في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{لَّا يَمَسُّهُۥٓ إِلَّا ٱلۡمُطَهَّرُونَ} (79)

57

( لا يمسه إلا المطهرون ) . . فقد زعم المشركون أن الشياطين تنزلت به . فهذا نفي لهذا الزعم . فالشيطان لا يمس هذا الكتاب المكنون في علم الله وحفظه . إنما تنزل به الملائكة المطهرون . . وهذا الوجه هو أظهر الوجوه في معنى( لا يمسه إلا المطهرون ) . ف( لا )هنا نافية لوقوع الفعل . وليست ناهية . وفي الأرض يمس هذا القرآن الطاهر والنجس . والمؤمن والكافر ، فلا يتحقق النفي على هذا الوجه . إنما يتحقق بصرف المعنى إلى تلك الملابسة . ملابسة قولهم : تنزلت به الشياطين . ونفي هذا الزعم إذ لا يمسه في كتابه السماوي المكنون إلا المطهرون . .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{لَّا يَمَسُّهُۥٓ إِلَّا ٱلۡمُطَهَّرُونَ} (79)

المطهَّرون : المنزّهون عن الأدناس .

لا يمسّ هذا اللوح ولا يطلع عليه غير المقربين من الملائكة .

لقد فسر بعضُهم هذه الآية بأنه لا يَمَسُّ القرآن من كان مُحْدِثا ، واختلف العلماء في ذلك ، فقال جمهور العلماء لا يجوز أن يمسّ أحدٌ القرآن إلا إذا كان متطهّرا ، وقال عدد من العلماء بالجواز .

 
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{لَّا يَمَسُّهُۥٓ إِلَّا ٱلۡمُطَهَّرُونَ} (79)

وقوله تعالى : { لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ المطهرون } إما صفة بعد صفة لكتاب مراداً به اللوح ، فالمراد بالمطهرون الملائكة عليهم السلام أي المطهرون المنزهون عن كدر الطبيعة ودنس الحظوظ النفسية ، وقيل : عن كدر الأجسام ودنس الهيولى والطهارة عليهما طهارة معنوية ، ونفى مسه كناية عن لازمه وهو نفي الاطلاع عليه وعلى ما فيه ، وإما صفة أخرى لقرآن .

والمراد بالمطهرون المطهرون عن الحدث الأصغر والحدث الأكبر بحمل الطهارة على الشرعية ، والمعنى لا ينبغي أن يمس القرآن إلا من هو على طهارة من الناس فالنفي هنا نظير ما في قوله تعالى : { الزانى لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً } [ النور : 3 ] وقوله صلى الله عليه وسلم : " المسلم أخو المسلم لا يظلمه " الحديث وهو بمعنى النهي بل أبلغ من النهي الصريح ، وهذا أحد أوجه ذكروها للعدول عن جعل لا ناهية ، وثانيها : أن المتبادر كون الجملة صفة والأصل فيها أن تكون خبرية ولا داعي لاعتبار الإنشائية وارتكاب التأويل ، وثالثها : أن المتبادر من الضمة أنها إعراب فالحمل على غيره فيه إلباس ، ورابعها : أن عبد الله قرأ ما يمسه وهي تؤيد أن لا نافية وكون المراد بالمطهرين الملائكة عليهم السلام مروى من عدة طرق عن ابن عباس ، وكذا أخرجه جماعة عن أنس . وقتادة . وابن جبير . ومجاهد . وأبي العالية . وغيرهم إلا أن في بعض الآثار عن بعض هؤلاء ما هو ظاهر في أن الضمير في { لاَّ يَمَسُّهُ } مع كون المراد بالمطهرين الملائكة عليهم السلام راجع إلى القرآن .

أخرج عبد بن حميد . وابن جرير عن قتادة أنه قال : في الآية ذاك عند رب العالمين لا يمسه إلا المطهرون من الملائكة فأما عندكم فيمسه المشرك والنجس ، والمنافق الرجس ، وأخرجاهما . وابن المنذر . والبيهقي في المعرفة عن الحبر قال : في الآية الكتاب المنزل في السماء لا يمسه إلا الملائكة ، ويشير إليه ما أخرج ابن المنذر عن النعيمي قال : قال مالك : أحسن ما سمعت في هذه الآية { لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ المطهرون } أنها بمنزلة الآية التي في عبس { كَلاَّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاء ذَكَرَهُ فَى صُحُفٍ مُّكَرَّمَة مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ بِأَيْدِى سَفَرَةٍ * كِرَامٍ بَرَرَةٍ } [ عبس : 11 16 ] وكون المراد بهم المطهرين من الأحداث مروى عن محمد الباقر على آبائه وعليه السلام . وعطاء . وطاوس . وسالم .

وأخرج سعيد بن منصور . وابن أبي شيبة في «المصنف » . وابن المنذر . والحاكم وصححه عن عبد الرحمن بن زيد قال : كنا مع سلمان يعني الفارسي رضي الله تعالى عنه فانطلق إلى حاجة فتوارى عنا فخرج إلينا فقلنا لو توضأت فسألناك عن أشياء من القرآن ؟ فقال : سلوني فإني لست أمسه إنما يمسه المطهرون ثم تلا { لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ المطهرون } ، وقيل : الجملة صفة لقرآن ، والمراد بالمطهرون المطهرون من الكفر ، والمس مجاز عن الطلب كاللمس في قوله تعالى : { أَنَاْ لَمَسْنَا السماء } [ الجن : 8 ] أي لا يطلبه إلا المطهرون من الكفر ، ولم أر هذا مروياً عن أحد من السلف ، والنفي عليه على ظاهره ، ورجح جمع جعل الجملة وصفاً للقرآن لأن الكلام مسوق لحرمته وتعظيمه لا لشأن الكتاب المكنون ، وإن كان في تعظيمه تعظيمه . وصحح الإمام جعلها وصفاً للكتاب وفيه نظر وعلى الوصفية للقرآن ذهب من ذهب إلى اختيار تفسير المطهرين بالمطهرين عن الحدث الأكبر والأصغر .

وفي «الأحكام » للجلال السيوطي استدل الشافعي بالآية على منع المحدث من مس المصحف وهو ظاهر في اختيار ذلك ، والاحتمال جعل الجملة صفة للكتاب المكنون أو للقرآن ، وكون المراد بالمطهرين الملائكة المقربين عليهم السلام على ما سمعت عن ابن عباس . وقتادة عدل الأكثرون عن الاستدلال بها على ذلك إلى الاستدلال بالأخبار ، فقد أخرج الإمام مالك . وعبد الرزاق . وابن أبي داود . وابن المنذر عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه قال في كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يمس القرآن إلا طاهر " إلى غير ذلك ، وقال بعضهم : يجوز أن يؤخذ منع مس غير الطاهر القرآن من الآية على الاحتمالين الآخرين أيضاً ، وذلك لأنها أفادت تعظيم شأن القرآن وكونه كريماً ، والمس بغير طهر مخل بتعظيمه فتأباه الآية وهو كما ترى ، وأطال الإمام الكلام في هذا المقام بما لا يخفى حاله على من راجعه ، نعم لا شك في دلالة الآية على عظم شأن القرآن ومقتضى ذلك الاعتناء بشأنه ولا ينحصر الاعتناء بمنع غير الطاهر عن مسه بل يكون بأشياء كثيرة كالإكثار من تلاوته والوضوء لها وأن لا يقرأه الشخص وهو متنجس الفم فإنه مكروه .

وقيل : حرام كالمس باليد المتنجسة ، وكون القراءة في مكان نظيف ، والقارىء مستقبل القبلة متخشعاً بسكينة ووقار مطرقاً رأسه ، والاستياك لقراءته ، والترتيل ، والتدبر ، والبكاء ، أو التباكي ، وتحسين الصوت بالقراءة وأن لا يتخذه معيشة ، وأن يحافظ على أن لا ينسى آية أوتيها منه ، فقد أخرج أبو داود وغيره «عرضت عليّ ذنوب أمتي فلم أر ذنباً أعظم من سورة من القرآن أو آية أوتيها رجل ثم نسيها ، وأن لا يجامع بحضرته فإن أراد ستره ، وأن لا يضع غيره من الكتب السماوية وغيرها فوقه ، وأن لا يقلب أوراقه بأصبع عليها بزاق ينفصل منه شيء فقد قيل : بكفر من يفعل ذلك ، إلى أمور أخر مذكورة في محالها ، وفي وجوب كون القارىء طاهراً من الأحداث خلاف ، فعن ابن عباس في رواية أنه يجوز للجنب قراءة القرآن ، وروي ذلك أيضاً عن الإمام أبي حنيفة ، وعن ابن عمر أحبّ إلي أن لا يقرأ إلا طاهر وكأنهم اعتبروه كسائر الأذكار والفرق مثل الشمس ظاهر .

وقرأ عيسى { المطهرون } اسم مفعول مخففاً من أطهر ، ورويت عن نافع . وأبي عمرو ، وقرأ سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه { المطهرون } بتخفيف الطاء وتشديد الهاء وكسرها اسم فاعل من طهر أي { المطهرون } أنفسهم ، أو غيرهم بالاستغفار لهم والإلهام ، وعنه أيضاً { المطهرون } بتشديدهما وأصله المتطهرون فأدغم التاء بعد إبدالها في الطاء ؛ ورويت عن الحسن . وعبد الله بن عون ، وقرئ المتطهرون على الأصل .

ومما قاله السادة أرباب الإشارة : متعلقاً ببعض هذه السورة الكريمة وقيل : في قوله تعالى : { لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ المطهرون } [ الواقعة : 79 ] إن فيه إشارة إلى أنه لا ينبغي لمن لم يكن طاهر النفس من حدث الميل إلى صغائر الشهوات وهو الحدث الأصغر ومن حدث الميل إلى كبائر الشهوات وهو الحدث الأكبر أن يمس بيد نفسه وفكره معاني القرآن الكريم كما لا ينبغي لمن لم يكن طاهر البدن من الحدثين المعروفين في البدن أن يمس بيد بدنه وجسده ألفاظه المكتوبة ، وقيل : أيضاً يجوز أن يقال المعنى لا يصل إلى أدنى حقائق أسرار القرآن الكريم إلا المطهرون من أرجاس الشهوات وأنجاس المخالفات .

وإذا كانت هذه الجملة صفة للكتاب المكنون المراد منه اللوح المحفوظ وأريد بالمطهرين الملائكة عليهم السلام ، وكان المعنى لا يطلع عليه إلا الملائكة عليهم السلام كان في ذلك ردّ على من يزعم أن الأولياء يرون اللوح المحفوظ ويطلعون على ما فيه ، وحمل المطهرين على ما يعم الملائكة والأولياء الذين طهرت نفوسهم وقدست ذواتهم حتى التحقوا بالملائكة عليهم السلام لا ينفع في البحث مع أهل الشرع فإن مدار استدلالاتهم على الأحكام الشرعية الظواهر على أنه لم يسمع عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو هو أنه نظر يوماً وهو بين أصحابه إلى اللوح المحفوظ واطلع على شيء مما فيه ، وقال لهم : إني رأيت اللوح المحفوظ واطلعت على كذا وكذا فيه ، وكذلك لم يسمع عن أجلة أصحابه الخلفاء الراشدين أنه وقع لهم ذلك ، وقد وقعت بينهم مسائل اختلفوا فيها وطال نزاعهم في تحقيقها إلى أن كاد يغم هلال الحق فيها ولم يراجع أحد منهم لكشفها اللوح المحفوظ .

وذكر بعض العلماء أن سدرة المنتهى ينتهي علم من تحتها إليها وأن اللوح فوقها بكثير ، وبكل من ذلك نطقت الآثار ، وهو يشعر بعدم اطلاع الأولياء على اللوح ، ومع هذا كله من ادعى وقوع الاطلاع فعليه البيان وأنى به ، وهذا الذي سمعت مبني على ما نطقت به الأخبار في صفة اللوح المحفوظ وأنه جسم كتب فيه ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة ، وأما إذا قيل فيه غير ذلك انجر البحث إلى وراء ما سمعت ، واتسعت الدائرة .

ومن ذلك قولهم : إن الألواح أربعة ، لوح القضاء السابق على المحو والإثبات وهو لوح العقل الأول ، ولوح القدر أي لوح النفس الناطقة الكلية التي يفصل فيها كليات اللوح الأول وهو المسمى باللوح المحفوظ ، ولوح النفس الجزئية السماوية التي ينتقش فيها كل ما في هذا العالم شكله وهيئته ومقداره وهو المسمى بالسماء الدنيا وهو بمثابة خيال العالم كما أن الأول بمثابة روحه ، والثاني بمثابة قلبه ، ولوح الهيولى القابل للصورة في عالم الشهادة ويقولون أيضاً ما يقولون وينشد المنتصر له قوله

: وإذا لم تر الهلال فسلم *** لأناس رأوه بالأبصار

هذا ولا تظنن أن نفي رؤيتهم للوح المحفوظ نفي لكراماتهم الكشفية وإلهاماتهم الغيبية معاذ الله تعالى من ذلك ، وطرق اطلاع الله تعالى من شاء من أوليائه على من شاء من علمه غير منحصر بإراءته اللوح المحفوظ ثم إن الإمكان مما لا نزاع فيه وليس الكلام إلا في الوقوع ، وورود ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وأجلة أصحابه كالصديق .

والفاروق . وذي النورين . وباب مدينة العلم . والنقطة التي تحت الباء رضي الله تعالى عنهم أجمعين ، والله تعالى أعلم .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{لَّا يَمَسُّهُۥٓ إِلَّا ٱلۡمُطَهَّرُونَ} (79)

{ لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ } أي : لا يمس القرآن إلا الملائكة الكرام ، الذين طهرهم الله تعالى من الآفات ، والذنوب والعيوب ، وإذا كان لا يمسه إلا المطهرون ، وأن أهل الخبث والشياطين ، لا استطاعة لهم ، ولا يدان إلى مسه ، دلت الآية بتنبيهها{[973]}  على أنه لا يجوز أن يمس القرآن إلا طاهر ، كما ورد بذلك الحديث ، ولهذا قيل أن الآية خبر بمعنى النهي أي : لا يمس القرآن إلا طاهر .


[973]:- في ب: تنيها.
 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{لَّا يَمَسُّهُۥٓ إِلَّا ٱلۡمُطَهَّرُونَ} (79)

قوله تعالى : { لا يمسه } أي : ذلك الكتاب المكنون ، { إلا المطهرون } وهم الملائكة الموصوفون بالطهارة ، يروى هذا عن أنس ، وهو قول سعيد بن جبير ، وأبي عالية ، وقتادة وابن زيد : أنهم الملائكة ، وروى حسان ، عن الكلبي قال : هم السفرة الكرام البررة . وروى محمد بن الفضل عنه : لا يقرؤه إلا الموحدون . قال عكرمة : وكان ابن عباس ينهى أن يمكن اليهود والنصارى من قراءة القرآن . قال الفراء : لا يجد طعمه ونفعه إلا من آمن به . وقال قوم : معناه لا يمسه إلا المطهرون من الأحداث والجنابات ، وظاهر الآية نفي ومعناها نهي ، قالوا : لا يجوز للجنب ولا للحائض ولا المحدث حمل المصحف ولا مسه ، وهو قول عطاء ، وطاوس ، وسالم ، والقاسم ، وأكثر أهل العلم ، وبه قال مالك والشافعي . وقال الحكم ، وحماد ، وأبو حنيفة : يجوز للمحدث والجنب حمل المصحف ومسه بغلاف . والأول قول أكثر الفقهاء .

أخبرنا أبو الحسن السرخسي ، أنبأنا زاهر بن أحمد ، أنبأنا أبو إسحاق الهاشمي ، أنبأنا أبو مصعب عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم أن لا يمس القرآن إلا طاهر . والمراد بالقرآن : المصحف ، سماه قرآناً على قرب الجوار والاتساع . كما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو " . وأراد به المصحف .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{لَّا يَمَسُّهُۥٓ إِلَّا ٱلۡمُطَهَّرُونَ} (79)

قوله : { لا يمسّه إلا المطهرون } الجملة صفة ، والموصوف يحتمل وجهين : أحدهما : أنه الكتاب المكنون وهو الللوح المحفوظ . فإنه لا يمسه إلا من كان مطهرا من الأدناس وهم الملائكة المقربون . وثانيهما : أنه القرآن ، فيكون المعنى : لا ينبغي أن يمس القرآن من الناس إلا من كان مطهرا من الجنابة والحدث ، ولفظ الآية خبر ومعناه الطلب ، وهذا هو الأظهر والراجح . فقد روى مسلم عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو ، مخافة أن يناله العدو " وكذلك ما أخرجه مالك في موطئه عن عمرو بن حزم أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم " أن لا يمس القرآن إلا طاهر " .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{لَّا يَمَسُّهُۥٓ إِلَّا ٱلۡمُطَهَّرُونَ} (79)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{لا يمسه إلا المطهرون} لا يمس ذلك الكتاب إلا المطهرون من الذنوب، وهم الملائكة السفرة.

تفسير الإمام مالك 179 هـ :

{لا يمسه إلا المطهرون}...قال مالك: أحسن ما سمعت في هذه الآية: {لا يمسه إلا المطهرون} أنها هي بمنزلة هذه الآية التي في عبس وتولى، قول الله تبارك وتعالى: {كلا إنها تذكرة* فمن شاء ذكره * في صحف مكرمة* مرفوعة مطهرة* بأيدي سفرة* كرام بررة}. قال مالك: ولا يحمل أحد المصحف بعلاقته، ولا على وسادة إلا وهو طاهر، ولو جاز ذلك لحمل في خبيئته ولم يكره ذلك. لأن يكون في يدي الذي يحمله شيء يدنس به المصحف. ولكن إنما كره ذلك، لمن يحمله وهو غير طاهر، إكراما للقرآن وتعظيما له...

عن مالك...

أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم، أن لا يمس القرآن إلا طاهر.

تفسير الشافعي 204 هـ :

{لا يَمَسُّهُ إِلا اَلْمُطَهَّرُونَ}...فاختلف فيها أهل التفسير. فقال بعضهم: فرض لا يمسه إلا مطهر، يعني: متطهر تجوز له الصلاة؛ وهذا المعنى تحتمله الآية، وذكر ما يشهد له من السنة.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

قوله:"لا يَمَسّهُ إلاّ المُطَهّرُونَ "يقول تعالى ذكره: لا يمسّ ذلك الكتاب المكنون إلا الذين قد طهّرهم الله من الذنوب. واختلف أهل التأويل في الذين عنوا بقوله: "إلاّ المُطَهّرُونَ"؛ فقال بعضهم: هم الملائكة...

وقال آخرون في ذلك: هم الذين قد طهروا من الذنوب كالملائكة والرسل...

وقال آخرون: عنى بذلك: أنه لا يمسه عند الله إلا المطهرون... عن قتادة، قوله: "لا يَمَسّهُ إلاّ المُطَهّرُونَ" ذاكم عند ربّ العالمين، فأما عندكم فيمسه المشرك النجس، والمنافق الرّجِس...

والصواب من القول من ذلك عندنا، أن الله جلّ ثناؤه، أخبر أن لا يمسّ الكتاب المكنون إلا المطهرون فعمّ بخبره المطهرين، ولم يخصص بعضا دون بعض فالملائكة من المطهرين، والرسل والأنبياء من المطهرين وكل من كان مطهرا من الذنوب، فهو ممن استثني، وعني بقوله "إلاّ المُطَهّرُونَ"..

الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي 427 هـ :

... كان ابن عباس ينهى أن يمكن اليهود والنصارى من قراءة القرآن...لا يجد طعمه ونفعه إلاّ من آمن به...

لا يعرف تفسيره وتأويله إلاّ من طهّره الله من الشرك والنفاق...

لا يوفق للعمل به إلاّ السعداء...لا يفهم حقائق القرآن إلاّ من طهر سرّه عند الأنوار من الأقذار...هم الذين طهر سرّهم عما سوى الله.

جهود الإمام الغزالي في التفسير 505 هـ :

{لا يمسه إلا المطهرون} كما أن ظاهر جلد المصحف وورقه محروس من ظاهر بشرة الملامس إلا إذا كان متطهرا، فباطن معناه أيضا بحكم عزه وجلاله محجوب عن باطن القلب إلا إذا كان متطهرا من كل رجس ومستنيرا بنور التعظيم والتوقير، وكما لا يصلح لمس جلد المصحف كل يد، فلا يصلح لتلاوة حروفه كل لسان، ولا لنيل معانيه كل قلب. (الإحياء: 1/332).

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

والمطهرون بمعنى: يطهرون أنفسهم أو غيرهم بالاستغفار لهم والوحي الذي ينزلونه.

أحكام القرآن لابن العربي 543 هـ :

هَلْ قَوْلُهُ: {لَا يَمَسُّهُ} نَهْيٌ أَوْ نَفْيٌ؟

فَقِيلَ: لَفْظُهُ لَفْظُ الْخَبَرِ، وَمَعْنَاهُ النَّهْيُ. وَقِيلَ: هُوَ نَفْيٌ. وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَقْرَؤُهَا: مَا يَمَسُّهُ إلَّا الْمُطَهَّرُونَ، لِتَحْقِيقِ النَّفْيِ...

وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إنَّهُ أَمْرٌ بِالتَّوَضُّؤِ [بِالْقُرْآنِ] إذَا أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَمَسَّ صُحُفَهُ، فَإِنَّهُمْ اخْتَلَفُوا؛ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إنَّ لَفْظَهُ لَفْظُ الْخَبَرِ وَمَعْنَاهُ الْأَمْرُ، وَقَدْ بَيَّنَّا فَسَادَ ذَلِكَ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ، وَحَقَّقْنَا أَنَّهُ خَبَرٌ عَنْ الشَّرْعِ، أَيْ لَا يَمَسُّهُ إلَّا الْمُطَهَّرُونَ شَرْعًا، فَإِنْ وُجِدَ بِخِلَافِ ذَلِكَ فَهُوَ غَيْرُ الشَّرْعِ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إنَّ مَعْنَاهُ لَا يَجِدُ طَعْمَهُ إلَّا الْمُطَهَّرُونَ من الذُّنُوبِ التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ فَهُوَ صَحِيحٌ، اخْتَارَهُ الْبُخَارِيُّ؛ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ذَاقَ طَعْمَ الْإِسْلَامِ مَنْ رَضِيَ بِاَللَّهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – نَبِيًّا»؛ لَكِنَّهُ عُدُولٌ عَنْ الظَّاهِرِ لِغَيْرِ ضَرُورَةِ عَقْلٍ وَلَا دَلِيلِ سَمْعٍ.

التفسير القيم لابن القيم 751 هـ :

{لا يمسه إلا المطهرون} وهم الملائكة، ولو أراد المؤمنين المتوضئين لقال: لا يمسه إلا المتطهرون، كما قال تعالى: {إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين} [البقرة: 222] فالملائكة مطهرون، والمؤمنون المتوضئون متطهرون.ومنها: أن هذا إخبار ولو كان نهيا لقال: لا يمسسه بالجزم والأصل في الخبر: أن يكون خبرا صورة ومعنى. ومنها: أن هذا رد على من قال: إن الشيطان جاء بهذا القرآن، فأخبر تعالى أنه {في كتاب مكنون} لا تناله الشياطين،ومنها: أن هذا نظير الآية التي في سورة عبس به: {فمن شاء ذكره * في صحف مكرمة * مرفوعة مطهرة * بأيدي سفرة * كرام بررة} [عبس: 12. 16]. ومنها: أن الآية مكية، من سورة مكية، تتضمن تقرير التوحيد، والنبوة والمعاد، وإثبات الصانع، والرد على الكفار، وهذا المعني أليق بالمقصود من فرع عملي، وهو حكم مس المحدث المصحف. ومنها: أنه لو أريد به الكتاب الذي بأيدي الناس لم يكن في الإقسام على ذلك بهذا القسم العظيم كثير فائدة، إذ من المعلوم أن كل كلام فهو قابل لأن يكون في كتاب، حقا أو باطلا، بخلاف ما إذا وقع القسم على أنه في كتاب مصون مستور عن العيون عند الله، لا يصل إليه شيطان، ولا ينال منه ولا يمسه إلا الأرواح الطاهرة الزكية. فهذا المعنى أليق وأجل وأخلق بالآية وأولى بلا شك. فسمعت شيخ الإسلام، ابن تيمية قدس الله روحه يقول: لكن تدل الآية بإشارتها على أنه لا يمس المصحف إلا طاهر. لأنه إذا كانت تلك الصحف لا يمسها إلا المطهرون لكرامتها على الله. فهذه الصحف أولى أن لا يمسها إلا طاهر.

تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :

وروى أبو داود في المراسيل، من حديث الزهري قال: قرأت في صحيفة عند أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ولا يمس القرآن إلا طاهر". وهذه وِجَادةٌ جيدة. قد قرأها الزهري وغيره، ومثل هذا ينبغي الأخذ به. وقد أسنده الدارقطني عن عمرو بن حزم، وعبد الله بن عمر، وعثمان بن أبي العاص، وفي إسناد كل منها نظر، والله أعلم.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

(لا يمسه إلا المطهرون).. فقد زعم المشركون أن الشياطين تنزلت به. فهذا نفي لهذا الزعم. فالشيطان لا يمس هذا الكتاب المكنون في علم الله وحفظه. إنما تنزل به الملائكة المطهرون.. وهذا الوجه هو أظهر الوجوه في معنى (لا يمسه إلا المطهرون). ف (لا) هنا نافية لوقوع الفعل. وليست ناهية. وفي الأرض يمس هذا القرآن الطاهر والنجس. والمؤمن والكافر، فلا يتحقق النفي على هذا الوجه. إنما يتحقق بصرف المعنى إلى تلك الملابسة. ملابسة قولهم: تنزلت به الشياطين. ونفي هذا الزعم إذ لا يمسه في كتابه السماوي المكنون إلا المطهرون..

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

وجملة {لا يمسه إلا المطهرون} صفة ثانية ل {كتاب}.

و {المطهّرون}: الملائكة، والمراد الطهارة النفسانية وهي الزكاء. وهذا قول جمهور المفسرين وفي « الموطأ» قال مالك: أحسن ما سمعت في هذه الآية {لا يمسه إلا المطهرون} أنها بمنزلة هذه الآية التي في عبس وتولى (11- 16) قول الله تبارك وتعالى: {لكلا إنها تذكرة فمن شاء ذكره في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة بأيدي سفرة كرام بررة اهـ. {يريد أن المطهرون} هم السفرة الكرام البررة وليسوا الناس الذين يتطهرون.

ومعنى المسّ: الأخذ... فالمعنى: أن الكتاب لا يباشر نقل ما يحتوي عليه لتبليغه إلا الملائكة.

والمقصود من هذا أن القرآن ليس كما يزعم المشركون قول كاهن فإنهم يزعمون أن الكاهن يتلقى من الجن والشياطين ما يسترِقونه من أخبار السماء بزعمهم، ولا هو قول شاعر إذ كانوا يزعمون أن لكل شاعر شيطاناً يملي عليه الشعر، ولا هو أساطير الأولين، لأنهم يعنون بها الحكايات المكذوبة التي يَتلهى بها أهلُ الأسمار، فقال الله: إن هذا القرآن مطابق لما عند الله الذي لا يشاهده إلا الملائكة المطهرون.