البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞ وَٱلسَّاعَةُ لَا رَيۡبَ فِيهَا قُلۡتُم مَّا نَدۡرِي مَا ٱلسَّاعَةُ إِن نَّظُنُّ إِلَّا ظَنّٗا وَمَا نَحۡنُ بِمُسۡتَيۡقِنِينَ} (32)

وقرأ الأعرج وعمرو بن فائد : { وإذا قيل إن وعد الله } ، بفتح الهمزة ، وذلك على لغة سليم ؛ والجمهور : إن بكسرها .

وقرأ الجمهور : { والساعة } بالرفع على الابتداء ، ومن زعم أن لاسم إن موضعاً جوز العطف عليه هنا ، أو زعم أن لأن واسمها موضعاً جوز العطف عليه ، وبالعطف على الموضع لأن واسمها هنا .

قال أبو علي : ذكره في الحجة ، وتبعه الزمخشري فقال : وبالرفع عطفاً على محل إن واسمها ، والصحيح المنع ؛ وحمزة : بالنصب عطفاً على الله ، وهي مروية عن الأعمش ، وأبي عمرو ، وعيسى ، وأبي حيوة ، والعبسي ، والمفضل .

{ إن نظن إلا طناً } ، تقول : ضربت ضرباً ، فإن نفيت ، لم تدخل إلا ، إذ لا يفرغ بالمصدر المؤكد ، فلا تقول : ما ضربت إلا ضرباً ، ولا ما قمت إلا قياماً .

فأما الآية ، فتأول على حذف وصف المصدر حتى يصير مختصاً لا مؤكداً ، وتقديره : إلا ظناً ضعيفاً ، أو على تضمين نظن معنى نعتقد ، ويكون ظناً مفعولاً به .

وقد تأول ذلك بعضهم على وضع إلا في غير موضعها ، وقال : التقديران نحن إلا نظن ظناً .

وحكى هذا عن المبرد ، ونظيره ما حكاه أبو عمرو بن العلاء وسيبويه من قول العرب :

ليس الطيب إلا المسك . . .

قال المبرد : ليس إلا الطيب المسك . انتهى .

واحتاج إلى هذا التقدير كون المسك مرفوعاً بعد إلا وأنت إذا قلت : ما كان زيد إلا فاضلاً نصبت ، فلما وقع بعد إلا ما يظهر أنه خبر ليس ، احتاج أن يزحزح إلا عن موضعها ، ويجعل في ليس ضمير الشأن ، ويرفع إلا الطيب المسك على الابتداء والخبر ، فيصير كالملفوظ به ، في نحو : ما كان إلا زيد قائم .

ولم يعرف المبرد أن ليس في مثل هذا التركيب عاملتها بنو تميم معاملة ما ، فلم يعملوها إلا باقية مكانها ، وليس غير عامله .

وليس في الأرض حجازي إلا وهو ينصب في نحو ليس الطيب إلا المسك ، ولا تميمي إلا وهو يرفع .

في ذلك حكاية جرت بين عيسى بن عمر وأبي عمرو بن العلاء ، ذكرناها فيما كتبناه من علم النحو .

ونظير { إِن نَّظُنُّ إِلاَّ ظَنّاً } قول الأعشى :

وجدّ به الشيب أثقاله *** وما اغتره الشيب إلا اغتراراً

أي اغتراراً بيناً .

وقال الزمخشري : فإن قلت : ما معنى { إن نظن إلا ظناً } ؟ قلت ؛ أصله نظن ظناً ، ومعناه إثبات الظن مع نفي ما سواه ، وزيد نفى ما سوى الظن توكيداً بقوله : { وما نحن بمستيقنين } . انتهى .

وهذا الكلام ممن لا شعور له بالقاعدة النحوية ، من أن التفريغ يكون في جميع المعمولات من فاعل ومفعول وغيره إلا المصدر المؤكد فإنه لا يكون فيه ، وقدّره بعضهم إن نظن إلا أنكم تظنون ظناً ، قال وإنما احتيج إلى هذا التقدير ، لأنه لا يجوز في الكلام ما ضربت إلا ضربا ، ً فاهتدى إلى هذه القاعدة النحوية وأخطأ في التخريج ، وهو محكي عن المبرد ، ولعله لا يصح ، وقولهم إن نظن دليل على أن الكفار ، قد أخبروا بأنهم ظنوا البعث واقعاً ، ودل قولهم قبل قوله إِنْ هِىَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا على أنهم منكرون البعث ، فهم والله أعلم فرقتان أو اضطربوا فتارة أنكروا ، وتارة ظنوا وقالوا إِن نَّظُنُّ إِلاَّ ظَنّاً على سبيل الهزء .