في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞ وَٱلسَّاعَةُ لَا رَيۡبَ فِيهَا قُلۡتُم مَّا نَدۡرِي مَا ٱلسَّاعَةُ إِن نَّظُنُّ إِلَّا ظَنّٗا وَمَا نَحۡنُ بِمُسۡتَيۡقِنِينَ} (32)

ثم نلقي بأبصارنا - من خلال الكلمات - إلى الفريق الآخر . فماذا نحن واجدون ? إنه التأنيب الطويل ، والتشهير المخجل ، والتذكير بشر الأقوال والأعمال :

( وأما الذين كفروا . أفلم تكن آياتي تتلى عليكم ، فاستكبرتم ، وكنتم قوماً مجرمين ? وإذا قيل : إن وعد الله حق والساعة لا ريب فيها . قلتم : ما ندري ما الساعة ! إن نظن إلا ظنا ، وما نحن بمستيقنين ) !

فالآن كيف ترون الحال ? ! وكيف تذوقون اليقين ? !

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞ وَٱلسَّاعَةُ لَا رَيۡبَ فِيهَا قُلۡتُم مَّا نَدۡرِي مَا ٱلسَّاعَةُ إِن نَّظُنُّ إِلَّا ظَنّٗا وَمَا نَحۡنُ بِمُسۡتَيۡقِنِينَ} (32)

بمستيقنين : بمحقِّقين .

وإذا قال لكم رسول الله : إن وعدَ الله ثابت ، وإن يوم القيامة لا شكّ فيه ، قلتم : ما نعلم ما هي الساعة وما حقيقة القيامة ، وما عِلمُنا بذلك إلا ظنّ ، وما نحنُ بموقنين أنها آتية .

 
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞ وَٱلسَّاعَةُ لَا رَيۡبَ فِيهَا قُلۡتُم مَّا نَدۡرِي مَا ٱلسَّاعَةُ إِن نَّظُنُّ إِلَّا ظَنّٗا وَمَا نَحۡنُ بِمُسۡتَيۡقِنِينَ} (32)

{ وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وعْدَ الله } أي وما وعده سبحانه من الأمور الآتية أو وعده تعالى بذلك { حَقّ } أي كائن هو أو متعلقه لا محالة ففي الكلام تجوز إما في الطرف أو في النسبة .

وقرأ الأعرج . وعمرو بن قائد { وَإِذَا قِيلَ إِنَّ } بفتح الهمزة على لغة سليم { والساعة لاَ رَيْبَ فِيهَا } برفع { الساعة } في قراءة الجمهور على العطف على محل إن واسمها على ما ذهب إليه أبو علي وتبعه الزمخشري ، ومن زعم أن لاسم إن موضعاً جوز العطف عليه هنا ، وزعم أبو حيان أن الصحيح أنه لا يجوز كلا الوجهين وعليه فجملة { الساعة لاَ رَيْبَ فِيهَا } عطف على الجملة السابقة ، وقرأ حمزة { والساعة } بالنصب عطفاً على اسم أن وروي ذلك عن الأعمش . وأبي عمرو . وأبي حيوة . وعيسى . والعبسي . والمفضل ، وذكر أمر الساعة وإنها لا ريب في وقوعها مع أنها من جملة ما وعد الله تعالى اعتناءً بأمر البعث المقصود بالمقام { قُلْتُمْ } لغاية عتوكم : { مَّا نَدْرِى مَا الساعة } أي أي شيء هي استغراباً لها جداً كما يؤذن به جمع { مَّا نَدْرِى } مع الاستفهام .

{ إِن نَّظُنُّ إِلاَّ ظَنّاً } استشكل ذلك لما أنه استثناء مفرغ وقد قالوا : لا يجوم تفريغ العامل إلى المفعول المطلق المؤكد فلا يقال : ما ضربت إلا ضرباً لأنه بمنزلة ما ضربت إلا ضربت ، وقال الرضي : إن الاستثناء المفرغ يجب أن يستثنى من متعدد مقدر معرب بإعراب المستثنى مستغرق لذلك الجنس حتى يدخل فيه المستثنى بيقين ثم يخرج بالاستثناء وليس مصدر نظن محتملاً مع الظن غيره حتى يخرج الظن منه ، وكذا يقال في ما ضربت إلا ضرباً ونحوه وهذا مراد من قال : إنه من قبيل استثناء الشيء من نفسه ، واختلفوا في حله فقيل : إن معنى ما نظن ما نفعل الظن كما في نحو قيم وقعد وحينئذٍ يصح الاستثناء ويتغاير مورد النفي والإيجاب من حيث التقدير والتجوز في الاستثناء من العام المقدر وجعل { نَّظُنُّ } في معنى الفعل لا نفعل الظن كأنه قيل : ما نفعل فعلاً إلا الظن ، وكذا يقال في أمثاله ومنها قوله الأعشى :

وحل به الشيب أثقاله *** وما اغتره الشيب إلا اغترار

/ وارتضاه صاحب الكشف ، وقيل : ما نظن بتأويل ما نعتقد ويكون { ظَنّا } مفعولاً به أي ما نعتقد شيئاً إلا ظناً ، وارتضاه أبو حيان . وتعقب بأن ظاهر حالهم أنهم مترددون لا معتقدون . وأجيب بأن الاعتقاد المنفي لا ينافي ظاهر حالهم بل يقررها على أتم وجه ، وقيل المستثنى ظن أمر الساعة والمستثنى منه مطلق الظن كأنه قيل لا ظن ولا تردد لنا إلا ظن أمر الساعة والتردد فيه فالكلام لنفي ظنهم فيما سوى ذلك مبالغة ، وقال الرضي : إن ما ضربت إلا ضرباً يحتمل التعدد من حيث توهم المخاطب إذ ربما تقول ضربت وقد فعلت غير الضرب مما يجري مجراه من مقدماته كالتهديد فتدفع ذلك وتقول ضربت ضرباً فهو نظير جاء زيد زيد فلما كان ضربت محتملاً للضرب وغيره من حيث التوهم صار كالمتعدد الشامل للضرب وغيره ، وحاصله أن لاضرب لما احتمل قبل التأكيد والاستثناء فعلاً آخر حمل على العموم بقرينة الاستثناء فيكون المعنى ما فعلت شيئاً إلا ضرباً ، وهكذا { مَا نَّظُنُّ إِلاَّ ظَنّاً } وهذا كالمتحد مع ما ذكرناه أولاً .

ورد بأن الاستثناء يقتضي الشمول المحقق ولا يكفي فيه الاحتمال المحقق فضلاً عن المتوهم .

وتعقب بأنه ليس بشيء لأنه إذا تجرد الفعل لمعنى عام صار الشمول محققاً على أن عدم كفاية الشمول الفرضي غير مسلم كما يعرفه من يتتبع موارده ، وذهب ابن يعيش . وأبو البقاء إلى أنه على القلب والتقديم والتأخير والأصل إن نحن إلا نظن ظناً وحكى ذلك عن المبرد ، وقد حمل عليه ما حكاه أبو عمرو بن العلاء . وسيبويه من قول العرب : ليس الطيب إلا المسك بالرفع فقال : الأصل ليس إلا الطيب المسك ليكون اسم ليس ضمير الشأن وما بعد إلا مبتدأ وخبراً في موضع الخبر لها ، ورده الرضي وقال : إنه تكلف لما فيه من التعقيد المخل بالفصاحة .

والمثال المحكي وارد على لغة بني تميم فإنهم عاملوا ليس معاملة ما فأهملوها لانتقاض النفي بإلا ، وقيل { ظَنّا } مفعول مطلق لفعل محذوف والمستثنى محذوف والتقدير إن نظن إلا أنكم تظنون ظناً .

وحكي عن المبرد أيضاً وفيه حذف إن واسمها وخبرها وإبقاء المصدر وذلك لا يجوز ، وفيه أيضاً من التعقيد المخل بالفصاحة ما فيه ، ولا أظن صحة حكايته عن المبرد لغاية برودته ، وجوز صاحب التقريب أن يكون المراد إن نظن إلا ظناً ضعيفاً فهو مصدر مبين للنوع حذفت صفته كما صرح به في «البحر » لا مؤكد ، وهذا يوافق ما ذكره الإمام السكاكي في بحث أن التنكير قد يكون للتحقير . وتعقب بأن قوله تعالى : { وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ } يأباه فإن مقابل الاستيقان مطلق الظن لا الضعيف منه ، وقد صرح غير واحد بأن هذه الجملة كالتأكيد لما قبلها والمراد بها استمرار النفي وتأكيده ، قيل : والمعنى وما نحن بمستيقنين إمكان الساعة أي لا نتيقن إمكانها أصلاً فضلاً عن تحقق وقوعها المدلول عليه بقوله تعالى : { إِنَّ وعْدَ الله حَقٌّ والساعة لاَ رَيْبَ فِيهَا } فقولهم ذلك رد لهذا ، ولعل المثبتين لأنفسهم الظن من غير إيقان بأمر الساعة غير القائلين { ما هي إلا حياتنا الدنيا } [ الجاثية : 24 ] فإن ذلك ظاهر في أنهم منكرون للبعث جازمون بنفي الساعة فيكون الكفرة صنفين صنف جازمون بنفيها كأئمتهم وصنف مترددون متحيرون فيها فإذا سمعوا ما يؤثر عن آبائهم أنكروها وإذا سمعوا الآيات المتلوة تقهقر إنكارهم فترددوا .

ويحتمل اتحاد قائل ذاك وقائل هذا إلا أن كل قول في وقت وحال فهو مضطرب مختلف الحالات تارة يجزم بالنفي فيقول : { ما هي إلا حياتنا الدنيا } [ الجاثية : 24 ] وأخرى يظن فيقول إن نظن إلا ظناً ، وقيل : الجزم هناك بنفي وقوعها والظن من غير إيقان هنا بمجرد إمكانها فهم مترددون بإمكانها الذاتي جازمون بعدم وقوعها بالفعل فتأمل .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞ وَٱلسَّاعَةُ لَا رَيۡبَ فِيهَا قُلۡتُم مَّا نَدۡرِي مَا ٱلسَّاعَةُ إِن نَّظُنُّ إِلَّا ظَنّٗا وَمَا نَحۡنُ بِمُسۡتَيۡقِنِينَ} (32)

ويوبخون أيضا بقوله : { وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ } منكرين لذلك : { مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ }

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞ وَٱلسَّاعَةُ لَا رَيۡبَ فِيهَا قُلۡتُم مَّا نَدۡرِي مَا ٱلسَّاعَةُ إِن نَّظُنُّ إِلَّا ظَنّٗا وَمَا نَحۡنُ بِمُسۡتَيۡقِنِينَ} (32)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{وإذا قيل إن وعد الله حق} قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: إن البعث حق.

{والساعة} يعني القيامة.

{لا ريب فيها} يعني لا شك فيها أنها كائنة.

{قلتم} يا أهل مكة: {ما ندري ما الساعة إن نظن}، يعني ما نظن.

{إلا ظنا} على غير يقين.

{وما نحن بمستيقنين} بالساعة أنها كائنة...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: ويقال لهم حينئذٍ:"وَإذَا قِيلَ" لكم "إنّ وَعْدَ اللّهِ "الذي وعد عباده أنه محييهم من بعد مماتهم، وباعثهم من قبورهم "حَقّ"، "وَالسّاعَةُ" التي أخبرهم أنه يقيمها لحشرهم، وجمعهم للحساب والثواب على الطاعة، والعقاب على المعصية.

"آتية لا رَيْبَ فِيها": لا شكّ فيها يعني في الساعة، والهاء في قوله: فِيها من ذكر الساعة ومعنى الكلام: والساعة لا ريب في قيامها، فاتقوا الله وآمنوا بالله ورسوله، واعملوا لما ينجيكم من عقاب الله فيها.

"قُلْتُم ما نَدْرِي ما السّاعَةُ" تكذيبا منكم بوعد الله جلّ ثناؤه، وردّا لخبره، وإنكارا لقُدرته على إحيائكم من بعد مماتكم.

"إنْ نَظُنّ إلاّ ظَنا": وقلتم ما نظنّ أن الساعة آتية إلاّ ظنا.

"وَما نحْنُ بِمُسْتَيْقِنينَ" أنها جائية، ولا أنها كائنة...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

كان عندهم فيها ريب، لكنهم لو تأمّلوا، ونظروا في ما أقام من آياته زال عنهم الريب الذي كان لهم فيها.

ويحتمل أن يقال هذا على الإيقان إذا كان القائل به موقنا، وإن كان الذي يقال له شاكًّا في ذلك، والأول أقرب وأشبه.

ثم الناس رجلان في الساعة: أحدهما: موقن بها ومُتحقّق، ولكن بالعمل بها والاستعداد لها كالظانّ.

والثاني: ظانّ بها شاكّ فيها، جاحد لها، ومُكذّب ألا تكون.

ثم الإيقان بالشيء، هو العلم بالأسباب الظاهرة، وقد يدخل في تلك الأسباب أدنى شُبهة وشك، لذلك ذُكر فيه الظنّ، والله أعلم.

وأما العلم بالشيء فقد يكون بالسبب، وقد يكون بالتجلّي له بلا سبب، ولذلك وُصف الله تعالى بالعلم، ولم يوصف بالإيقان، ولا يقال: إنه موقن لما ذكرنا أن أحدهما يكون بأسباب والآخر لا، والله أعلم.

فيتمكّن في الإيقان أدنى شُبهة وشك، وقد تُحمل غالبا الأسباب على حقيقة الأعمال نحو المكروه، على الشر يُحمل بما أوعد به بغالب أسبابه ليس على الحقيقة، والله أعلم.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

إن قلت: ما معنى (إن نظن إلا ظناً)؟ قلت: أصله نظن ظناً. ومعناه: إثبات الظن فحسب، فأدخل حرفا النفي والاستثناء، ليفاد إثبات الظن مع نفي ما سواه، وزيد نفي ما سوى الظن توكيداً بقوله: {وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ}...

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

{إن نظن إلا ظناً} معناه: {إن نظن} بعد قبول خبركم {إلا ظناً} وليس يعطينا خبراً يقينا.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

أقول: الأغلب على الظن أن القوم كانوا في هذه المسألة على قولين؛ منهم من كان قاطعا بنفي البعث والقيامة، وهم الذين ذكرهم الله في الآية المتقدمة بقوله: {وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا}، ومنهم من كان شاكا متحيرا فيه؛ لأنهم لكثرة ما سمعوه من الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكثرة ما سمعوه من دلائل القول بصحته، صاروا شاكين فيه، وهم الذين أرادهم الله بهذه الآية، والذي يدل عليه أنه تعالى حكى مذهب أولئك القاطعين، ثم أتبعه بحكاية قول هؤلاء فوجب كون هؤلاء مغايرين للفريق الأول...

جهود القرافي في التفسير 684 هـ :

أصله: ما نظن بعد قبول قولكم إلا ظنا. وفيه من الإشكال أن الظن ما يقبل أن يقع إلا ظنا، فكيف يصح حصر الظن في الظن مع الإخبار بذلك حينئذ لا فائدة فيه، فإن كل حقيقة لا تكون إلا تلك الحقيقة، لا يكون الجسم إلا جسما، ولا العرض إلا عرضا، ولا اللون إلا لونا، وإنما يحسن الحصر إذا كان المحصور يقبل غير ما حصر فيه فيكون الحصر حينئذ مفيدا، كقولك: ما زيد إلا في الدار، وإلا عالما، ما درهمك إلا جيدا، لقبوله ضد ما حصرته فيه. وأما حصر الظن في الظن فمشكل ولا يمكن أن يقال إنه للتأكيد وأنه منصوب على المصدر المؤكد، لأن التأكيد لا يكون بلفظ إلا ولا بد هاهنا من معنى الإخراج والإبقاء، لأن إلا زيد لابد فيها من ذلك. إن الحصر هاهنا باعتبار ما يتوهم استعمال لفظ الظن فيه، وهو العلم والاعتقاد الجازم، قال الله تعالى: {فظنوا أنهم مواقعوها} {وظنوا ما لهم من محيص}، أي: تيقنوا واعتقدوا، فلما كان الظن يطلق على العلم في اللغة فإذا قالوا نحن نظن، أمكن أن يتأول عليهم أنهم يريدون العلم، فقالوا جوابا عن سؤال مقدر: ليس مرادنا بالظن إلا الظن حقيقة، ولم نستعمل لفظة مجازا في غيره، فوقع الحصر باعتبار المحال المتوهمة التي شأن العرب أن تطلق عليها لفظ الظن مجازا. فهذا أوجه الحصر وحسن التكلم بهذه الصيغة...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{وإذا} أي وكنتم إذا {قيل} من أيّ قائل كان ولو على سبيل التأكيد: {إن وعد الله} الذي كل أحد يعلم أنه محيط بصفات الكمال.

{حق} أي ثابت لا محيد عنه يطابقه الواقع من البعث وغيره؛ لأن أقل الملوك لا يرضى بأن يخلف وعده فكيف به سبحانه وتعالى فكيف إذا كان الإخلاف فيه مناقضاً للحكمة.

{والساعة} التي هي مما وعد به وهي محط الحكمة فهي أعظم ما تعلق به الوعد.

{لا ريب فيها} بوجه من الوجوه؛ لأنها محل إظهار الملك لما له من الجلال والجمال أتم إظهار.

{قلتم} راضين لأنفسكم بحضيض الجهل: {ما ندري} أي الآن دراية علم ولو بذلنا جهدنا في محاولة الوصول إليه.

{ما الساعة} أي نعرف حقيقتها فضلاً عما تخبروننا به من أحوالها.

ولما كان أمرها مركوزاً في الفطر لا يحتاج إلى كبير نظر، بما يعلم كل أحد من تمام قدرة الله تعالى، فمتى نبه عليها نوع تنبيه سبق إلى القلب علمها، سموا ذلك ظناً عناداً واستكباراً، فقالوا مستأنفين في جواب من كأنه يقول: أفلم تفدكم تلاوة هذه الآيات البينات علماً بها: {إن} أي ما {نظن} أي نعتقد ما تخبروننا به عنها.

{إلا ظناً} وأما وصوله إلى درجة العلم فلا.

ولما كان المحصور لا بد وأن يكون أخص من المحصور فيه كان الظن الأول بمعنى الاعتقاد، ولعله عبر عنه بلفظ الظن تأكيداً لمعنى الحصر، ولذلك عطفوا عليه -تصريحاً بالمراد؛ لأن الظن قد يطلق على العلم- قولهم: {وما نحن} وأكدوا النفي فقالوا: {بمستيقنين} أي بموجود عندنا اليقين في أمرها ولا بطالبين له -هذا مع ما تشاهدونه من الآيات في الآفاق وفي أنفسكم وما يبث من دابة وما ينبهكم على ذلك من الآيات- المسموعة، وهذا لا ينافي آية- {إن هي إلا- حياتنا الدنيا}؛ لأن آخرها مثبت للظن، فكأنهم كانوا تارة يقوى عندهم ما في جبلاتهم وفطرهم الأولى من أمرها فيظنونها، و تارة تقوى عليهم الحظوظ مع ما يقترن بها من الشبه المبنية على الجهل فيظنون عدمها فيقطعون به لما للنفس إليه من الميل، أو كانوا فرقتين- والله أعلم...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

جملة {وإذا قيل إن وعد الله حق} إلخ عطف على جملة {فاستكبرتم}. والتقدير: وقلتم ما ندري ما الساعة إذا قيل لكم إن الساعة لا ريبَ فيها. وَهذانِ القولان مما تكرر في القرآن بلفظه وبمعناه، فهو تخصيص لبعض آيات القرآن بالذكر بعد التعميم في قوله: {أفلم تكن آياتي تتلى عليكم فاستكبرتم}.

والتعريف في {الساعة} للعهد وهي ساعة البعث، أي زمان البعث كما عبر عنه باليوم. وقرأ الجمهور {والساعة لا ريب فيها} برفع {الساعة} عطف على جملة {إن وعد الله حق}. وقرأه حمزة وحده بنصب {والساعة} عطفاً على {إن وعد الله} من العطف على معمولي عامل واحد. ومعنى {ما ندري ما الساعة} ما نعلم حقيقة الساعة ونفي العلم بحقيقتها كناية عن جحد وقوع الساعة، أي علمنا أنها لا وقوع لها، استناداً للتخيلات التي ظنوها أدلةً كقولهم: {أإذا كنا عظاماً ورفاتاً إنا لمبعوثون خلقاً جديداً} [الإسراء: 49].

{إن نظن إلا ظناً} ظاهر في أنه متصل بما قبله من قولهم: {ما ندري ما الساعة}، ومبين بما بعده من قوله: {وما نحن بمستيقنين} وموقعه ومعناه مشكل، وفي نظمه إشكال أيضاً.

فأما الإشكال من جهة موقعه ومعناه؛ فلأن القائلين موقنون بانتفاء وقوع الساعة لما حُكي عنهم آنفاً من قولهم: {ما هي إلا حياتنا الدنيا} [الجاثية: 24] الخ فلا يحق عليهم أنهم يظنون وقوع الساعة بوجه من الوجوه ولو احتِمالاً.

ولا يستقيم أن يطلق الظن هنا على الإيقان بعدم حصوله فيعضِل معنى قولهم {إن نظن إلا ظناً}، فتأوله الفخر فقال: إن القوم كانوا فريقين، وأن الذين قالوا {إن نظن إلا ظناً} فريق كانوا قاطعين بنفي البعث والقيامةِ وهم الذين ذكرهم الله في الآية المتقدمة بقوله: {وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا} [الجاثية: 24]. ومنهم من كان شاكاً متحيراً فيه وهم الذين أراد الله بهذه الآية اهـ.

وأقول: هذا لا يستقيم لأنه لو سلم أن فريقاً من المشركين كانوا يشكون في وقوع الساعة ولا يجزمون بانتفائه؛ فإن جمهرة المشركين نافون لوقوعها فلا يناسب مقامَ التوبيخ تخصيصُه بالذين كانوا مترددين في ذلك. والوجه عندي في تأويله: إما يكون هذا حكاية لاستهزائهم بخبر البعث؛ فإذا قيل لهم: {الساعة لا ريب فيها} قالوا استهزاء {ما نظنّ إلاّ ظنّاً}، ويدل عليه قوله عقبه {وحاقَ بهم ما كانوا به يستهزئون} [الجاثية: 33].

وأما إشكاله من جهة النظم فمرجع الإشكال إلى استثناء الظن من نفسه في قوله: {إن نظن إلا ظناً} فإن الاستثناء المفرغ لا يصح أن يكون مفرغاً للمفعول المطلق لانتفاء فائدة التفريغ. والخلاصُ من هذا ما ذهب إليه ابن هشام في « مغني اللّبيب» أن مصحح الاستثناء الظن من نفسه أن المسْتثنَى هو الظن الموصوفُ بما دل عليه تنكيره من التحقير المشعرِ به التنوينُ...

ومفعولا {نظن} محذوفان لدليل الكلام عليهما. والتقدير: إن نظن الساعةَ واقعة.

{وما نحن بمستيقنين} يفيد تأكيد قولهم {ما ندري ما الساعة إن نظن إلا ظناً}، وعطفه عطف مرادف، أي للتشريك في اللفظ. والسين والتاء في {بمستيقنين} للمبالغة في حصول الفعل.