غير أن القرآن لا يكلهم إلى هذه اللمسات الأولى . إنما يلح على قلوبهم بموحيات الإيمان وموجباته من واقع حياتهم وملابساتها :
( وما لكم لا تؤمنون بالله ، والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم ، وقد أخذ ميثاقكم ، إن كنتم مؤمنين . هو الذي ينزل على عبده آيات بينات ليخرجكم من الظلمات إلى النور . وإن الله بكم لرؤوف رحيم ) . .
فما الذي يعوقهم عن الإيمان - حق الإيمان - وفيهم الرسول يدعوهم إلى الإيمان . وقد بايعوه عليه وأعطوه ميثاقهم ?
ومالكم لا تؤمنون بالله والرسولُ يدعوكم إلى ذلك ويحثّكم عليه ! إنه يبين لكم الحججَ والبراهين على صحة ما جاءكم به ، وقد أخذ الله عليكم الميثاقَ بالإيمان من قبلُ { إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ } .
قرأ أبو عمرو : وقد أُخذ ميثاقكم بضم همزة اخذ ورفع ميثاقكم . والباقون : وقد أخذ ميثاقكم بفتح الهمزة ونصب ميثاقكم .
{ وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } أي : وما الذي يمنعكم من الإيمان ، والحال أن الرسول محمدا صلى الله عليه وسلم أفضل الرسل وأكرم داع دعا إلى الله يدعوكم ، فهذا مما يوجب المبادرة إلى إجابة دعوته ، والتلبية والإجابة للحق الذي جاء به{[980]} ، وقد أخذ عليكم العهد والميثاق بالإيمان إن كنتم مؤمنين ، ومع ذلك ، من لطفه وعنايته بكم ، أنه لم يكتف بمجرد دعوة الرسول الذي هو أشرف العالم ، بل أيده بالمعجزات ، ودلكم على صدق ما جاء به بالآيات البينات .
قوله تعالى : { وما لكم لا تؤمنون بالله والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم وقد أخذ ميثاقكم } قرأ أبو عمر : { أخذ } بضم الهمزة وكسر الخاء { ميثاقكم } برفع القاف على ما لم يسم فاعله . وقرأ الآخرون بفتح الهمزة والخاء ونصب القاف ، أي : أخذ الله ميثاقكم حين أخرجكم من ظهر آدم عليه السلام ، بأن الله ربكم لا إله لكم سواه ، قاله مجاهد . وقيل : أخذ ميثاقكم بإقامة الحجج والدلائل التي تدعو إلى متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم . { إن كنتم مؤمنين } يوماً ، فالآن أحرى الأوقات أن تؤمنوا لقيام الحجج والإعلام ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم ونزول القرآن .
قوله تعالى : " وما لكم لا تؤمنون بالله " استفهام يراد به التوبيخ . أي أي عذر لكم في ألا تؤمنوا وقد أزيحت العلل ؟ " والرسول يدعوكم " بين بهذا أنه لا حكم قبل ورود الشرائع . قرأ أبو عمرو : " وقد أُخذ ميثاقكم " على غير مسمى الفاعل . والباقون على مسمى الفاعل ، أي أخذ الله ميثاقكم . قال مجاهد : هو الميثاق الأول الذي كان وهم في ظهر آدم بأن الله ربكم لا إله لكم سواه . وقيل : أخذ ميثاقكم بأن ركب فيكم العقول ، وأقام عليكم الدلائل والحجج التي تدعو إلى متابعة الرسول " إن كنتم مؤمنين " أي إذ كنتم . وقيل : أي إن كنتم مؤمنين بالحجج والدلائل . وقيل : أي إن كنتم مؤمنين بحق يوما من الأيام ، فالآن أحرى الأوقات أن تؤمنوا لقيام الحجج والأعلام ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم فقد صحت براهينه . وقيل : إن كنتم مؤمنين بالله خالقكم . وكانوا يعترفون بهذا . وقيل : هو خطاب لقوم آمنوا وأخذ النبي صلى الله عليه وسلم ميثاقهم فارتدوا . وقوله : " إن كنتم مؤمنين " أي إن كنتم تقرون بشرائط الإيمان .
{ وما لكم لا تؤمنون بالله } معناه أي : شيء يمنعكم من الإيمان والرسول يدعوكم إليه بالبراهين القاطعة والمعجزات الظاهرة فقوله : { ما لكم } استفهام يراد به الإنكار ولا تؤمنون في موضع الحال من معنى الفعل الذي يقتضيه ما لكم والواو في قوله : { والرسول يدعوكم } واو الحال .
{ وقد أخذ ميثاقكم } يحتمل أن يكون هذا الميثاق ما جعل في العقول من النظر الذي يؤدي إلى الإيمان ، أو يكون الميثاق الذي أخذه على بني آدم حين أخرجهم من ظهر آدم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.