السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞ وَٱلسَّاعَةُ لَا رَيۡبَ فِيهَا قُلۡتُم مَّا نَدۡرِي مَا ٱلسَّاعَةُ إِن نَّظُنُّ إِلَّا ظَنّٗا وَمَا نَحۡنُ بِمُسۡتَيۡقِنِينَ} (32)

{ وإذا } أي : وكنتم إذا { قيل } أي : من أي قائل كان ولو على سبيل التأكيد { إن وعد الله } أي : الذي كل أحد يعلم أنه محيط بصفات الكمال { حق } أي : ثابت لا محيد عنه مطابق للواقع من البعث وغيره ؛ لأن أقل الملوك لا يرضى بأن يخلف وعده فكيف به سبحانه وتعالى ، فكيف إذا كان الإخلاف فيه متناقضاً للحكم ، وقرأ { والساعة } حمزة بالنصب عطفاً على وعد الله ، والباقون برفعها وفيه ثلاثة أوجه ؛ أحدها : الابتداء وما بعدها من الجملة المنفية وهو قوله تعالى { لا ريب } أي : لا شك { فيها } خبرها ، ثانيها : العطف على محل اسم إن ؛لأنه قبل دخولها مرفوع بالابتداء ، ثالثها : أنه عطف على محل إن واسمها معاً ؛ لأن بعضهم كالفارسي والزمخشري يرون أن لأن واسمها موضعاً وهو الرفع بالابتداء { قلتم } أي : راضين لأنفسكم بحضيض الجهل { ما ندري } أي : الآن دراية علم ولو بذلنا جهدنا في محاولة الوصول إليه { ما الساعة } أي : لا نعرف حقيقتها فضلاً عما تخبروننا به من أحوالها .

تنبيه : الساعة هنا مرفوعة باتفاق { إن } أي : ما { نظن } أي : نعتقد ما تخبروننا به عنها { إلا ظناً } وأما وصوله إلى درجة العمل فلا { وما نحن } وأكدوا النفي فقالوا { بمستيقنين } أي : بموجود عندنا اليقين في أمرها ، قال الرازي : القوم كانوا في هذه المسألة على قولين : منهم من كان قاطعاً بنفي البعث والقيامة وهم المذكورون في قوله تعالى { وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا } ومنهم من كان شاكاً متحيراً فيه ؛ لأنهم لكثرة ما سمعوه من الرسل عليهم السلام ولكثرة ما سمعوه من دلائل القول بصحته صاروا شاكين فيه وهم المذكورون في هذه الآية ، ويدل على ذلك أنه حكى تعالى مذهب أولئك القاطعين ثم أتبعه بحكاية قول هؤلاء ، فوجب كون هؤلاء مغايرين للفريق الأول .