هذه ضفة العذاب الأليم . والآن إلى ضفة النعيم والتكريم :
( ولمن خاف مقام ربه جنتان ) . .
وللمرة الأولى - فيما مر بنا من سور القرآن - تذكر الجنتان . والأظهر أنهما ضمن الجنة الكبيرة المعروفة ! ولكن اختصاصهما هنا بالذكر قد يكون لمرتبتهما . وسيأتي في سورة الواقعة أن أصحاب الجنة فريقان كبيران : هما السابقون المقربون . وأصحاب اليمين . ولكل منهما نعيم . فهنا كذلك نلمح أن هاتين الجنتين هما لفريق ذي مرتبة عالية . وقد يكون فريق السابقين المقربين المذكورين في سورة الواقعة . ثم نرى جنتين أخريين من دون هاتين . ونلمح أنهما لفريق يلي ذلك الفريق . وقد يكون هو فريق أصحاب اليمين .
بعد أن بيّن مقام المجرمين ، وما يشاهدونه من أهوال ، وما ينالهم من عذاب ، وذكَر أن مقامهم النار وبئس القرار ، ذكر هنا مقام المؤمنين الذين يخافون ربهم ، ويطيعونه فيما أمرهم ، وفصّل تفصيلا جميلاً في ذلك النعيم الرباني ، جزاءً من العليّ الكريم .
ولمن خافَ مقام ربه ، وأطاعه وأخلص في إيمانه وعبادته جنتان . ومعنى هذا أن في الجنة مقاماتٍ ومنازلَ للمؤمنين حسب ما قدّموه من أعمال صالحة ، لأنه سيأتي أيضا قوله تعالى : { وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ } فهناك أيضا جنّتان أُخريان .
{ ولمن خاف مقام ربه جنتان } : { مقام ربه } القيام بين يديه للحساب ومنه { يوم يقوم الناس لرب العالمين } [ المطففين : 6 ] ، وقيل : قيام الله بأعماله ، ومنه { أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت } [ الرعد : 33 ] ، وقيل : معناه : لمن خاف ربه وأقحم المقام ، كقولك خفت جانب فلان واختلف هل الجنتان لكل خائف على انفراده ، أو للصنف الخائف وذلك مبني على قوله : { لمن خاف مقام ربه } هل يراد به واحد أو جماعة ، وقال الزمخشري : إنما قال جنتان لأنه خاطب الثقلين فكأنه قال : جنة للإنس وجنة للجن .
{[61974]}ولما كان{[61975]} قد عرف ما للمجرم المجترئ على العظائم ، وقدمه لما اقتضاه مقام التكبر من الترهيب وجعله سبعاً إشارة إلى أبواب النار السبعة ، عطف عليه ما للخائف الذي أداه خوفه إلى الطاعة وجعله ثمانية{[61976]} على عدد{[61977]} أبواب الجنة الثمانية فقال : { ولمن } أي{[61978]} ولكل من{[61979]} ، ووحد الضمير مراعاة للفظ { من } إشارة إلى قلة الخائفين { خاف } أي من الثقلين .
ولما كان ذكر الخوف من الزمان المضروب للحساب والتدبير والمكان المعد لهما أبلغ من ذكر الخوف من الملك المحاسب{[61980]} المدبر ، والخوف مع ذكر وصف الإكرام أبلغ من ذكر الخوف عند ذكر أوصاف الجلال ، قال دالاًّ بذلك على أن المذكور رأس الخائفين{[61981]} : { مقام ربه } أي مكان قيامه الذي يقيمه وغيره فيه المحسن إليه للحكم {[61982]}وزمانه الذي ضربه{[61983]} له وقيامه عليه وعلى غيره{[61984]} بالتدبير ، فهو رقيب عليه وعليهم ، فكيف إذا ذكر مقام المنتقم الجبار المتكبر فترك لهذا ما يغضبه وفعل ما يرضيه { جنَّتان } عن يمين وشمال ، واحدة للعلم والعقل وأخرى للعمل ، ويمكن أن يراد بالتثنية المبالغة إفهاماً لأنها جنان متكررة ومتكثرة مثل
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.