السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{إِنَّا هَدَيۡنَٰهُ ٱلسَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرٗا وَإِمَّا كَفُورًا} (3)

{ إنا } أي : بما لنا من العظمة { هديناه السبيل } أي : بينا له وعرّفناه طريق الهدى والضلال والخير والشرّ ببعثة الرسل ، وقال مجاهد رضي الله عنه : بينا له السبيل إلى السعادة والشقاوة . وقال السدّي رضي الله عنه : السبيل هنا خروجه من الرحم . وقيل : منافعه ومضارّه التي يهتدي إليها بطبعه وكمال عقله . قال الرازي : والآية تدل على أنّ العقل متأخر عن الحواس . قال : وهو كذلك .

وقوله تعالى : { إمّا شاكراً } أي : لإنعام ربه عليه { وإمّا كفوراً } أي : بليغ الكفر بالإعراض والتكذيب نصب على الحال وفيه وجهان : أحدهما : أنه حال من مفعول هديناه أي : هديناه مبيناً له كلتا حالتيه ، والثاني : أنه حال من السبيل على المجاز . قال الزمخشري : ويجوز أن يكونا حالين من السبيل أي : عرّفناه السبيل إمّا سبيلاً شاكراً وإمّا سبيلاً كفوراً كقوله تعالى : { وهديناه النجدين } [ البلد : 10 ] فوصف السبيل بالشكر والكفر مجازاً ، وروى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : «كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه » الحديث ، وعن جابر رضي الله عنه : «كل مولود يولد على الفطرة حتى يعرب عنه لسانه إمّا شاكراً وإمّا كفوراً » .