فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{إِنَّا هَدَيۡنَٰهُ ٱلسَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرٗا وَإِمَّا كَفُورًا} (3)

ثم ذكر سبحانه أنه أعطاه ما يصح معه الابتلاء فقال : { إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا } أي بينا له وعرفناه طريق الهدى والضلال والخير والشر بأدلة السمع والعقل ، كما في قوله { وهديناه النجدين } قال مجاهد : أي بينا السبيل إلى الشقاوة وإلى السعادة ، وقال الضحاك والسدي وأبو صالح : السبيل هنا خروجه من الرحم ، وقيل منافعه ومضاره التي يهتدي إليها بطبعه وكمال عقله ، وانتصاب شاكرا وكفورا على الحال من مفعول هديناه أي مكناه من سلوك الطريق في حالتيه جميعا ، وقيل على الحال من السبيل على المجاز أي عرفناه السبيل إما سبيلا شاكرا وإما سبيلا كفورا ( {[1669]} ) .

وحكى مكي عن الكوفيين إن قوله إما هي إن الشرطية زيدت بعدها ما أي بينا له الطريق إن شكر وإن كفر ، واختار هذا الفراء لا يجيزه البصريون لأن ( إن ) الشرطية لا تدخل على الأسماء إلا أن يضمر بعدها فعل ، ولا يصح هنا إضمار الفعل لأنه كان يلزم رفع شاكرا وكفورا ، ويمكن أن يضمر فعل ينصب شاكرا وكفورا وتقديره إن خلقناه شاكرا فشكورا ؛ وإن خلقناه كافرا فكفورا ، وهذا على قراءة الجمهور { إمّا } بكسر الهمزة وقرأ أبو السماك وأبو العجاج بفتحها وعلى الفتح هي { أمّا } العاطفة في لغة بعض العرب أو هي التفصيلية وجوابها مقدرة وقيل انتصب شاكرا وكفورا بإضمار كان والتقدير سواء كان شاكرا أو كان كفورا .

ولما كان الشكر قل من يتصف به قال شاكرا ، ولما كان الكفر كثيرا من يتصف به ويكثر وقوعه عن الإنسان بخلاف الشكر قال كفورا بصيغة المبالغة ، كذا في النهر أو هو مراعاة لرؤوس الآي .


[1669]:قال ابن كثير: فهو في ذلك إما شقي وإما سعيد، كما جاء في الحديث الذي رواه مسلم عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها".