في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَٱرۡتَقِبۡ يَوۡمَ تَأۡتِي ٱلسَّمَآءُ بِدُخَانٖ مُّبِينٖ} (10)

( فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين . يغشى الناس . هذا عذاب أليم ) . .

وقد اختلف السلف في تفسير آية الدخان . فقال بعضهم . إنه دخان يوم القيامة ، وإن التهديد بارتقابه كالتهديد المتكرر في القرآن . وإنه آت يترقبونه ويترقبه رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال بعضهم : بل هو قد وقع فعلاً ، كما توعدهم به . ثم كشف عن المشركين بدعاء الرسول صلى الله عليه وسلم فنذكر هنا ملخص القولين وأسانيدهما . ثم نعقب بما فتح الله به ، ونحسبه صواباً إن شاء الله .

قال سليمان بن مهران الأعمش ، عن أبي الضحى مسلم بن صبيح ، عن مسروق . قال : دخلنا المسجد - يعني مسجد الكوفة - عند أبواب كندة . فإذا رجل يقص على أصحابه : ( يوم تأتي السماء بدخان مبين ) . . تدرون ماذا الدخان ? ذلك دخان يأتي يوم القيامة ، فيأخذ بأسماع المنافقين وأبصارهم ، ويأخذ المؤمنين منه شبه الزكام . قال : فأتينا ابن مسعود - رضي الله عنه - فذكرنا ذلك له ، وكان مضطجعاً ففزع فقعد ، وقال : إن الله عز وجل قال لنبيكم [ صلى الله عليه وسلم ] : ( قل : ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين ) . إن من العلم أن يقول الرجل لما لا يعلم : الله أعلم . أحدثكم عن ذلك . إن قريشاً لما أبطأت عن الإسلام ، واستعصت على رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] دعا عليهم بسنين كسني يوسف . فأصابهم من الجهد والجوع حتى أكلوا العظام والميتة ؛ وجعلوا يرفعون أبصارهم إلى السماء فلا يرون إلا الدخان - وفي رواية فجعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى ما بينه وبينها كهيئة الدخان من الجهد - قال الله تعالى : ( فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين يغشى الناس هذا عذاب أليم ) . . فأتي رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] فقيل له : يا رسول الله استسق الله لمضر فإنها قد هلكت . فاستسقى [ صلى الله عليه وسلم ] لهم فسقوا . فنزلت . ( إنا كاشفو العذاب قليلاً إنكم عائدون ) . . قال ابن مسعود رضي الله عنه : أفيكشف عنهم العذاب يوم القيامة ? . . فلما أصابهم الرفاهية عادوا إلى حالهم ، فأنزل الله عز وجل : ( يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون ) . . قال : يعني يوم بدر . قال ابن مسعود - رضي الله عنه - فقد مضى خمسة : الدخان ، والروم والقمر ، والبطشة ، واللزام " . . [ وهذا الحديث مخرج في الصحيحين . ورواه الإمام أحمد في مسنده . وهو عند الترمذي والنسائي في تفسيرهما . وعند ابن جرير ، وابن أبي حاتم من طرق متعددة عن الأعمش به ] . وقد وافق ابن مسعود - رضي الله عنه - على تفسير الآية بهذا ، وأن الدخان مضى ، جماعة من السلف كمجاهد وأبي العالية وإبراهيم النخعي والضحاك وعطية العوفي . وهو اختيار ابن جرير .

وقال آخرون : لم يمض الدخان بعد ، بل هو من أمارات الساعة ، كما ورد في حديث أبي سريحة حذيفة ابن أسيد الغفاري - رضي الله عنه - قال : أشرف علينا رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] من عرفة ونحن نتذاكر الساعة ، فقال [ صلى الله عليه وسلم ] : " لا تقوم الساعة حتى تروا عشر آيات " طلوع الشمس من مغربها والدخان والدابة وخروج يأجوج ومأجوج وخروج عيسى ابن مريم والدجال وثلاثة خسوف خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب ونار تخرج من قعر عدن تسوق الناس - أو تحشر - الناس - تبيت معهم حيث باتوا وتقيل معهم حيث قالوا " . . [ تفرد بإخراجه مسلم في صحيحه ] .

وقال ابن جرير : حدثني محمد بن عوف ، حدثنا محمد بن إسماعيل بن عياش حدثني أبي ، حدثني ضمضم بن زرعة ، عن شريح بن عبيد ، عن أبي مالك الأشعري - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : " إن ربكم أنذركم ثلاثاً الدخان يأخذ المؤمن كالزكمة ، ويأخذ الكافر فينتفخ حتى يخرج من كل مسمع منه ، والثانية الدابة ، والثالثة الدجال " . [ ورواه الطبراني عن هاشم بن زيد ، عن محمد بن إسماعيل بن عياش بهذا النص ؛ وقال ابن كثير في التفسير : وهذا إسناد جيد ] .

وقال ابن جرير كذلك : حدثني يعقوب ، حدثنا ابن علية ، عن ابن جريج ، عن عبدالله بن أبي مليكة . قال : غدوت على ابن عباس - رضي الله عنهما - ذات يوم ، فقال : ما نمت الليلة حتى أصبحت . قلت : لم ? قال : قالوا طلع الكوكب ذو الذنب ، فخشيت أن يكون الدخان قد طرق ، فما نمت حتى أصبحت . . وهكذا رواه ابن أبي حاتم عن أبيه ، عن ابن عمر ، عن سفيان ، عن عبد الله بن أبي يزيد ، عن عبد الله ابن أبي مليكة ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما فذكره .

قال ابن كثير في التفسير : " وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس - رضي الله عنهما - حبر الأمة وترجمان القرآن . وهكذا قول من وافقه من الصحابة والتابعين - رضي الله عنهم أجمعين - مع الأحاديث المرفوعة من الصحاح والحسان وغيرهما التي أوردوها ، مما فيه مقتنع ودلالة ظاهرة على أن الدخان من الآيات المنتظرة ، مع أنه ظاهر القرآن . قال الله تبارك وتعالى : ( فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين ) . . أي بيّن واضح يراه كل أحد . وعلى ما فسر به ابن مسعود - رضي الله عنه - إنما هو خيال رأوه في أعينهم من شدة الجوع والجهد .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{فَٱرۡتَقِبۡ يَوۡمَ تَأۡتِي ٱلسَّمَآءُ بِدُخَانٖ مُّبِينٖ} (10)

فارتقب : فانتظر .

الدخان : الدخان المعروف الناشئ عن النار .

انتظِر أيها الرسولُ يومَ القيامة حين تأتي السماءُ بدخانٍ واضحٍ

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَٱرۡتَقِبۡ يَوۡمَ تَأۡتِي ٱلسَّمَآءُ بِدُخَانٖ مُّبِينٖ} (10)

{ فَارْتَقِبْ } أي : انتظر فيهم العذاب فإنه قد قرب وآن أوانه ، { يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{فَٱرۡتَقِبۡ يَوۡمَ تَأۡتِي ٱلسَّمَآءُ بِدُخَانٖ مُّبِينٖ} (10)

قوله تعالى : " فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين " ارتقب معناه انتظر يا محمد بهؤلاء الكفار يوم تأتي السماء بدخان مبين . قاله قتادة . وقيل : معناه احفظ قولهم هذا لتشهد عليهم يوم تأتى السماء بدخان مبين ؛ ولذلك سمي الحافظ رقيبا . وفي الدخان أقوال ثلاثة : الأول : أنه من أشراط الساعة لم يجيء بعد ، وأنه يمكث في الأرض أربعين يوما يملأ ما بين السماء والأرض ، فأما المؤمن فيصيبه مثل الزكام ، وأما الكافر والفاجر فيدخل في أنوفهم فيثقب مسامعهم ، ويضيق أنفاسهم ، وهو من آثار جهنم يوم القيامة . وممن قال إن الدخان لم يأت بعد : علي وابن عباس وابن عمرو وأبو هريرة وزيد بن علي والحسن وابن أبي مليكة وغيرهم . وروى أبو سعيد الخدري مرفوعا أنه دخان يهيج بالناس يوم القيامة ، يأخذ المؤمن منه كالزكمة . وينفخ الكافر حتى يخرج من كل مسمع منه . ذكره الماوردي . وفي صحيح مسلم عن أبي الطفيل عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال : أطلع النبي صلى الله عليه وسلم علينا ونحن نتذاكر فقال : ( ما تذكرون ) ؟ قالوا : نذكر الساعة . قال : ( إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات - فذكر - الدخان والدجال والدابة وطلوع الشمس من مغربها ونزول عيسى ابن مريم وخروج يأجوج ومأجوج وثلاثة خسوف خسف بالمشرق وخسف بجزيرة العرب وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم ) . في رواية عن حذيفة ( إن الساعة لا تكون حتى تكون عشر آيات : خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف في جزيرة العرب والدخان والدجال ودابة الأرض ويأجوج ومأجوج وطلوع الشمس من مغربها ونار تخرج من قعر عدن ترحل الناس ) . وخرجه الثعلبي أيضا عن حذيفة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أول الآيات خروجا الدجال ونزول عيسى ابن مريم ونار تخرج من قعر عدن أبين تسوق الناس إلى المحشر تبيت معهم حيث باتوا وتقيل معهم إذا قالوا وتصبح معهم إذا أصبحوا وتمسي معهم إذا أمسوا ) . قلت : يا نبي الله ، وما الدخان ؟ قال هذه الآية : " ارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين " يملأ ما بين المشرق والمغرب يمكث أربعين يوما وليلة أما المؤمن فيصيبه منه شبه الزكام والكافر فيكون بمنزلة السكران يخرج الدخان من فمه ومنخره وعينيه وأذنه ودبره ) . فهذا قول . القول الثاني : أن الدخان هو ما أصاب قريشا من الجوع بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم . حتى كان الرجل يرى بين السماء والأرض دخانا . قاله ابن مسعود . قال وقد كشفه الله عنهم ، ولو كان يوم القيامة لم يكشفه عنهم . والحديث عنه بهذا في صحيح البخاري ومسلم والترمذي . قال البخاري : حدثني يحيى قال حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مسلم عن مسروق قال : قال عبد الله : إنما كان هذا لأن قريشا لما استعصت على النبي صلى الله عليه وسلم دعا عليهم بسنين كسني يوسف ، فأصابهم قحط وجهد حتى أكلوا العظام ، فجعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى ما بينه وبينها كهيئة الدخان من الجهد ، فأنزل الله تعالى : " فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين . يغشى الناس هذا عذاب أليم " . قال : فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل : يا رسول الله ، استسق الله لمضر فإنها قد هلكت . قال : ( لمضر ! إنك لجريء ) فاستسقى فسقوا ، فنزلت " إنكم عائدون " [ الدخان : 15 ] . فلما أصابتهم الرفاهية عادوا إلى حالهم حين أصابتهم الرفاهية ، فأنزل الله عز وجل : " يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون " قال : يعني يوم بدر . قال أبو عبيدة : والدخان الجدب . القتبي : سمي دخانا ليبس الأرض منه حين يرتفع منها كالدخان . القول الثالث : إنه يوم . فتح مكة لما حجبت السماء الغبرة . قاله عبد الرحمن الأعرج .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{فَٱرۡتَقِبۡ يَوۡمَ تَأۡتِي ٱلسَّمَآءُ بِدُخَانٖ مُّبِينٖ} (10)

ولما كان هذا موضع أن يقول الرسول صلى الله عليه وسلم المفهوم من{[57327]} السياق : فماذا صنع فيهم بعد هذا البيان{[57328]} ، الذي لم يدع لبساً لإنسان{[57329]} ؟ سبب عن ذلك قوله تسلية له وتهديداً لهم : { فارتقب } أي انتظر{[57330]} بكل جهد عالياً عليهم ناظراً لأحوالهم نظر من هو حارس لها ، متحفظاً من مثلها بهمة كهمة الأسد الأرقب ، والفعل متعد ولكنه قصر تهويلاً لذهاب الوهم في مفعوله كل مذهب ، ولعل المراد في الأصل ما يحصل من أسباب نصرك وموجبات خذلانهم { يوم تأتي السماء } أي فيما يخيل للعين لما يغشي البصر من شدة الجهد بالجوع إن كان المراد ما حصل [ لهم-{[57331]} ] من المجاعة الناشئة عن القحط الذي سببه قوله صلى الله عليه وسلم " اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف " وروي في الصحيح{[57332]} أن الرجل منهم كان يرى ما بين السماء والأرض كهيئة الدخان ، وفي الواقع{[57333]} أن المراد عند قرب الساعة وعقب قيامها ، فإنه ورد أنه يأتي إذ ذاك فيغشي الناس ويحصل للمؤمن منه كهيئة الزكام ، ويجوز أن [ يكون-{[57334]} ] المراد أعم{[57335]} من ذلك كله وأوله{[57336]} وقت القحط [ وكان آية على ما بعده ، أو منه ما يأتي عند خروج الدخان من القحط-{[57337]} ] الذي يحصل قبله{[57338]} أو غيره كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن صياد : " إني قد خبأت لك خبأ{[57339]} فما هو ؟ " قال{[57340]} : الدخ ، ففسر بالدخان ، فلذلك قال تعالى : { بدخان مبين } أي واضح{[57341]} لا لبس{[57342]} فيه عند رائيه{[57343]} ومبين{[57344]} لما سواه من الآيات للفطن


[57327]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[57328]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[57329]:من مد، وفي الأصل و ظ: لا لشان
[57330]:من ظ ومد، وفي الأصل: انظر.
[57331]:زيد من مد.
[57332]:راجع 2/714.
[57333]:من مد، وفي الأصل و ظ: المراقع.
[57334]:زيد من مد.
[57335]:من مد، وفي الأصل و ظ: أعلم
[57336]:من ظ ومد، وفي الأصل: أدله.
[57337]:زيد من ظ و مد.
[57338]:من مد، وفي الأصل و ظ: قوله
[57339]:من مد، وفي الأصل و ظ: قال فما هو.
[57340]:من مد، وفي الأصل و ظ: قال فما هو.
[57341]:من مد، وفي الأصل و ظ: ليس.
[57342]:من مد، وفي الأصل و ظ: ليس.
[57343]:من مد، وفي الأصل و ظ: رايه.
[57344]:من ظ ومد، وفي الأصل: يبين.