ فقال : بالتسبيح . والخمصانية : المرهفة الأعلى ، الخمصانة البطن ، الضخمة الأسفل .
قلت : وهذا كله من النعيم والسرور والإكرام ، فلا تعارض بين تلك الأقوال . وأين هذا من قوله الحق : " فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين " [ السجدة : 17 ] على ما يأتي{[12451]} . وقوله عليه السلام : ( فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ) . وقد روي : ( إن في الجنة لأشجارا عليها أجراس من فضة ، فإذا أراد أهل الجنة السماع بعث الله ريحا من تحت العرش فتقع في تلك الأشجار{[12452]} فتحرك تلك الأجراس بأصوات لو سمعها أهل الدنيا لماتوا طربا ) . ذكره الزمخشري .
{ فأما الذين آمنوا } أي أقروا بالإيمان بألسنتهم { وعملوا } تصديقاً لإقرارهم { الصالحات } أي كلها .
ولما تقدم هنا ذكر عمارة الأرض وإصلاحها للنبات ووعظ من جعلها أكبر همه بأنها لم تدم له{[52753]} ولا أغنت عنه شيئاً ، ذكر أنه جزى من أعرض عنها بقلبه لاتباع أمره سبحانه أعظم ما يرى من زهرتها ونضرتها وبهجتها على سبيل الدوام فقال : { فهم } أي خاصة { في روضة } أي لا أقل منها وهي{[52754]} أرض عظيمة جداً منبسطة واسعة ذات ماء غدق ونبات معجب بهج{[52755]} - هذا أصلها في اللغة و{[52756]} قال الطبري{[52757]} : ولا تجد أحسن منظراً ولا أطيب نشراً من الرياض . { يحبرون* } أي يسرون على سبيل التجدد كل وقت سروراً تشرق له الوجوه ، وتبسم الأفواه ، وتزهو العيون ، فيظهر حسنها وبهجتها{[52758]} ، فتظهر النعمة بظهور آثارها على أسهل الوجوه وأيسرها .
قال الرازي في اللوامع : وأصله - أي الحبرة - في اللغة أثر في حسن ، وقال غيره{[52759]} : حبره - إذا سره سروراً تهلل له وجهه ، وظهر فيه أثره .