فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَلِمَنۡ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِۦ جَنَّتَانِ} (46)

لما فرغ سبحانه من تعداد النعم الدنيوية على الثقلين ذكر نعمه الأخروية التي أنعم بها عليهم ، فقال : { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ جَنَّتَانِ } مقامه سبحانه هو الموقف الذي يقف فيه العباد للحساب ، كما في قوله : { يَوْمَ يَقُومُ الناس لِرَبّ العالمين } [ المطففين : 6 ] فالمقام مصدر بمعنى القيام ، وقيل : المعنى خاف قيام ربه عليه ، وهو إشرافه على أحواله واطلاعه على أفعاله وأقواله ، كما في قوله : { أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ على كُلّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ } [ الرعد : 33 ] قال مجاهد والنخعي : هو الرجل يهمّ بالمعصية فيذكر الله فيدعها من خوفه .

واختلف في «الجنتين » ، فقال مقاتل : يعني : جنة عدن وجنة النعيم ، وقيل : إحداهما التي خلقت له والأخرى ورثها . وقيل : إحداهما منزله والأخرى منزل أزواجه . وقيل : إحداهما أسافل القصور والأخرى أعاليها . وقيل : جنة للخائف الإنسي ، وجنة للخائف الجنيّ . وقيل : جنة لفعل الطاعة وأخرى لترك المعصية ، وقيل : جنة للعقيدة التي يعتقدها ، وأخرى للعمل الذي يعمله ، وقيل : جنة بالعمل وجنة بالتفضل ، وقيل : جنة روحانية وجنة جسمانية ، وقيل : جنة لخوفه من ربه وجنة لتركه شهوته ، وقال الفرّاء : إنما هي جنة واحدة ، والتثنية لأجل موافقة رؤوس الآي . قال النحاس : وهذا القول من أعظم الغلط على كتاب الله ، فإن الله يقول : { جَنَّتَانِ } ويصفهما بقوله : { فيهما } الخ .

/خ78