في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا جَآءَكُمُ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتُ مُهَٰجِرَٰتٖ فَٱمۡتَحِنُوهُنَّۖ ٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِإِيمَٰنِهِنَّۖ فَإِنۡ عَلِمۡتُمُوهُنَّ مُؤۡمِنَٰتٖ فَلَا تَرۡجِعُوهُنَّ إِلَى ٱلۡكُفَّارِۖ لَا هُنَّ حِلّٞ لَّهُمۡ وَلَا هُمۡ يَحِلُّونَ لَهُنَّۖ وَءَاتُوهُم مَّآ أَنفَقُواْۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَآ ءَاتَيۡتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّۚ وَلَا تُمۡسِكُواْ بِعِصَمِ ٱلۡكَوَافِرِ وَسۡـَٔلُواْ مَآ أَنفَقۡتُمۡ وَلۡيَسۡـَٔلُواْ مَآ أَنفَقُواْۚ ذَٰلِكُمۡ حُكۡمُ ٱللَّهِ يَحۡكُمُ بَيۡنَكُمۡۖ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ} (10)

ونكتفي بهذا القدر من الاستطراد لنعود إلى سياق السورة في حكم المؤمنات المهاجرات : ( يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن ، الله أعلم بإيمانهن ، فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار ، لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن ، وآتوهم ما أنفقوا ، ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن ؛ ولا تمسكوا بعصم الكوافر ، واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا . ذلكم حكم الله يحكم بينكم ، والله عليم حكيم . وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا ، واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون ) . .

وقد ورد في سبب نزول هذه الأحكام أنه كان بعد صلح الحديبية الذي جاء فيه : " على ألا يأتيك منا أحد وإن كان على دينك إلا رددته إلينا " . . فلما كان الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] والمسلمون معه بأسفل الحديبية جاءته نساء مؤمنات يطلبن الهجرة والانضمام إلى دار الإسلام في المدينة ؛ وجاءت قريش تطلب ردهن تنفيذا للمعاهدة . ويظهر أن النص لم يكن قاطعا في موضوع النساء ، فنزلت هاتات الآيتان تمنعان رد المهاجرات المؤمنات إلى الكفار ، يفتن في دينهن وهن ضعاف .

ونزلت أحكام هذه الحالة الدولية معها ، تنظم التعامل فيها على أعدل قاعدة تتحرى العدل في ذاته دون تأثر بسلوك الفريق الآخر ، وما فيها من شطط وجور . على طريقة الإسلام في كل معاملاته الداخلية والدولية .

وأول إجراء هو امتحان هؤلاء المهاجرات لتحري سبب الهجرة ، فلا يكون تخلصا من زواج مكروه ، ولا طلبا لمنفعة ، ولا جريا وراء حب فردي في دار الإسلام !

قال ابن عباس : كان يمتحنهن : بالله ما خرجت من بغض زوج ، وبالله ما خرجت رغبة عن أرض إلى أرض ، وبالله ما خرجت التماس دنيا ، وبالله ما خرجت إلا حبا لله ورسوله .

وقال عكرمة : يقال لها : ما جاء بك إلا حب الله ورسوله ، وما جاء بك عشق رجل منا ، ولا فرارا من زوجك .

وهذا هو الامتحان . . وهو يعتمد على ظاهر حالهن واقرارهن مع الحلف بالله . فأما خفايا الصدور فأمرها إلى الله ، ولا سبيل للبشر إليها : ( الله أعلم بإيمانهن . . )فإذا ما أقررن هكذا ( فلا ترجعوهن إلى الكفار ) . .

( لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن ) . .

فقد أنبتت الوشيجة الأولى . . وشيجة العقيدة . . فلم تعد هناك وشيجة أخرى يمكن أن تصل هذه القطيعة . والزوجية حالة امتزاج واندماج واستقرار ، لا يمكن أن تقوم إذا انقطعت هذه الوشيجة الأولى . والإيمان هو قوام حياة القلب الذي لا تقوم مقامه عاطفة أخرى ، فإذا خوى منه قلب لم يستطع قلب مؤمن أن يتجاوب معه ، ولا أن يأنس به ، ولا أن يواده ولا أن يسكن إليه ويطمئن في جواره . والزواج مودة ورحمة وأنس وسكن .

وكان الأمر في أول الهجرة متروكا بغير نص ، فلم يكن يفرق بين الزوجة المؤمنة والزوج الكافر ؛ ولا بين الزوج المؤمن والزوجة الكافرة ، لأن المجتمع الإسلامي لم يكن قد استقرت قواعده بعد . فأما بعد صلح الحديبية - أو فتح الحديبية كما يعتبره كثير من الرواة - فقد آن أن تقع المفاصلة الكاملة ؛ وأن يستقر في ضمير المؤمنين والمؤمنات ، كما يستقر في واقعهم ، أن لا رابطة إلا رابطة الإيمان ، وأن لا وشيجة إلا وشيجة العقيدة ، وأن لا ارتباط إلا بين الذين يرتبطون بالله .

ومع إجراء التفريق إجراء التعويض - على مقتضى العدل والمساواة - فيرد على الزوج الكافر قيمة ما أنفق من المهر على زوجته المؤمنة التي فارقته تعويضا للضرر . كما يرد على الزوج المؤمن قيمة ما أنفق من المهر على زوجته الكافرة التي يطلقها من عصمته .

وبعد ذلك يحل للمؤمنين نكاح المؤمنات المهاجرات متى آتوهن مهورهن . . مع خلاف فقهي : هل لهن عدة ، أم لا عدة إلا للحوامل حتى يضعن حملهن ? وإذا كانت لهن عدة فهل هي عدة المطلقات . . . ثلاثة قروء . . أم هي عدة استبراء للرحم بحيضة واحدة ?

( وآتوهم ما أنفقوا ، ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن . ولا تمسكوا بعصم الكوافر ، واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا ) .

ثم يربط هذه الأحكام كلها بالضمانة الكبرى في ضمير المؤمن . ضمانة الرقابة الإلهية وخشية الله وتقواه :

( ذلكم حكم الله يحكم بينكم ، والله عليم حكيم ) . .

وهي الضمانة الوحيدة التي يؤمن عليها من النقض والالتواء والاحتيال . فحكم الله ، هو حكم العليم الحكيم . وهو حكم المطلع على ذوات الصدور . وهو حكم القوي القدير . ويكفي أن يستشعر ضمير المسلم هذه الصلة ، ويدرك مصدر الحكم ليستقيم عليه ويرعاه . وهو يوقن أن مرده إلى الله .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا جَآءَكُمُ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتُ مُهَٰجِرَٰتٖ فَٱمۡتَحِنُوهُنَّۖ ٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِإِيمَٰنِهِنَّۖ فَإِنۡ عَلِمۡتُمُوهُنَّ مُؤۡمِنَٰتٖ فَلَا تَرۡجِعُوهُنَّ إِلَى ٱلۡكُفَّارِۖ لَا هُنَّ حِلّٞ لَّهُمۡ وَلَا هُمۡ يَحِلُّونَ لَهُنَّۖ وَءَاتُوهُم مَّآ أَنفَقُواْۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَآ ءَاتَيۡتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّۚ وَلَا تُمۡسِكُواْ بِعِصَمِ ٱلۡكَوَافِرِ وَسۡـَٔلُواْ مَآ أَنفَقۡتُمۡ وَلۡيَسۡـَٔلُواْ مَآ أَنفَقُواْۚ ذَٰلِكُمۡ حُكۡمُ ٱللَّهِ يَحۡكُمُ بَيۡنَكُمۡۖ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ} (10)

امتحنوهن : اختبروهن .

علِمتموهن مؤمنات : تيقنتم من إيمانهنّ .

فلا تَرجعُوهن إلى الكفار : لا ترجعوهن إلى أزواجهن الكفار .

وآتوهم ما أنفقوا : أعطوا الأزواج الكفار ما دفعوا من مهور لزوجاتهم .

ولا جناح عليكم : لا إثم عليكم .

ولا تمسكوا بعصَم الكوافر : لا تبقوا النساء الكافرات على عصمتكم وأبطلوا عقد الزواج بهن .

واسألوا ما أنفقتم : اطلبوا كل ما دفعتم لهن من مهر وغيره .

ولْيسألوا ما أنفقوا : وليطلبوا هم ( يعني الكفار ) ما أنفقوا على زوجاتهم اللاتي أسلمن وهاجرن إليكم .

في اتفاق صلح الحديبية جاء نص يقول : إن من جاء محمدا من قريش بغير إذنِ وليّه ردّه إليه ، ومن جاء قريشا من المسلمين لم تردّه إليهم . . ومضى العهد بين الطرفين على أتمّه .

ثم جاءت نساء مؤمنات مهاجرات ، وكانت أُولاهن أُم كلثوم بنتَ عقبة بن أبي معيط الأموية . فقدِم أخواها عمار والوليد ، فكَلّما رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمرِها ليردها إلى قريش ، فنزلت هذه الآية . فلم يردّها الرسول الكريم وزوّجها زيدَ بن حارثة ، ثم تزوجها الزبير بن العوام بعد استشهاد زيد ، فولدت له زينب ، ثم فارقها فتزوجها عبد الرحمن بن عوف فولدت له إبراهيم وحميدا ، ثم توفي عنها فتزوجها عمرو بن العاص فمكثت عنده شهرا وتوفيت رحم الله الجميع .

فتبين من عمل النبي عليه الصلاة والسلام أن العهدَ كان يشمل الرجال دون النساء ، والله تعالى يقول :

{ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الكفار } فإذا تبين لكم أنهنّ صادقات في إيمانهن فلا يجوز أن تردوهن إلى الكفار ، لأنهن : { لاَ هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ } .

{ وَآتُوهُم مَّآ أَنفَقُواْ } .

أعطوا الأزواج الكافرين ما أنفقوا من مهرٍ وغيره على زوجاتهم المهاجرات إليكم ، ولا حرج عليكم أن تتزوجوا هؤلاء المهاجرات إذا دفعتم إليهن مهورهن .

{ وَلاَ تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ الكوافر } .

إذا بقيت زوجةٌ من الزوجات في دار الكفر ولم تسلم فلا تتمسكوا بعقد زواجها وأبطِلوه . كذلك إذا لحقت زوجة بدار الكفر فأبطِلوا عقدها ، فإنها تعتبر طالقة .

{ وَاسْأَلُواْ مَآ أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُواْ مَآ أَنفَقُواْ } إذا كان لكم مهر عند زوجة في دار الكفر فلكم أن تطلبوه ، وإذا جاءت زوجة أحد الكفار وأسلمت وهاجرت فعلى من تزوَّجها أن يدفع ما عليها لزوجها السابق .

{ ذَلِكُمْ حُكْمُ الله يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ والله عَلِيمٌ حَكِيمٌ } هذا التشريع هو حكم الله ، يحكم به بينكم ، فاتبعوه ولا تخالفوه ، والله عليم بمصالح عباده ، حكيم في كل ما يفعل .

قراءات :

قرأ أبو عمرو وأهل البصرة : ولا تمسكوا بفتح التاء وبتشديد السين المفتوحة . والباقون : ولا تمسكوا بضم التاء وإسكان الميم وكسر السين . وأمسك ومسَّك لغتان .

 
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري - أبوبكر الجزائري [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا جَآءَكُمُ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتُ مُهَٰجِرَٰتٖ فَٱمۡتَحِنُوهُنَّۖ ٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِإِيمَٰنِهِنَّۖ فَإِنۡ عَلِمۡتُمُوهُنَّ مُؤۡمِنَٰتٖ فَلَا تَرۡجِعُوهُنَّ إِلَى ٱلۡكُفَّارِۖ لَا هُنَّ حِلّٞ لَّهُمۡ وَلَا هُمۡ يَحِلُّونَ لَهُنَّۖ وَءَاتُوهُم مَّآ أَنفَقُواْۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَآ ءَاتَيۡتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّۚ وَلَا تُمۡسِكُواْ بِعِصَمِ ٱلۡكَوَافِرِ وَسۡـَٔلُواْ مَآ أَنفَقۡتُمۡ وَلۡيَسۡـَٔلُواْ مَآ أَنفَقُواْۚ ذَٰلِكُمۡ حُكۡمُ ٱللَّهِ يَحۡكُمُ بَيۡنَكُمۡۖ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ} (10)

شرح الكلمات :

{ إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات } : أي المؤمنات بألسنتهن مهاجرات من الكفار .

{ فامتحنوهن } : أي اختبروهن بالحلف أنهن ما خرجن إلا رغبة في الإِسلام لا بغضاً لأزواجهن ، ولا عشقا لرجال من المسلمين .

{ فإن علمتموهن مؤمنات } : أي صادقات في إيمانهن بحسب حلفهن .

{ فلا ترجعوهن إلى الكفار } : أي لا تردوهن إلى الكفار بمكة .

{ لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن } : لا المؤمنات يحللن لأزواجهن الكافرين ، ولا الكافرون يحلون لأزواجهم المؤمنات .

{ وآتوهم ما أنفقوا } : أي وأَعطوا الكفار أزواج المؤمنات المهاجرات المهور التي أعطوها لأزواجهم .

{ ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن } : أي مهورهن ، وإن لم يتم طلاق من أزواجهن لانفساخ العقد بالإِسلام . وبعد انقضاء العدة في المدخول بها وباقى شروط النكاح .

{ ولا تمسكوا بعصم الكوافر } : أي زوجاتكم ، لقطع إسلامكم للعصمة الزوجية ، وكذا من ارتدت ولحقت بدار الكفر ، إلا أن ترجع إلى الإِسلام قبل انقضاء عدتها فلا يفسخ نكاحها وتبقى العصمة إن كان مدخولا بها .

{ واسألوا ما أنفقتم } : أي أطلبوا ما أنفقتم عليهن من مهور في حال الارتداد .

{ وليسألوا ما أنفقوا } : أي على المهاجرات من مهور في حال إسلامهن .

المعنى :

قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات } الآيتين ( 10 ) و ( 11 ) نزلتا بعد صلح الحديبية إذ تضمنت وثيقة الصلح أن من جاء الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة من الرجال رده إلى مكة ولو كان مسلماً ، ومن جاء المشركين من المدينة لم يردوه إليه ولم ينص عن النساء ، وأثناء ذلك جاءت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط مهاجرة من مكة إلى المدينة فلحق بها أخواها عمار والوليد ليردّاهما إلى قريش فنزلت هذه الآية الكريمة فلم يردها عليهما صلى الله عليه وسلم قال تعالى { يا أيها الذين آمنوا } أي يا من آمنتم بالله رباً وإلهاً وبمحمد نبيّاً ورسولاً والإِسلام ديناً إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات من دار الكفر إلى دار الإِسلام فامتحنوهن - الله أعلم بإِيمانهن- فإن علمتموهن أي غلب على ظنكم أنهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار وصورة الامتحان أن يقال لها احلفي بالله أي قولي بالله الذي لا إله إلا هو ما خرجت إلا رغبة في الإِسلام لا بغضاً لزوجي ، ولا عشقا لرجل مسلم .

وقوله تعالى : { لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن } لأن الإِسلام فصم تلك العصمة التي كانت بين الزوج وزوجته ، إذ حرم الله نكاح المشركات ، وإنكاح المشركين ، ولذا لم يأذن الله تعالى في ردهن إلى أزواجهن الكافرين .

وقوله تعالى { وآتوهم ما أنفقوا } إذا جاء زوجها المشرك يطلب بها أعطوه ما أنفق عليها من مهر والذي يعطيه هو جماعة المسلمين وإمامهم .

وقوله تعالى : { ولا جناح عليكم أن تنكحوهن } أي تتزوجهن إذا آتيتموهن أجورهن أي مهورهن مع باقي شروط النكاح من ولي وشاهدين وانقضاء العدة في المدخول بها .

وقوله تعالى : { ولا تمسكوا بعصم الكوافر } أي إذا أسلم الرجل وبقيت امرأته مشركة انقطعت عصمة الزوجية وأصبحت لا تحل لزوجها الذي أسلم ، وكذا إذا ارتدت امرأة مسلمة ولحقت بدار الكفر فإن العصمة قد انقطعت ، ولا يحل الإِمساك بها وفائدة ذلك لو كان تحت الرجل نسوة له أن يزيد رابعة لأن التي ارتدت أو التي كانت مشركة وأسلم وهي في عصمته لا تمنعه من أن يتزوج رابعة لأن الإِسلام قطع العصمة لقوله تعالى ولا تمسكوا بعصم الكوافر والعصم جمع عصمة .

وقوله تعالى : { واسألوا ما أنفقتم } اطلبوا من المرتدة ما أنفقتم عليها من مهر يؤدى لكم وليسألوا هم ما أنفقوا وأعطوهم أيضا مهور نسائهم اللائي أسلمن وهاجرن إليكم وقوله تعالى : { ذلكم حكم الله يحكم بينكم والله عليم } بخلقه وحاجاتهم { حكيم } في قضائه وتدبيره فليسلم له الحكم وليرض به فإنه قائم على أساس المصلحة للجميع .

الهداية

من الهداية :

- وجوب امتحان المهاجرة فإن علم إسلامها لا يحل إرجاعها إلى زوجها الكافر لأنها لا تحل له ، وإعطاؤه ما أنفق عليها من مهر . ويجوز بعد ذلك نكاحها بمهر وولي وشاهدين إن كانت مدخولا بها فبعد انقضاء عدتها وإلا فلا حرج في الزواج بها فوراً .

- حرمة نكاح المشركة .

- لا يجو الإبقاء على عصمة الزوجة المشركة ، وللزوج المسلم الذي بقي زوجته على الكفر ، أو ارتدت بعد إسلامها أن يطالب بما أنفق عليها من مهر وللزوج الكافر الذي أسلمت زوجته وهاجرت ان يسأل كذلك ما أنفق عليها .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا جَآءَكُمُ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتُ مُهَٰجِرَٰتٖ فَٱمۡتَحِنُوهُنَّۖ ٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِإِيمَٰنِهِنَّۖ فَإِنۡ عَلِمۡتُمُوهُنَّ مُؤۡمِنَٰتٖ فَلَا تَرۡجِعُوهُنَّ إِلَى ٱلۡكُفَّارِۖ لَا هُنَّ حِلّٞ لَّهُمۡ وَلَا هُمۡ يَحِلُّونَ لَهُنَّۖ وَءَاتُوهُم مَّآ أَنفَقُواْۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَآ ءَاتَيۡتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّۚ وَلَا تُمۡسِكُواْ بِعِصَمِ ٱلۡكَوَافِرِ وَسۡـَٔلُواْ مَآ أَنفَقۡتُمۡ وَلۡيَسۡـَٔلُواْ مَآ أَنفَقُواْۚ ذَٰلِكُمۡ حُكۡمُ ٱللَّهِ يَحۡكُمُ بَيۡنَكُمۡۖ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ} (10)

{ 10-11 } { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ } .

لما كان صلح الحديبية ، صالح النبي صلى الله عليه وسلم المشركين ، على أن من جاء منهم إلى المسلمين مسلما ، أنه يرد إلى المشركين ، وكان هذا لفظا عاما ، [ مطلقا ] يدخل في عمومه النساء والرجال ، فأما الرجال فإن الله لم ينه رسوله عن ردهم ، إلى المشركين وفاء بالشرط وتتميما للصلح الذي هو من أكبر المصالح ، وأما النساء فلما كان ردهن فيه مفاسد كثيرة ، أمر الله المؤمنين إذا جاءهم المؤمنات مهاجرات ، وشكوا في صدق إيمانهن ، أن يمتحنوهن ويختبروهن ، بما يظهر به صدقهن ، من أيمان مغلظة وغيرها ، فإنه يحتمل أن يكون إيمانها غير صادق بل رغبة في زوج أو بلد أو غير ذلك من المقاصد الدنيوية .

فإن كن بهذا الوصف ، تعين ردهن وفاء بالشرط ، من غير حصول مفسدة ، وإن امتحنوهن ، فوجدن صادقات ، أو علموا ذلك منهن من غير امتحان ، فلا يرجعوهن إلى الكفار ، { لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ } فهذه مفسدة كبيرة في ردهن راعاها الشارع ، وراعى أيضا الوفاء بالشرط ، بأن يعطوا الكفار أزواجهن ما أنفقوا عليهن من المهر وتوابعه عوضا عنهن ، ولا جناح حينئذ على المسلمين أن ينكحوهن ولو كان لهن أزواج في دار الشرك ، ولكن بشرط أن يؤتوهن أجورهن من المهر والنفقة ، وكما أن المسلمة لا تحل للكافر ، فكذلك الكافرة لا تحل للمسلم أن يمسكها ما دامت على كفرها ، غير أهل الكتاب ، ولهذا قال تعالى : { وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ } وإذا نهى عن الإمساك بعصمتها{[1058]}  فالنهي عن ابتداء تزويجها أولى ، { وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ } أيها المؤمنون ، حين ترجع زوجاتكم مرتدات إلى الكفار ، فإذا كان الكفار يأخذون من المسلمين نفقة من أسلمت من نسائهم ، استحق المسلمون أن يأخذوا مقابلة ما ذهب من نسائهم{[1059]}  إلى الكفار ، وفي هذا دليل على أن خروج البضع من الزوج متقوم ، فإذا أفسد مفسد نكاح امرأة رجل ، برضاع أو غيره ، كان عليه ضمان المهر ، وقوله : { ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ } أي : ذلكم الحكم الذي ذكره الله وبينه لكم يحكم به بينكم{[1060]} { وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } فيعلم تعالى ، ما يصلح لكم من الأحكام ، ويشرع لكم ما تقتضيه الحكمة{[1061]} .


[1058]:- كذا في ب، وفي أ: بعصمها.
[1059]:- في ب: زوجاتهم.
[1060]:- في ب: وبينه لكم حكم الله بينه لكم ووضحه.
[1061]:- في ب: فيشرعه بحسب حكمته ورحمته.
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا جَآءَكُمُ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتُ مُهَٰجِرَٰتٖ فَٱمۡتَحِنُوهُنَّۖ ٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِإِيمَٰنِهِنَّۖ فَإِنۡ عَلِمۡتُمُوهُنَّ مُؤۡمِنَٰتٖ فَلَا تَرۡجِعُوهُنَّ إِلَى ٱلۡكُفَّارِۖ لَا هُنَّ حِلّٞ لَّهُمۡ وَلَا هُمۡ يَحِلُّونَ لَهُنَّۖ وَءَاتُوهُم مَّآ أَنفَقُواْۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَآ ءَاتَيۡتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّۚ وَلَا تُمۡسِكُواْ بِعِصَمِ ٱلۡكَوَافِرِ وَسۡـَٔلُواْ مَآ أَنفَقۡتُمۡ وَلۡيَسۡـَٔلُواْ مَآ أَنفَقُواْۚ ذَٰلِكُمۡ حُكۡمُ ٱللَّهِ يَحۡكُمُ بَيۡنَكُمۡۖ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ} (10)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

قوله: {يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات} وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم صالح أهل مكة يوم الحديبية، وكتب بينه وبينهم كتابا فكان في الكتاب أن من لحق أهل مكة من المسلمين، فهم لهم، ومن لحق منهم بالنبي صلى الله عليه وسلم رده عليهم، وجاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم اسمها سبيعة بنت الحارث الأسلمية، في الموادعة وكانت تحت صيفي بن الراهب من كفار مكة فجاء زوجها يطلبها، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: "ردها علينا فإن بيننا وبينك شرطا"، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"إنما كان الشرط في الرجال، ولم يكن في النساء". فأنزل الله تعالى: {إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات} {فامتحنوهن} يعني سبيعة فامتحنها النبي صلى الله عليه وسلم فقال: بالله، ما أخرجك من قومك حدثا، ولا كراهية لزوجك، ولا بغضا له، ولا خرجت إلا حرصا على الإسلام ورغبة فيه، ولا تريدين غير ذلك؟ فهذه المحنة يقول الله تعالى: {الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات} من قبل المحنة يعني سبيعة {فلا ترجعوهن} يعني فلا تردهن {إلى} أزواجهن {الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن} يقول لا تحل مؤمنة لكافر، ولا كافر لمؤمنة، قال: {وأتوهم ما أنفقوا} يقول أعطوا أزواجهم الكفار ما أنفقوا عليهن من المهر يعني يرد المهر من يتزوجها من المسلمين فإن لم يتزوجها أحد من المسلمين فليس لزوجها الكافر شيئا، {ولا جناح عليكم} يعني ولا حرج عليكم {أن تنكحوهن إذا آتيتموهن} يقول: إذا أعطيتموهن {أجورهن ولا تمسكوا بعصم الكوافر} يعني بعقد الكوافر يقول: لا تعتد بامرأتك الكافرة، فإنها ليست لك بامرأة يقول: هذا الذي يتزوج هذه المهاجرة، وذلك أن المرأة الكافرة تكون في موضع من قومها، ولها أهل كثير فيمسكها إرادة أن يتعزز بأهلها وقومها من الناس، فتزوجها عمر بن الخطاب. ويقال: تزوجها أبو السنابك بن بعكك بن السباق بن عبد الدار بن قصي، وفيه نزلت هذه الآية وفي أصحابه... {وسئلوا ما أنفقتم} يقول: إن ذهبت امرأة أحدكم إلى الكفار، فاسألوا الذي يتزوجها أن يرد مهرها على زوجها المسلم والنفقة، ثم قال: {وليسألوا ما أنفقوا} من المهر يقول: إن جاءت امرأة من أهل مكة مهاجرة إليهم فليرد الذي يتزوجها مهرها على زوجها الأول، فإن تزوجت إحدى المرأتين اللتين جاءتا مسلمة ولحقت بكم، ولم تتزوج الأخرى، فليرد الذي تزوجها مهرها على زوجها، وليس لزوج المرأة الأخرى مهر، حتى تتزوج امرأته، فإن لم يعط كفار مكة المهر طائعين، فإذا ظهرتم عليهم، فخذوا منهم المهر، وإن كرهوا، كان هذا لأهل مكة خاصة موادعة، فذلك قوله: {ذلكم حكم الله يحكم بينكم} يعني بين المسلمين والكافرين في أمر النفقة، {والله عليم} بخلقه، {حكيم} في أمره حين حكم النفقة.

تفسير الشافعي 204 هـ :

قال الشافعي رحمه الله تعالى: حفظنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صالح أهل الحديبية الصلح الذي وصفت، فخلى بين من قدم عليه من الرجال ووليه، وقدمت عليهم أم كلثوم بنت عقبة ابن أبي معيط مسلمة مهاجرة، فجاء أخواها يطلبانها فمنعها منهما، وأخبر أن الله عز وجل نقض الصلح في النساء. وحكم فيهن غير حكمه في الرجال. وإنما ذهبت إلى أن النساء كنَّ في صلح الحديبية بأنه لو لم يدخل ردهن في الصلح لم يعط أزواجهن عوضا، والله تعالى أعلم.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره للمؤمنين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إذَا جاءَكُمُ النساء المُؤمِناتُ مُهاجِراتٍ "من دار الكفر إلى دار الإسلام "فامْتَحِنُوهُن" وكانت محنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهن إذا قَدِمن مهاجرات، كما حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا يونس بن بكير، عن قيس بن الربيع، عن الأغرّ بن الصباح، عن خليفة بن حصين، عن أبي نصر الأسديّ، قال: سُئل ابن عباس: كيف كان امتحان رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء؟ قال: كان يمتحنهنّ بالله ما خرجت من بغض زوج، وبالله ما خرجت رغبة عن أرض إلى أرض، وبالله ما خرجت التماس دنيا، وبالله ما خرجت إلا حبا لله ورسوله...

حدثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب، قال: أخبرني عروة بن الزبير، أن عائشة زوج النبيّ صلى الله عليه وسلم قالت: كانت المؤمنات إذا هاجرن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يمتحنّ بقول الله: {يا أيّها النّبِيّ إذَا جاءَكَ المُؤمِناتُ يُبايِعْنَكَ...} إلى آخر الآية، قالت عائشة: فمن أقرّ بهذا من المؤمنات، فقد أقرّ بالمحبة، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقررن بذلك من قولهنّ قال لهنّ: «انطلقن فقد بايعتكن»، ولا والله ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة قطّ، غير أنه بايعهنّ بالكلام قالت عائشة: والله ما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم على النساء قطّ، إلا بما أمره الله عزّ وجلّ، وكان يقول لهنّ إذا أخذ عليهن «قد بايعتكنّ كلاما»...

وقوله: {اللّهُ أعْلَمُ بإيمَانِهِنّ} يقول: الله أعلم بإيمان من جاء من النساء مهاجرات إليكم.

وقوله: {فإنْ عَلِمْتُمُوهُنّ مُؤمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنّ إلى الكُفّارِ} يقول: فإن أقررن عند المحنة بما يصحّ به عقد الإيمان لهنّ، والدخول في الإسلام، فلا تردّوهنْ عن ذلك إلى الكفار. وإنما قيل ذلك للمؤمنين، لأن العهد كان جرى بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين مشركي قريش في صلح الحديبية أن يردّ المسلمون إلى المشركين من جاءهم مسلما، فأبطل ذلك الشرط في النساء إذا جئن مؤمنات مهاجرات فامتحنّ، فوجدهنّ المسلمون مؤمنات، وصحّ ذلك عندهم مما قد ذكرنا قبل، وأمروا أن لا يردّوهنّ إلى المشركين إذا علم أنهنّ مؤمنات. وقال جل ثناؤه لهم: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنّ مُؤمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنّ إلى الكُفّار لا هُنّ حِلّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلّونُ لَهُنّ} يقول: لا المؤمنات حلّ للكفار ولا الكفار يحلون للمؤمنات... وقوله: {وآتُوهُمْ ما أنْفَقُوا} يقول جلّ ثناؤه: وأعطوا المشركين الذين جاءكم نساؤهم مؤمنات إذا علمتموهنّ مؤمنات، فلم ترجعوهنّ إليهم ما أنفقوا في نكاحهم إياهنّ من الصداق...

وقوله: {وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أنْ تَنْكِحُوهُنّ إذَا آتَيْتُمُوهُنّ أُجُورَهُنّ} يقول تعالى ذكره: ولا حرج عليكم أيها المؤمنون أن تنكحوا هؤلاء المهاجرات اللاتي لحقن بكم من دار الحرب مفارقات لأزواجهنّ، وإن كان لهنّ أزواج في دار الحرب إذا علمتموهنّ مؤمنات إذا أنتم أعطيتموهنّ أجورهن، ويعني بالأجور: الصّدقات. وكان قتادة يقول: كنّ إذا فررن من المشركين الذين بينهم وبين نبيّ الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه عهد إلى أصحاب نبيّ الله صلى الله عليه وسلم فتزوّجوهنّ، بعثوا بمهورهنّ إلى أزواجهنّ من المشركين الذين بينهم وبين أصحاب نبيّ الله صلى الله عليه وسلم عهد...

وقوله: {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَم الكَوَافِرِ} يقول جلّ ثناؤه للمؤمنين به من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تمسكوا إيها المؤمنون بحبال النساء الكوافر وأسبابهنّ، والكوافر: جمع كافرة، والعصم: جمع عصمة، وهي ما اعتصم به من العقد والسبب، وهذا نهي من الله للمؤمنين عن الإقدام على نكاح النساء المشركات من أهل الأوثان، وأمر لهم بفراقهنّ. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل...

وقوله: {وَاسْئَلُوا ما أنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا ما أنْفَقُوا} يقول تعالى ذكره لأزواج اللواتي لحقن من المؤمنين من دار الإسلام بالمشركين إلى مكة من كفار قريش: واسئلوا أيها المؤمنون الذين ذهبت أزواجهم فلحقن بالمشركين ما أنفقتم على أزواجكم اللواتي لحقن بهم من الصداق من تزوّجهن منهم، وليسئلكم المشركون منهم الذين لحق بكم أزواجهم مؤمنات إذا تزوّجن فيكم من تزوّجها منكم ما أنفقوا عليهنّ من الصداق...

وقوله: {ذَلِكُمْ حُكْمُ اللّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ} يقول تعالى ذكره: هذا الحكم الذي حكمت بينكم من أمركم أيها المؤمنون بمسألة المشركين، وما أنفقتم على أزواجكم اللاتي لحقن بهم وأمرهم بمسألتكم مثل ذلك في أزواجهن اللاتي لحقن بكم، حكم الله بينكم فلا تعتدوه، فإنه الحقّ الذي لا يسمع غيره، فانتهى المؤمنون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذُكر إلى أمر الله وحكمه، وامتنع المشركون منه وطالبوا الوفاء بالشروط التي كانوا شارطوها بينهم في ذلك الصلح، وبذلك جاءت الآثار والأخبار عن أهل السير وغيرهم... عن الزهري، قال: قال الله: {ذَلِكُمْ حُكْمُ اللّهِ يحكم بينكم}، فأمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء، وردّ الرجال، وسأل الذي أمره الله أن يسأل من صدقات النساء من حبسوا منهنّ، وأن يردّوا عليهم مثل الذي يردّون عليهم إن هم فعلوا، ولولا الذي حكم الله به من هذا الحكم ردّ رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء، كما ردّ الرجال، ولولا الهدنة والعهد الذي كان بينه وبين قريش يوم الحديبية أمسك النساء ولم يرد إليهم صداقا، وكذلك يصنع بمن جاءه من المسلمات قبل العهد.

قوله: {وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} يقول جلّ ثناؤه: والله ذو علم بما يصلح خلقه وغير ذلك من الأمور، حكيم في تدبيره إياهم.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

إذا جاءكم المؤمنات يعني قائلات: إنهن مؤمنات فامتحنوهن لأنه لو ما كان على حقيقة الإيمان لم يكن لقوله: {فامتحنوهن} معنى. ويحوز أن يكون تأويل امتحانهن على وجهين:

أحدهما: أن يستوصفن عن الإيمان ما هو؟ فإذا أخبرن عن حقيقة الإيمان علم أنهن مؤمنات. والثاني: [أن] يعرض عليهن ما على المؤمنات في إيمانهن كما قال تعالى: {أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف} [الممتحنة: 12] فإذا قبلن ذلك كله [كان] ذلك امتحانهن، والله أعلم.

وقوله تعالى: {الله أعلم بإيمانهن} هذا يدل على أن الذي كلف به المؤمنون من امتحانهن في الظاهر، وأن الحقيقة إنما يعلمها رب العالمين. ثم قوله تعالى: {ولا تمسكوا بعصم الكوافر} قال بعضهم: أي بعقد الكوافر، فمن كانت له امرأة بمكة كافرة فلا يعيدن المرأة الكافرة، فإنها ليست بامرأة له، وقد انقطعت العصمة بينهما.

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

وفي الجملة: الامتحانُ طريقٌ إلى المعرفة، وجواهرُ الناس تتبيَّن بالتجربة. ومَنْ أقْدَمَ على شيءٍ من غير تجربة تَحَسَّى كأسَ الندم.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{إِذَا جَآءَكُمُ المؤمنات} سماهنّ مؤمنات لتصديقهنّ بألسنتهنّ ونطقهنّ بكلمة الشهادة ولم يظهر منهنّ ما ينافي ذلك، أو لأنهن مشارفات لثبات إيمانهم بالامتحان، {فامتحنوهن} فابتلوهن بالحلف والنظر في الأمارات ليغلب على ظنونكم صدق إيمانهن... {الله أَعْلَمُ بإيمانهن} منكم لأنكم لا تكسبون فيه علماً تطمئن معه نفوسكم، وإن استحلفتموهن ورزتم أحوالهن، وعند الله حقيقة العلم به {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مؤمنات} العلم الذي تبلغه طاقتكم وهو الظن الغالب بالحلف وظهور الأمارات فإن قلت: فما فائدة قوله: {الله أَعْلَمُ بإيمانهن} وذلك معلوم لا شبهة فيه؟ قلت: فائدته بيان أن لا سبيل لكم إلى ما تطمئن به النفس ويثلج به الصدر من الإحاطة بحقيقة إيمانهن. فإنّ ذلك مما استأثر به علام الغيوب، وأن ما يؤدي إليه الامتحان من العلم كاف في ذلك، وأن تكليفكم لا يعدوه ثم نفى عنهم الجناح في تزوّج هؤلاء المهاجرات إذا آتوهنّ أجورهنّ أي مهورهنّ، لأن المهر أجر البضع {وَلاَ تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ الكوافر} والعصمة ما يعتصم به من عقد وسبب، يعني: إياكم وإياهنّ، ولا تكن بينكم وبينهنّ عصمة ولا علقة زوجية.

أحكام القرآن لابن العربي 543 هـ :

اخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِ الِامْتِحَانِ عَلَى قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا الْيَمِينُ رَوَاهُ أَبُو نَصْرٍ الْأَسَدِيُّ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَرَوَاهُ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ «قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِسُبَيْعَةَ وَكَانَ زَوْجُهَا صَيْفِيَّ بْنَ السَّائِبِ: بِاللَّهِ مَا أَخْرَجَك من قَوْمِك ضَرْبٌ وَلَا كَرَاهِيَةٌ لِزَوْجِك، وَلَا أَخْرَجَك إلَّا حِرْصٌ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَرَغْبَةٌ فِيهِ، لَا تُرِيدِينَ غَيْرَهُ».

الثَّانِي: وَهُوَ مَا رُوِيَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا «أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَمْتَحِنُ النِّسَاءَ بِهَذِهِ الْآيَةِ».

الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ لَمْ تُرِدْ النِّسَاءُ وَإِنْ دَخَلْنَ فِي عُمُومِ الشَّرْطِ، وَفِي ذَلِكَ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا لِرِقَّتِهِنَّ وَضَعْفِهِنَّ.

الثَّانِي: لِحُرْمَةِ الْإِسْلَامِ. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: {لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} وَالْمَعْنَيَانِ صَحِيحَانِ. وَيَجُوزُ أَنْ يُعَلَّلَ الْحُكْمُ بِعِلَّتَيْنِ.

المسألة الرَّابِعَةُ: خُرُوجُ النِّسَاءِ من عَهْدِ الرَّدِّ كَانَ تَخْصِيصًا لِلْعُمُومِ لَا نَاسِخًا لِلْعَهْدِ كَمَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُ الَّذِي أَوْجَبَ فُرْقَةَ الْمُسْلِمَةِ من زَوْجِهَا هُوَ إسْلَامُهَا لَا هِجْرَتُهَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى إذَا أُمْسِكَتْ الْمَرْأَةُ الْمُسْلِمَةُ أَنْ تَرُدَّ عَلَى زَوْجِهَا مَا أَنْفَقَ، وَذَلِكَ من الْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا مُنِعَ من أَهْلِهِ لِحُرْمَةِ الْإِسْلَامِ أَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَنْ يُرَدَّ إلَيْهِ الْمَالُ، حَتَّى لَا يَقَعَ عَلَيْهِمْ خُسْرَانٌ من الْوَجْهَيْنِ: الزَّوْجَةِ، وَالْمَالِ.

...

...

...

...

...

...

...

...

المسألة السَّابِعَةُ: لَمَّا أَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِرَدِّ مَا أَنْفَقُوا إلَى الْأَزْوَاجِ وَكَانَ الْمُخَاطَبُ بِهَذَا الْإِمَامَ يُنَفِّذُ ذَلِكَ مِمَّا بَيْنَ يَدَيْهِ من بَيْتِ الْمَالِ الَّذِي لَا يَتَعَيَّنُ لَهُ مَصْرِفٌ. رَفَعَ اللَّهُ الْحَرَجَ فِي نِكَاحِهَا بِشَرْطِ الصَّدَاقِ،وَشَرْطٍ آخَرَ وَهُوَ الِاسْتِبْرَاءُ من مَاءِ الْكَافِرِ، لِقَوْلِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ، وَلَا حَائِض حَتَّى تَحِيضَ؛ وَالِاسْتِبْرَاءُ هَا هُنَا بِثَلَاثِ حِيَضٍ وَهِيَ الْعِدَّةُ».

{وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} يَعْنِي إذْ أَسْلَمْنَ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهُنَّ، لِمَا ثَبَتَ من تَحْرِيمِ نِكَاحِ الْمُشْرِكَةِ وَالْمُعْتَدَّةِ؛ فَعَادَ جَوَازُ النِّكَاحِ إلَى حَالَةِ الْإِيمَانِ ضَرُورَةً. قَوْلُهُ: {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ}: هَذَا بَيَانٌ لِامْتِنَاعِ نِكَاحِ الْمُشْرِكَةِ من جُمْلَةِ الْكَوَافِرِ، وَهُوَ تَفْسِيرُهُ وَالْمُرَادُ بِهِ.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

في نظم هذه الآيات وجه حسن معقول، وهو أن المعاند لا يخلو من أحد أحوال ثلاثة، إما أن يستمر عناده، أو يرجى منه أن يترك العناد، أو يترك العناد ويستسلم، وقد بين الله تعالى في هذه الآيات أحوالهم، وأمر المسلمين أن يعاملوهم في كل حالة على ما يقتضيه الحال. أما قوله تعالى: {قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم} فهو إشارة إلى الحالة الأولى. ثم قوله: {عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة} إشارة إلى الحالة الثانية.

ثم قوله: {يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات} إشارة إلى الحالة الثالثة. ثم فيه لطيفة وتنبيه وحث على مكارم الأخلاق، لأنه تعالى ما أمر المؤمنين في مقابلة تلك الأحوال الثلاث بالجزاء إلا بالتي هي أحسن، وبالكلام إلا بالذي هو أليق. ما الفائدة في قوله: {ولا هم يحلون لهن} ويمكن أن يكون في أحد الجانبين دون الآخر؟

نقول: هذا باعتبار الإيمان من جانبهن ومن جانبهم، إذ الإيمان من الجانبين شرط للحل ولأن الذكر من الجانبين مؤكد لارتفاع الحل، وفيه من الإفادة مالا يكون في غيره.

البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :

{الله أعلم بإيمانهن}: لأنه تعالى هو المطلع على أسرار القلوب ومخبآت العقائد، {فإن علمتموهن}: أطلق العلم على الظن الغالب بالحلف وظهور الإمارات بالخروج من الوطن، والحلول في قوم ليسوا من قومها، وبين انتفاء رجعهن إلى الكفار أزواجهن، وذلك هو التحريم بين المسلمة والكافر.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{إذا} أي صدقوا ما ادعيتموه من الإيمان بأنه في أي زمان {جاءكم} ولما كان لا يهجر داره وعشيرته لا سيما إن كانوا أقارب بسبب كفرهم إلا من رسخ في الإيمان ذكراً كان أو أنثى قال: {المؤمنات} أي النساء اللاتي صار وصف الإيمان لهن صفة راسخة بدلالة الهجرة عليه: {مهاجرات} للكفار ولأرضهم {فامتحنوهن} أي اختبروهن تأكيداً لما دلت عليه الهجرة من الإيمان بالتحليف بأنهن ما خرجن...

إلا حباً لله ورسوله ورغبة في دين الإسلام ....

... {الله} المحيط بكل شيء قدرة وعلماً {أعلم} أي منكم ومنهن بأنفسهن {بإيمانهن} هل هو كائن أو لا على وجه الرسوخ أو لا، فإنه محيط بما غاب كإحاطته بما شهد، وإنما وكل الأمر إليكم في ذلك ستراً للناس ولئلا تكون شهادته لأحد بالإيمان و الكفران موصلة إلى عين اليقين فيخرج عن مبنى هذه الدار... {فإن علمتموهن} أي العلم المتمكن لكم وهو الظن المؤكد بالأمارات الظاهرة بالحلف وغيره {مؤمنات} أي مخلصات في الهجرة لأجل الإيمان، والتعبير بذلك لإيذان بمزيد الاحتياط... {فلا ترجعوهن} أي بوجه من الوجوه {إلى الكفار} وإن كانوا أزواجاً...

{وآتوهم} أي الأزواج {ما أنفقوا} أي عليهن من المهور فإن المهر في نظير أصل العشرة ودوامها وقد فوتتها المهاجرة فلا يجمع عليه خسران الزوجية والمالية، وأما الكسوة والنفقة فإنها لما يتجدد من الزمان. ولما جزم بتأييد منعهن عن الكفار، أباحهن للمسلمين فقال على وجه الرفق واللطف: {ولا جناح} أي ميل وحرج {عليكم} أيها المشرفون بالخطاب {أن تنكحوهن} أي تجددوا زواجكم بهن بعد الاستبراء وإن كان أزواجهن من الكفار لم يطلقوهن لزوال العلق منهم عنهن ولأن الإسلام فرق بينهم فإنه لن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً. ولما كان قد أمر برد مهور الكفار، فكان ربما ظن أنه مغن عن تجديد مهر لهن إذا نكحهن المسلم نفى ذلك بقوله: {إذا آتيتموهن} أي لأجل النكاح {أجورهن}... {ولا} ولما كان إمساك المرأة مع عداوتها لمخالفتها في الدين دليلاً على غاية الرغبة فيها، دل على ذلك إشارة إلى التوبيخ بالتضعيف في قراءة البصريين فقال: {تمسكوا} أي بعدم التصريح في الطلاق {بعصم الكوافر} جمع عصمة وهي ما يديم علقة النكاح {واسألوا} أي أيها المؤمنون الذين ذهبت أزواجهم إلى الكفار {ما أنفقتم} أي من مهور نسائكم اللاتي اعتصمن عنكم بهم أو فررن إليهم. ولما أمر برد مهور المؤمنين إلى الكفار وأذن للمؤمنين في المطالبة بمهور أزواجهم، أذن للكفار في مثل ذلك إيقاعاً للقسط بين عباده مسلمهم وكافرهم معبراً بالأمر مع الغيبة إعراضاً عنهم إعلاماً بشدة كراهته سبحانه للظلم وأنه يستوي فيه الكافر مع عداوته بالمؤمن مع ولايته: {وليسألوا} أي الكفار {ما أنفقوا} أي من مهور أزواجهم اللاتي أسلمن واعتصمن بكم عنهم، وهل هذا الحكم باق، قال قوم: نعم، وقال عطاء ومجاهد وقتادة: نسخ فلا يعطي الكفار شيئاً ولو شرطنا الإعطاء...

. {ذلكم} أي الحكم الذي ذكر في هذه الآيات البعيدة بعلو الرتبة عن كل سفه {حكم الله} أي الملك الذي له صفات الكمال، فلا ينبغي لشائبة نقص أن يلحقه...

. {يحكم} أي الله أو حكمه على سبيل المبالغة، ودل على استغراق الحكم لجميع ما يعرض بين العباد وأنه سبحانه لم يهمل شيئاً منه بإعراء الجار من قوله: {بينكم} أي في هذا الوقت وفي غيره على هذا المنهاج البديع، وذلك لأجل الهدنة التي وقعت بين النبي صلى الله عليه وسلم وبينهم، وأما قبل الحديبية فكان النبي صلى الله عليه وسلم يمسك النساء ولا يرد الصداق. ولما كان التقدير: فالله حكم عدل، قال: {والله} أي الذي له الإحاطة التامة {عليم} أي بالغ العلم لا يخفى عليه شيء {حكيم} أي فهو لتمام علمه يحكم كل أموره غاية الإحكام فلا يستطيع أحد نقض شيء منها.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

وأول إجراء هو امتحان هؤلاء المهاجرات لتحري سبب الهجرة، فلا يكون تخلصا من زواج مكروه، ولا طلبا لمنفعة، ولا جريا وراء حب فردي في دار الإسلام! (لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن).. فقد أنبتت الوشيجة الأولى.. وشيجة العقيدة.. فلم تعد هناك وشيجة أخرى يمكن أن تصل هذه القطيعة. والزوجية حالة امتزاج واندماج واستقرار، لا يمكن أن تقوم إذا انقطعت هذه الوشيجة الأولى...ومع إجراء التفريق إجراء التعويض -على مقتضى العدل والمساواة- فيرد على الزوج الكافر قيمة ما أنفق من المهر على زوجته المؤمنة التي فارقته تعويضا للضرر. كما يرد على الزوج المؤمن قيمة ما أنفق من المهر على زوجته الكافرة التي يطلقها من عصمته. وبعد ذلك يحل للمؤمنين نكاح المؤمنات المهاجرات متى آتوهن مهورهن.. مع خلاف فقهي: هل لهن عدة، أم لا عدة إلا للحوامل حتى يضعن حملهن؟ وإذا كانت لهن عدة فهل هي عدة المطلقات... ثلاثة قروء.. أم هي عدة استبراء للرحم بحيضة واحدة؟ثم يربط هذه الأحكام كلها بالضمانة الكبرى في ضمير المؤمن. ضمانة الرقابة الإلهية وخشية الله وتقواه: (ذلكم حكم الله يحكم بينكم، والله عليم حكيم).. وهي الضمانة الوحيدة التي يؤمن عليها من النقض والالتواء والاحتيال. فحكم الله، هو حكم العليم الحكيم. وهو حكم المطلع على ذوات الصدور. وهو حكم القوي القدير. ويكفي أن يستشعر ضمير المسلم هذه الصلة، ويدرك مصدر الحكم ليستقيم عليه ويرعاه. وهو يوقن أن مرده إلى الله.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

ومناسبة ورود هذه الآية بعد ما قبلها، أي النهي عن موالاة المشركين يتطرق إلى ما بين المسلمين والمشركين من عقود النكاح والمصاهرة فقد يكون المسلم زوجاً لمشركة وتكون المسلمة زوجاً لمشرك فتحدث في ذلك حوادث لا يستغني المسلمون عن معرفة حكم الشريعة في مثلها. إن رجوع المرأة المؤمنة إلى الزوج الكافر يقع على صورتين:

إحداهما: أن ترجع المرأة المؤمنة إلى زوجها في بلاد الكفر، وذلك هو ما ألح الكفار في طلبه لمّا جاءت بعض المؤمنات مهاجرات.

والثانية: أن ترجع إلى زوجها في بلاد الإِسلام بأن يخلى بينها وبين زوجها الكافر يقيم معها في بلاد الإِسلام إذا جاء يطلبها ومُنع من تسلمها.

وكلتا الصورتين غير حلال للمرأة المسلمة فلا يجيزها ولاة الأمور، وقد عبر عن الصورة الأولى بجملة {لا هن حل لهم} إذ جعل فيها وصف حل خبراً عن ضمير النساء وأدخلت اللام على ضمير الرجال، وهي لام تعدية الحلّ وأصلها لام الملك فأفاد أن لا يملك الرجال الكفار عصمة أزواجهم المؤمنات وذلك يستلزم أن بقاء النساء المؤمنات في عصمة أزواجهن الكافرين غير حلال، أي لم يحللهن الإِسلام لهم. وقدم {لا هن حل لهم} لأنه راجع إلى الصورة الأكثر أهمية عند المشركين إذ كانوا يَسألون إرجاع النساء إليهم ويرسلون الوسائط في ذلك بقصد الرد عليهم بهذا. وفي الكلام محسّن العكس من المحسنات البديعية مع تغيير يسير بين حل} و {يحلون} اقتضاه المقام، وإنّما يُوفر حظّ التحسين بمقدار ما يسمح له به مقتضى حال البلاغة. المراد ب {ما أنفقوا} ما أعْطَوه من المهور، والعدول عن إطلاق اسم المهور والأجور على ما دفعه المشركون لنسائهم اللائي أسلمن من لطائف القرآن لأن أولئك النساء أصبحن غير زوجات. فألغي إطلاق اسم المهور على ما يدفع لهم. وقد سمّى الله بعد ذلك ما يعطيه المسلمون لهن أجوراً بقوله تعالى: {ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن. والمكلف بإرجاع مهور الأزواج المشركين إليهم هم ولاة أمور المسلمين مما بين أيديهم من أموال المسلمين العامة. {وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَآ ءَاتَيْتُمُوهُنَّ أجورهن}. وإنما قال تعالى: {ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن} للتنبيه على خصوص قوله: {إذا آتيتموهن أجورهن} لئلا يظن أن ما دفع للزوج السابق مسقط استحقاق المرأة المهر ممن يروم تزويجها ومعلوم أن نكاحها بعد استبرائها بثلاثة أقراء. {وَلاَ تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ الكوافر}. نهى الله المسلمين عن إبقاء النساء الكوافر في عصمتهم وهن النساء اللاء لم يخرجن مع أزواجهن لكفرهن فلما نزلت هذه الآية طلق المسلمون من كان لهم من أزواج بمكة، فطلق عمرُ امرأتين له بقيتا بمكة مشركتين، وهما: قُرَيبة بنت أبي أمية، وأمّ كلثوم بنت عمرو الخزاعية. والمراد بالكوافر: المشركات. وهنّ موضوع هذه التشريعات لأنها في حالة واقعة فلا تشمل الآية النهي عن بقاء المرأة المسلمة في عصمة زوج مشرك وإنما يُؤخذ حكم ذلك بالقياس. فأفاد قوله: {وليسألوا ما أنفقوا} أنهم إن أبوا من دفع مهور نساء المسلمين يفرّون إليهم كان ذلك مخوِّلاً للمؤمنين أن لا يعطوهم مهور من فرّوا من أزواجهم إلى المسلمين، كما يقال في الفقه: خيرتهُ تنفي ضررَه. {ذَلِكُمْ حُكْمُ الله يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ والله عَلِيمٌ حكيم}. أي هذا حكم الله، وهو عدل بين الفريقين إذ ليس لأحد أن يأخذ بأحد جانبيه ويترك الآخر...

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا جَآءَكُمُ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتُ مُهَٰجِرَٰتٖ فَٱمۡتَحِنُوهُنَّۖ ٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِإِيمَٰنِهِنَّۖ فَإِنۡ عَلِمۡتُمُوهُنَّ مُؤۡمِنَٰتٖ فَلَا تَرۡجِعُوهُنَّ إِلَى ٱلۡكُفَّارِۖ لَا هُنَّ حِلّٞ لَّهُمۡ وَلَا هُمۡ يَحِلُّونَ لَهُنَّۖ وَءَاتُوهُم مَّآ أَنفَقُواْۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَآ ءَاتَيۡتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّۚ وَلَا تُمۡسِكُواْ بِعِصَمِ ٱلۡكَوَافِرِ وَسۡـَٔلُواْ مَآ أَنفَقۡتُمۡ وَلۡيَسۡـَٔلُواْ مَآ أَنفَقُواْۚ ذَٰلِكُمۡ حُكۡمُ ٱللَّهِ يَحۡكُمُ بَيۡنَكُمۡۖ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ} (10)

{ يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات } الآية نزلت بعد صلح الحديبية وكان الصلح قد وقع على أن يرد إلى أهل مكة من جاء من المؤمنين منهم ، فأنزل الله في النساء إذا جئن مهاجرات أن يمتحن وهو قوله { فامتحنوهن } وهو أن تستحلف ما خرجت بغضا لزوجها ولا عشقا لرجل من المسلمين وما خرجت إلا رغبة في الاسلام فإذا حلفت لم ترد إلى الكفار وهو قوله :{ فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار } لأن المسلمة لا تحل للكافر وقوله :{ وآتوهم } يعني أزواجهم الكفار ما أنفقوا عليهن من المهر ، { ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن } أي مهورهن وان كان لهن أزواج كفار في دار الاسلام لأن الاسلام أبطل تلك الزوجية ، { ولا تمسكوا بعصم الكوافر } أي لا تمسكوا بنكاحهن فان العصمة لا تبقى بين المشركة والمؤمن والمعنى ان لحقت بالمشركين واحدة من نسائكم فلا تتمسكوا بنكاحها ، { واسألوا ما أنفقتم } عليهن من المهر من يتزوجهن من الكفار { وليسألوا } يعني المشركين ، { ما أنفقوا } من المهر فلما نزلت هذه الآية أدى المؤمنون ما أمروا به من نفقات المشركين على نسائهم وأبى المشركون ذلك فنزلت .

 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا جَآءَكُمُ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتُ مُهَٰجِرَٰتٖ فَٱمۡتَحِنُوهُنَّۖ ٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِإِيمَٰنِهِنَّۖ فَإِنۡ عَلِمۡتُمُوهُنَّ مُؤۡمِنَٰتٖ فَلَا تَرۡجِعُوهُنَّ إِلَى ٱلۡكُفَّارِۖ لَا هُنَّ حِلّٞ لَّهُمۡ وَلَا هُمۡ يَحِلُّونَ لَهُنَّۖ وَءَاتُوهُم مَّآ أَنفَقُواْۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَآ ءَاتَيۡتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّۚ وَلَا تُمۡسِكُواْ بِعِصَمِ ٱلۡكَوَافِرِ وَسۡـَٔلُواْ مَآ أَنفَقۡتُمۡ وَلۡيَسۡـَٔلُواْ مَآ أَنفَقُواْۚ ذَٰلِكُمۡ حُكۡمُ ٱللَّهِ يَحۡكُمُ بَيۡنَكُمۡۖ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ} (10)

{ يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن } أي : اختبروهن لتعلموا صدق إيمانهن ، وإنما سماهن مؤمنات لظاهر حالهن ، وقد اختلف في هذا الامتحان على ثلاثة أقوال : أحدها : أن تستحلف المرأة أنها ما هاجرت لبغضها في زوجها ولا لخوف وغير ذلك من أعراض الدنيا سوى حب الله ورسوله والدار الآخرة .

والثاني : أن يعرض عليها شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله .

الثالث : أن تعرض عليها الشروط المذكورة بعد هذا من ترك الإشراك والسرقة ، وقتل أولادهن وترك الزنا والبهتان ، والعصيان ، فإذا أقرت بذلك فهو امتحانها قالته عائشة رضي الله تعالى عنها .

{ فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار } نزلت هذه الآية إثر صلح الحديبية ، وكان ذلك الصلح قد تضمن أن يرد المسلمين إلى الكفار ، وكل من جاء مسلما من الرجال والنساء فنسخ الله أمر النساء بهذه الآية ومنع من رد المؤمنة إلى الكفار إذا هاجرت إلى المسلمين وكانت المرأة التي هاجرت حينئذ أميمة بنت بشر امرأة حسان بن الدحداحة .

وقيل : سبيعة الأسلمية ، ولما هاجرت جاء زوجها فقال يا محمد ردها علينا فإن ذلك في الشرط الذي لنا عليك فنزلت الآية : فامتحنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يردها وأعطى مهرها لزوجها ، وقيل : نزلت في أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط هربت من زوجها إلى المسلمين واختلف في الرجال هل حكمهم في ذلك كالنساء فلا تجوز المهادنة على رد من أسلم منهم ، أو يجوز حتى الآن على قولين والأظهر الجواز لأنه إنما نسخ ذلك في النساء .

{ لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن } هذا تعليل للمنع من رد المرأة إلى الكفار وفيه دليل على ارتفاع النكاح بين المشركين والمسلمات .

{ وآتوهم ما أنفقوا } يعني : أعطوا الكفار ما أعطوا نساءهم من الصدقات إذا هاجرن ثم أباح للمسلمين تزوجهن بالصداق .

{ ولا تمسكوا بعصم الكوافر } العصم جمع عصمة أي : النكاح فأمر الله المسلمين أن يفارقوا نساءهم الكوافر ، يعني : المشركات من عبدة الأوثان ، فالآية على هذا محكمة ، وقيل : يعني : كل كافرة فعلى هذا نسخ منها جواز تزوج الكتابيات لقوله : { والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم } [ المائدة : 5 ] ، وروي : أن الآية نزلت في امرأة لعمر بن الخطاب كانت كافرة فطلقها ، { واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا } أي : اطلبوا من الكفار ما أنفقتم من الصدقات على أزواجكم اللاتي فررن إلى الكفار ، وليطلب الكفار منكم ما أنفقوا على أزواجهم اللاتي هاجرن إلى المسلمين .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا جَآءَكُمُ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتُ مُهَٰجِرَٰتٖ فَٱمۡتَحِنُوهُنَّۖ ٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِإِيمَٰنِهِنَّۖ فَإِنۡ عَلِمۡتُمُوهُنَّ مُؤۡمِنَٰتٖ فَلَا تَرۡجِعُوهُنَّ إِلَى ٱلۡكُفَّارِۖ لَا هُنَّ حِلّٞ لَّهُمۡ وَلَا هُمۡ يَحِلُّونَ لَهُنَّۖ وَءَاتُوهُم مَّآ أَنفَقُواْۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَآ ءَاتَيۡتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّۚ وَلَا تُمۡسِكُواْ بِعِصَمِ ٱلۡكَوَافِرِ وَسۡـَٔلُواْ مَآ أَنفَقۡتُمۡ وَلۡيَسۡـَٔلُواْ مَآ أَنفَقُواْۚ ذَٰلِكُمۡ حُكۡمُ ٱللَّهِ يَحۡكُمُ بَيۡنَكُمۡۖ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ} (10)

ولما كان نزول هذه الآيات الماضية في الفتح الأعظم حين قصد النبي صلى الله عليه وسلم سنة ثمان المسير بجنود الله إلى مكة المشرفة - {[64595]}شرفها الله تعالى{[64596]} - لدخولها عليهم بالسيف حين نقضوا بقتالهم لخزاعة الذي كانوا قد تحيزوا{[64597]} إلى النبي صلى الله عليه وسلم فكانوا في عقده وعهده في صلح الحديبية الذي كان سنة ست على وضع الحرب بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم و{[64598]}من دخل في عقده ، وكان من ذلك الصلح أن من جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قريش ومن دخل في صلحهم رده إليهم وإن كان مسلماً ، ومن جاءهم ممن كان مع النبي صلى الله عليه وسلم لم يردوه إليه بحيث قام من ذلك وقعد كثير من الصحابة رضي الله عنهم من أعظمهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه حتى سكنه الصديق رضي الله تعالى عنه بما وقر في صدره من الحكم ، ورد إليهم{[64599]} صلى الله عليه وسلم أبا بصير رضي الله عنه ، وكان رده إليهم للوفاء بالعهد بسبب التصديق لقوله صلى الله عليه وسلم " أما من جاءنا منهم فرددناه إليهم فسيجعل الله له فرجاً ومخرجاً " وقصته في ذلك كله{[64600]} مشهورة ، وكانت " من " من{[64601]} صيغ العموم ، وكانت دلالة العام قطعية في الحكم على الأفراد ظنية - كما قال الشافعي رضي الله تعالى عنه - في الدلالة على الجزئي{[64602]} من تلك الأفراد بخصوصه حيث لا قرينة لأن تلك الصيغ ترد تارة{[64603]} على عمومها وتارة يراد بها بعض الأفراد فتكون من العام{[64604]} الذي أريد به الخصوص ، وتارة يقع فيها التخصيص ، فتكون من العام الذي أريد به الخصوص{[64605]} فطرقها الاحتمال فاحتاج ما دلت عليه من الظاهر{[64606]} إلى قرينة ، وكان دخول النساء تحت لفظ " من " في صلح الحديبية أما عرباً عن القرينة أو أن القرينة{[64607]} القتال الذي وقع الصلح عليه{[64608]} بسببه صارفة عنه ، وكذا قرينة التعبير عنهن ب " ما " دون " من " في كثير من الكتاب العزيز فانكحوا ما طاب لكم من النساء }{[64609]}[ النساء : 3 ] ، { أو ما ملكت أيمانكم }[ النساء :3 ] ، { ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء }[ النساء :22 ] ، { والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم }{[64610]}[ النساء :24 ] { وأحل لكم ما وراء ذلكم }[ النساء : 24 ] ، { فما استمتعتم به منهن }[ النساء :24 ] ، { فما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات }[ النساء :25 ] ، { إلا على أزواجكم أو ما ملكت أيمانهم }[ المؤمنون :6 ] ، وكان قد ختم سبحانه هذه الآيات التي أدب بها في غزوة الفتح بما أبان به ما لا يخرج عن الصلح في عمرة الحديبية مما هو أقرب إلى الخير من البر والعدل ، ونهى عن تولي الكفار ، فكانت المصاهرة والمناكحة من أعظم التولي ، وصل بذلك ما لا يخرج{[64611]} عنه ولا يخل {[64612]}بالعهد في أن{[64613]} من جاء من{[64614]} الكفار إلى النبي صلى الله عليه وسلم رده إليهم وإن كان مسلماً ، فقال مخاطباً لأدنى أسنان أهل الإيمان الذين يحتاجون إلى التفهيم{[64615]} ، وأما من هو أعلى منهم فهو عالم بذلك مؤتمر به بما آتاه الله من الفهم وأنار به قلبه{[64616]} الشريف من فنون العلم ليكفوا النبي صلى الله عليه وسلم مقدمات البيعة منه لهن : { يا أيها الذين آمنوا } أي أقروا بالإيمان - وهو إيقاع الأمان من التكذيب - لمن يخبرهم ما ينبغي التصديق به بسبب تصديقهم بالله سبحانه وتعالى .

ولما كان في علمه سبحانه وتعالى أنه يأتيهم{[64617]} نساء يهربن بدينهن إلى الله ، بشرهم بذلك بالتعبير بأداة التحقيق فقال : { إذا } أي صدقوا ما ادعيتموه من الإيمان بأنه في أي زمان { جاءكم } ولما كان لا يهجر داره{[64618]} وعشيرته لا سيما إن كانوا أقارب بسبب كفرهم إلا من رسخ في الإيمان ذكراً كان أو أنثى قال : { المؤمنات } أي النساء اللاتي {[64619]}صار وصف{[64620]} الإيمان لهن{[64621]} صفة راسخة بدلالة الهجرة عليه : { مهاجرات } للكفار ولأرضهم { فامتحنوهن } أي اختبروهن تأكيداً لما دلت عليه الهجرة من الإيمان بالتحليف بأنهن{[64622]} ما خرجن لحدث أحدثته ولا بغضاً في زوج ولا رغبة في عشير ولا خرجن إلا حباً لله ورسوله ورغبة في دين الإسلام ، قال الإمام شهاب الدين ابن النقيب في الهداية من مختصره للكفاية{[64623]} لفقيه المذهب نجم الدين أحمد بن الرفعة في شرح التنبيه : واختلف قول{[64624]} الشافعي رحمه الله تعالى : هل كان النبي صلى الله عليه وسلم شرط لقريش في الصلح رد{[64625]} النساء ففي قول : لم يشترطه بل أطلق رد من جاءه فتوهموا تناول النساء ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم عالماً بعدم دخولهن ، فأطلق ذلك حذيفة يعني ومن شرعه أن الحرب خدعة ، وفي قوله : شملهن الشرط ، لكن هل شرطه صريحاً أم دخلن في الإطلاق فيه وجهان أظهرهما الثاني ، وهل كان شرطهن جائزاً{[64626]} فيه وجهان : أحدهما نعم ثم نسخ ، وهل ناسخه الآية المذكورة أم منع النبي صلى الله عليه وسلم من الرد فيه وجهان مبنيان على أنه هل{[64627]} يجوز نسخ السنة بالقرآن{[64628]} وفيه قولان للشافعي رحمه الله تعالى ، ومختاره منهما المنع وهو الجديد ، وكذا لا يجوز عنده وعند أصحابه نسخ الكتاب بالسنة وإن كانت متواترة{[64629]} - انتهى .

ومعناه أنه لم يقع فإن وقع نسخها بالقرآن كان معه سنة ، وإن وقع نسخه بالسنة كان معها قرآن{[64630]} ، وهو معنى قول ابن السبكي في جمع الجوامع : قال الشافعي رضي الله عنه : وحيث وقع بالسنة فمعها قرآن أو بالقرآن فمعه سنة عاضدة تبين توافق الكتاب والسنة .

ولما كان الاختبار ربما دل إيمانهن لا يعلم{[64631]} إلا به ، نفى ذلك بقوله مستأنفاً في جواب من يقول : أليس الله بعالم بذلك ، ومفيداً أن علمكم الذي تصلون إليه بالامتحان ليس بعلم ، وإنما سماه به{[64632]} إيذاناً بأن الظن الغالب في حقكم بالاجتهاد والقياس قائم مقام العلم يخرج من عهدة { ولا تقف ما ليس لك به علم }[ الإسراء : 36 ] : { الله } المحيط بكل شيء قدرة وعلماً { أعلم } أي منكم ومنهن بأنفسهن { بإيمانهن } هل هو كائن أو لا على وجه الرسوخ أو لا ، فإنه محيط بما غاب كإحاطته بما شهد ، وإنما وكل الأمر إليكم في ذلك ستراً للناس ولئلا تكون شهادته لأحد بالإيمان و{[64633]}الكفران موصلة إلى عين اليقين فيخرج عن مبنى هذه الدار ، قال القشيري : وفي الجملة الامتحان طريق إلى المعرفة ، وجواهر النفس تتبين بالتجربة ، ومن أقدم على شيء {[64634]}من غير{[64635]} تجربة يجني كأس الندم ، قال : { فإن علمتموهن } أي العلم المتمكن لكم وهو الظن المؤكد بالأمارات الظاهرة بالحلف وغيره { مؤمنات } أي مخلصات في الهجرة لأجل{[64636]} الإيمان ، والتعبير بذلك لإيذان بمزيد الاحتياط .

ولما ذكر هذا الامتحان بين أنه علة لحمايتهن والدفع عنهن فأتبعه مسببه فقال : { فلا ترجعوهن } أي بوجه من الوجوه { إلى الكفار } وإن كانوا أزواجاً ، ومن الدليل على{[64637]} أن هذا ظاهر في المراد وأن القرائن موضحة له أنه صلى الله عليه وسلم لما أبى{[64638]} أن يرد إليهم من جاءه{[64639]} من النساء لم يعب أحد من الكفار ذلك ، ولا نسب إلى عهده صلى الله عليه وسلم - وحاشاه - خللاً ، ولولا أن ذلك كذلك{[64640]} لملؤوا الأرض تشغيباً كما فعلوا في سرية عبد الله بن جحش رضي الله عنه إلى نخله التي نزل بسببها

( يسألونك عن الشهر الحرام }[ البقرة : 217 ] الآيات على أن الأخبار الصحيحة وغيرها ناطقة{[64641]} بأن هذه الآية{[64642]} نزلت في الحديبية قبل أن ينفصل الأمر غاية الانفصال ويستقر ، روى البخاري في المغازي من صحيحه والبغوي{[64643]} من طريقه وهذا لفظه من المروان والمسور بن مخرمة عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا : كاتب سهيل بن عمرو فكان ما اشترط على النبي صلى الله عليه وسلم أنه{[64644]} لا يأتيك أحد منا وإن كان على دينك إلا رددته إلينا ، فكاتبه النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك ، فرد يومئذ أبا جندل إلى{[64645]} أبيه سهل بن عمرو ، ولم يأته أحد من الرجال إلا رده في تلك المدة وإن كان مسلماً ، وجاءت المؤمنات مهاجرات ، وكانت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ممن خرج إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهي عاتق{[64646]} فجاء أهلها {[64647]}إلى المدينة{[64648]} يسألون النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجعها إليهم فلم يرجعها إليهم كما أنزل الله فيهن { إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن } وقال البغوي{[64649]} : قال ابن عباس رضي الله عنهما : أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم معتمراً حتى إذا كان بالحديبية صالحه مشركو مكة{[64650]} على أن من أتاه من{[64651]} أهل مكة رده إليهم فجاءت سبيعة بنت الحارث مسلمة بعد الفراغ من الكتاب ، فأقبل زوجها ، وكان كافر ، فقال : يا محمد ! اردد عليّ امرأتي فإنك قد شرطت أن ترد علينا من أتاك منا ، وهذه طينة الكتاب لم تجف ، فأنزل الله تعالى { يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن {[64652]}الله أعلم بإيمانهن{[64653]} } وقال ابن عباس رضي الله عنهما : امتحانها أن تستحلف أنها{[64654]} ما هاجرت لبغض زوج ولا عشقاً لرجل من المسلمين ولا رغبة عن أرض ولا لحدث أحدثته ولا التماس{[64655]} الدنيا وما خرجت إلا رغبة{[64656]} في الإسلام وحباً لله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، فاستحلفها رسول الله صلى الله عليه وسلم{[64657]} على ذلك فحلفت فلم يردها وأعطى زوجها ما أنفق عليها ، فزوجها{[64658]} عمر رضي الله عنه ، وكان صلى الله عليه وسلم يرد من جاءه{[64659]} من الرجال ويحبس من جاءه من النساء بعد الامتحان ، ويعطي أزواجهن مهورهن ، و{[64660]}دعوى النسخ ليست بشيء إلا تؤول بأنه لما كان من العالم الذي أريد به الخصوص أن{[64661]} بعض ما تناوله ظاهر اللفظ من الحكم مرفوع ، وذلك بأن{[64662]} الله لا يأمر بإخلاف الوعد فكيف بنقض العهد . ولما نهى عن رد المهاجرات إلى المشركين وعبر بالكفار تعميماً{[64663]} ، علل ذلك بقوله مقدماً حكمهن{[64664]} تشريفاً لهن لهجرتهن : { لا هن } أي الأزواج { حل } {[64665]}أي موضع{[64666]} حل ثابت { لهم }{[64667]} أي للكفار باستمتاع{[64668]} ولا غيره . ولما كان نفي الحل الثابت غير مانع من تجدد حل الرجال لهن{[64669]} ولو على تقدير من التقادير وفرض من الفروض ، قال معيداً{[64670]} لذلك ومؤكداً لقطع العلاقة من كل جانب : { ولا هم } أي رجال الكفار { يحلون } أي يتجدد في وقت من الأوقات أن يحلوا { لهن } أي للمؤمنات حتى{[64671]} لو تصور أن يكون رجالهن نساء وهن ذكوراً ما حلوا لهن بخلاف أهل الكتاب ، كذا تنفك الملازمة في مسألة المظاهرة والإيلاء فيحل للمرأة أن تستمتع به إذا{[64672]} كان نائماً مثلاً ، وأما هو فيحرم عليه ذلك قبل التكفير ، وقال البيضاوي : الأولى لحصول الفرقة ، والثانية للمنع من الاستئناف - انتهى ، فنفت{[64673]} هذه الجملة الفعلية من وجه تجدد الحل للنساء فأفهمت الجملتان عدم الحرج فيما كان قبل ذلك تطييباً لقلوب المؤمنات{[64674]} .

ولما نهى عن الرد وعلله ، أمر بما قدم{[64675]} من الإقساط إليهم فقال : { وآتوهم } أي الأزواج { ما أنفقوا } أي عليهن من المهور فإن المهر في نظير أصل العشرة ودوامها وقد فوتتها المهاجرة فلا يجمع عليه خسران الزوجية والمالية ، وأما الكسوة والنفقة فإنها لما يتجدد من الزمان .

ولما جزم{[64676]} بتأييد منعهن{[64677]} عن الكفار ، أباحهن للمسلمين فقال على وجه الرفق واللطف : { ولا جناح } أي ميل وحرج { عليكم } أيها المشرفون بالخطاب { أن تنكحوهن } أي تجددوا زواجكم{[64678]} بهن بعد الاستبراء وإن كان أزواجهن من الكفار لم يطلقوهن لزوال العلق منهم عنهن ولأن{[64679]} الإسلام فرق بينهم فإنه لن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً . ولما كان قد أمر برد مهور الكفار ، فكان ربما ظن أنه مغن عن تجديد مهر لهن إذا نكحهن المسلم نفى ذلك بقوله : { إذا آتيتموهن } أي لأجل النكاح { أجورهن } ولما قطع ما{[64680]} بين الكفار والمسلمات مع الإعراض عن الكفار لعصيانهم قطع ما بين المؤمنين والكافرات مع الإقبال عليهم لطاعتهم رفعاً لشأنهم فقال : { ولا } ولما كان إمساك المرأة مع عداوتها لمخالفتها في الدين دليلاً على غاية الرغبة فيها ، دل على ذلك إشارة إلى التوبيخ{[64681]} بالتضعيف في قراءة البصريين فقال{[64682]} : { تمسكوا } أي بعدم التصريح في الطلاق { بعصم الكوافر } جمع عصمة وهي {[64683]}ما يديم{[64684]} علقة النكاح { واسألوا } أي أيها المؤمنون الذين ذهبت{[64685]} أزواجهم إلى الكفار { ما أنفقتم } أي من مهور نسائكم اللاتي اعتصمن عنكم بهم أو فررن إليهم . ولما أمر برد مهور المؤمنين إلى الكفار وأذن للمؤمنين في المطالبة بمهور أزواجهم ، أذن للكفار في مثل ذلك إيقاعاً للقسط بين عباده مسلمهم وكافرهم معبراً بالأمر مع الغيبة إعراضاً عنهم إعلاماً بشدة كراهته سبحانه للظلم وأنه يستوي فيه الكافر مع عداوته بالمؤمن مع ولايته : { وليسألوا } أي الكفار { ما أنفقوا } أي من مهور أزواجهم اللاتي أسلمن واعتصمن بكم عنهم ، وهل هذا الحكم باق ، قال قوم : نعم ، وقال عطاء ومجاهد وقتادة : نسخ فلا يعطي الكفار{[64686]} شيئاً ولو شرطنا الإعطاء .

ولما كان هذا حكماً عدلاً لا يفعله مع عدوه ووليه إلا حكيم ، قال مشيراً إلى مدحه ترغيباً فيه بميم{[64687]} الجمع إلى العموم : { ذلكم } أي{[64688]} الحكم الذي ذكر في هذه الآيات البعيدة بعلو الرتبة عن كل سفه { حكم الله } أي{[64689]} الملك الذي له صفات الكمال ، فلا ينبغي لشائبة نقص أن يلحقه{[64690]} .

ولما كان هذا مما يفرح به ويغنم عند تقدير فواته ، قال مستأنفاً مبشراً بإدامة تجديد أمثاله لهم : { يحكم } أي الله أو حكمه على سبيل المبالغة ، ودل على استغراق الحكم لجميع ما يعرض بين العباد وأنه سبحانه لم يهمل{[64691]} شيئاً منه بإعراء الجار من قوله : { بينكم } أي في هذا الوقت وفي غيره على هذا المنهاج البديع ، وذلك لأجل الهدنة التي وقعت بين النبي صلى الله عليه وسلم وبينهم ، وأما قبل الحديبية فكان النبي صلى الله عليه وسلم يمسك النساء ولا يرد الصداق .

ولما كان التقدير : فالله حكم عدل ، قال : { والله } أي الذي له الإحاطة التامة { عليم } أي بالغ العلم لا يخفى عليه شيء { حكيم * } أي فهو لتمام علمه يحكم كل أموره غاية الإحكام فلا يستطيع أحد نقض شيء منها .


[64595]:- سقط ما يبن الرقمين من ظ وم.
[64596]:- سقط ما بين الرقمين من ظ و م.
[64597]:- من ظ وم، وفي الأصل: تحدروا.
[64598]:- زيد من م.
[64599]:- من ظ وم، وفي الأصل: عليهم.
[64600]:- زيد من ظ وم.
[64601]:- زيد من ظ و م
[64602]:- من ظ وم، وفي الأصل: الجزء.
[64603]:- وقع في الأصل بعد " على عمومها" والترتيب من ظ وم.
[64604]:- سقط ما بين الرقمين من ظ، وفي م: المخصوص.
[64605]:- سقط ما بين الرقمين من ظ، وفي م: المخصوص.
[64606]:- من ظ وم، وفي الأصل: المظاخر.
[64607]:- زيد من ظ وم.
[64608]:- زيد من ظ وم.
[64609]:- من ظ وم، وفي الأصل: إلا.
[64610]:- زيد من ظ وم.
[64611]:- من ظ وم، وفي الأصل: لم يخرج.
[64612]:- من ظ وم، وفي الأصل: بالعدل ممن.
[64613]:-من ظ وم، وفي الأصل: بالعدل ممن.
[64614]:- من ظ وم، وفي الأصل: إلى
[64615]:- من ظ وم، وفي الأصل: التعميم.
[64616]:- من ظ وم، وفي الأصل: قلب.
[64617]:- من ظ وم، وفي الأصل: ياتيه.
[64618]:- من ظ وم، وفي الأصل: زمانه.
[64619]:- من م، وفي الأصل وظ: التي.
[64620]:- من ظ وم، وفي الأصل: وصفه.
[64621]:- من ظ وم، وفي الأصل: لهم.
[64622]:- من ظ وم، وفي الأصل: بالإيمان.
[64623]:- من ظ وم، وفي الأصل: في الكفاية
[64624]:- زيد من ظ وم.
[64625]:- من ظ وم، وفي الأصل: فرد.
[64626]:- من ظ وم، وفي الأصل: جائز.
[64627]:- زيد من ظ وم.
[64628]:- من ظ وم، وفي الأصل: عن القرآن.
[64629]:- من ظ وم، وفي الأصل: مواثرة.
[64630]:- من ظ و م، وفي الأصل: قرانا.
[64631]:- زيد في الأصل: ذلك، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[64632]:- زيد من ظ وم.
[64633]:- من ظ وم، وفي الأصل: و.
[64634]:- من ظ وم، وفي الأصل: بغير.
[64635]:-من ظ وم، وفي الأصل: بغير.
[64636]:- من ظ وم، وفي الأصل: إلى.
[64637]:- زيد من ظ وم.
[64638]:- زيد من ظ وم.
[64639]:- من ظ وم، وفي الأصل: جاء.
[64640]:- زيد من ظ وم.
[64641]:- من ظ وم، وفي الأصل: قاطعة.
[64642]:- زيد من ظ وم، وفي الأصل: قاطعة.
[64643]:- راجع معالم التنزيل بهامش اللباب 7/**
[64644]:- من ظ وم، وفي الأصل: إن.
[64645]:- من ظ وم، وفي الأصل: على.
[64646]:- زيد من ظ وم والمعالم.
[64647]:- سقط ما بين الرقمين من ظ وم.
[64648]:- سقط ما بين الرقمين من ظ وم.
[64649]:- راجع معالم التنزيل بهامش اللباب 7/
[64650]:- زيد من ظ وم والمعالم.
[64651]:- زيد من ظ وم والمعالم.
[64652]:- سقط ما بين الرقمين من ظ وم.
[64653]:- سقط ما بين الرقمين من ظ وم.
[64654]:- سقط من م.
[64655]:- من م، وفي الأصل وظ: لا لتماس.
[64656]:- من ظ وم، وفي الأصل: حبا.
[64657]:- زيد من ظ وم المعالم.
[64658]:- من ظ وم، وفي الأصل: ثم تزوجها.
[64659]:- في ظ وم: جاء
[64660]:- زيد من ظ وم والمعالم.
[64661]:- من ظ وم، وفي الأصل: بان.
[64662]:- من ظ وم، وفي الأصل: أن.
[64663]:- من ظ وم، وفي الأصل: تتميما.
[64664]:- من ظ وم، وفي الأصل: حكمين.
[64665]:- سقط ما بين الرقمين من ظ و م.
[64666]:- سقط ما بين الرقمين من ظ و م.
[64667]:- ليس في الأصل.
[64668]:- من ظ وم، وفي الأصل: باستماع.
[64669]:- من ظ وم، وفي الأصل: لهم.
[64670]:- من ظ وم، وفي الأصل: مقيدا.
[64671]:- زيد من ظ وم.
[64672]:- من ظ وم، وفي الأصل: إن.
[64673]:-زيد من ظ وم.
[64674]:- من ظ وم، وفي الأصل: المؤمنين.
[64675]:- من ظ وم، وفي الأصل: تقدم.
[64676]:- من ظ وم، وفي الأصل: حرم.
[64677]:- من ظ وم، وفي الأصل: منعمين.
[64678]:- من ظ وم، وفي الأصل: أزواجكم.
[64679]:- من ظ وم، وفي الأصل: فإن.
[64680]:- زيد من ظ وم.
[64681]:- من ظ وم، وفي الأصل: التلويح بالتوبيخ.
[64682]:- زيد في الأصل: ولا، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[64683]:- من ظ وم، وفي الأصل: تقديم.
[64684]:- من ظ وم، وفي الأصل: تقديم.
[64685]:- من ظ وم، وفي الأصل: ثبتت.
[64686]:- زيد من ظ وم.
[64687]:- من ظ وم، وفي الأصل: يجيم.
[64688]:- زيد في الأصل: هذا، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[64689]:- زيد من ظ وم.
[64690]:- من ظ وم، وفي الأصل: يلحق به.
[64691]:- من ظ وم، وفي الأصل: لا يهمل.