في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِنَّا هَدَيۡنَٰهُ ٱلسَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرٗا وَإِمَّا كَفُورًا} (3)

ثم زوده إلى جانب المعرفة ، بالقدرة على اختيار الطريق ، وبين له الطريق الواصل . ثم تركه ليختاره ، أو ليضل ويشرد فيما وراءه من طرق لا تؤدي إلى الله :

( إنا هديناه السبيل : إما شاكرا وإما كفورا ) . .

وعبر عن الهدى بالشكر . لأن الشكر أقرب خاطر يرد على قلب المهتدي ، بعد إذ يعلم أنه لم يكن شيئا مذكورا ، فأراد ربه له أن يكون شيئا مذكورا . ووهب له السمع والبصر . وزوده بالقدرة على المعرفة . ثم هداه السبيل . وتركه يختار . . الشكر هو الخاطر الأول الذي يرد على القلب المؤمن في هذه المناسبة . فإذا لم يشكر فهو الكفور . . بهذه الصيغة الموغلة في الدلالة على الكفران .

ويشعر الإنسان بجدية الأمر ودقته بعد هذه اللمسات الثلاث . ويدرك أنه مخلوق لغاية . وانه مشدود إلى محور . وأنه مزود بالمعرفة فمحاسب عليها . وأنه هنا ليبتلى ويجتاز الابتلاء . فهو في فترة امتحان يقضيها على الأرض ، لا في فترة لعب ولهو وإهمال ! ويخرج من هذه الآيات الثلاث القصار بذلك الرصيد من التأملات الرفيقة العميقة ، كما يخرج منها مثقل الظهر بالتبعة والجد والوقار في تصور هذه الحياة ، وفي الشعور بما وراءها من نتائج الابتلاء ! وتغير هذه الآيات الثلاث القصار من نظرته إلى غاية وجوده ، ومن شعوره بحقيقة وجوده ، ومن أخذه للحياة وقيمها بوجه عام .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{إِنَّا هَدَيۡنَٰهُ ٱلسَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرٗا وَإِمَّا كَفُورًا} (3)

هديناه السبيل : بينّا له طريق الخير والشر .

ثم ذكر أنه بعد أن ركّبه من هذه الأخلاط وأعطاه الحواسّ الظاهرة والباطنةَ ، بين له سبيل الهدى وسبيل الضلال فقال :

{ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السبيل إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً }

وبعد أن أعطيناه السمعَ والبصر والعقل ، نصبنا له الدلائل في الأنفس والآفاق ، ليتميز شكرُه من كفره ، وطاعته من معصيته .

 
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{إِنَّا هَدَيۡنَٰهُ ٱلسَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرٗا وَإِمَّا كَفُورًا} (3)

{ إِنَّا هديناه السبيل } لأنه جملة مستأنفة تعليلية في معنى { إِنَّا هديناه } أي دللناه على ما يوصله من الدلائل السمعية كالآيات التنزيلية والعقلية كالآيات الأفاقية والأنفسية وهو إنما يكون بعد التكليف والابتلاء { إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً } حالان من مفعول هدينا وأما للتفصيل باعتبار تعدد الأحوال مع اتحاد الذات أي هديناه ودللناه على ما يوصل إلى البغية في حالتيه جميعاً من الشكر والكفر أو للتقسيم للمهدي باختلاف الذوات والصفات أي هديناه السبيل مقصوماً إليه بعضهم شاكر بالاهتداء للحق وطريقه بالأخذ فيه وبعضهم كفور بالإعراض عنه وحاصله دللناه على الهداية والإسلام فمنهم مهتد مسلم ومنهم ضال كافر وقيل حالان من السبيل أي عرفناه السبيل إما سبيلاً شاكراً وإما سبيلاً كفوراً على وصف السبيل بوصف سالكه مجازاً والمراد به لا يخفي وعن السدي أن السبيل هنا سبيل الخروج من الرحم وليس بشيء أصلاً وقرأ أبو السمال وأبو العاج أما بفتح الهمزة في الموضعين وهي لغة حكاها أبو زيد عن العرب وهي التي عدها بعض الناس على ما قال أبو حيان في حروف العطف وأنشدوا

: تلقحها أما شمال عرية *** وأما صبا جنح العشي هبوب

وجعلها الزمخشري أما التفصيلية المتضمنة معنى الشرط على معنى أما شاكراً فبتوفيقنا وأما كفوراً فبسوء اختياره وهذا التقدير إبراز منه للمذهب قيل ولا عليه أن يجعله من باب { يضل به كثيراً ويهدي به كثيراً } [ البقرة : 26 ] كأنه قيل أما شاكراً فبهدايتنا أي دعائنا أو اقدارنا على ما فسر به الهداية وأما كفوراً فبها أيضاً لاختلاف وجه الدعاء لأن الهداية ههنا ليست في مقابلة الضلال وهذا جار على المذهبين وسالم عن حذف ما لا دليل عليه وجوز في الانتصاف أن يكون التقدير أما شاكراً فمثاب وأما كفوراً فمعاقب وإيراد الكفور بصيغة المبالغة لمراعاة الفواصل والإشعار بأن الإنسان قلما يخلو من كفران ما وإنما المؤاخذ عليه الكفر المفرط .