تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَلِمَنۡ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِۦ جَنَّتَانِ} (46)

الآيتان 46 و 47 وقوله تعالى : { ولمن خاف مقام ربه جنتان } [ { فبأي آلاء ربكما تكذبان } ]{[20331]} ذكر الخوف من المقام بين يدي ربه ، ولم يبين خوفه ما هو{[20332]} ؟ ولا أنه إذا خافه تركه ، أولا .

فجائز أن يكون ما ذكر من الخوف من المقام بين يدي [ ربه ]{[20333]} ما بين في آية أخرى ، وهو قوله تعالى { وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى } [ { فإن الجنة هي المأوى } ]{[20334]} [ النازعات : 40 و 41 ] [ وهو ]{[20335]} يحتمل و جهين :

أحدهما : منع النفس عما تهواه .

والثاني : منع النفس عن أن تهوى ما نهيت عنه ، والله أعلم .

وجائز أن يكون في هذه الآية بيان ما ذكر في تلك الآية من الخوف من المقام بين يدي ربه ، أي خاف مقام ربه ، وترك ما هم من المعصية ، أو ما هوت نفسه .

ثم لسنا نعرف ما فائدة ذكر الجنتين له ؟ ليس ذلك في ثلاث أو أربع .

قال أهل التأويل : إنما ذكر جنتين لأن الجنات أربع :

جنة عدن ، وفردوس ، وجنة المأوى ، وجنة النعيم للمقربين والشهداء والصديقين .

فالجنتان الأخريان لمن دونهم من المؤمنين الذين هم أصحاب{[20336]} اليمين .

وجائز أن يخرج على وجهين :

أحدهما : أن يكون بصره إذا نظر يمينا وشمالا لا يقع إلا على جنته ، لا يقع على جنة غيره ، وكذلك إذا نظر من الأعلى أو من الأسفل لا يقع إلا على ملكه وجنته ، والله أعلم .

والثاني : أن تكون له جنتان : إحدى الجنتين لترك المساوئ ، والأخرى لإتيان المحاسن .

وذكر القتبي عن الفراء في قوله : { ولمن خاف مقام ربه جنتان } قال : قد يسمي العرب الشيء الواحد باسم الاثنين إذا كان [ في رأس الكلام أو مقاطعه ]{[20337]} لتحقيق الموافقة في المقاطع .

فعلى ذلك جائز أن يكون ذكر { جنتان } لموافقة مقاطع الآية ، والمراد منه جنة واحدة .

لكن القتبي أنكر عليه ذلك ، وقال{[20338]} : إنما يقال ذلك إذا انقطع الكلام . فأما إذا كان الكلام غير منقطع فإنه لا يقال ذلك ، والله أعلم .

ثم سمى البعث مقاما بين يدي ربه . وسماه رجوعا إليه وبروزا . فهو على وجهين :

أحدهما : أنه سماه بما ذكر لأن البعث هو نهاية هذا العالم .

والثاني : أنه سماه بذلك لأن كل أحد يظهر في ذلك اليوم ، لأن الأمر لله تعالى ، ولأن التدبير له في الدنيا والآخرة ، ولأنه{[20339]} لا تدبير لأحد سواه كقوله عز وجل : { لمن الملك اليوم لله الواحد القهار } [ غافر : 16 ] .

ثم جائز أن يكون ما ذكر من الجنتين للسابقين والشهداء ما ذكره بعض أهل التأويل ، وما ذكر من قوله : { ومن دونهما جنتان } [ الآية : 62 ] لأصحاب اليمين .


[20331]:ساقطة من الأصل و م.
[20332]:في الأصل و م ذا.
[20333]:من م، ساقطة من الأصل.
[20334]:ساقطة من الأصل و م.
[20335]:ساقطة من الأصل و م.
[20336]:في الأصل و م: لأصحاب.
[20337]:في الأصل و م: رؤوس الآية ومقاطعها.
[20338]:في الأصل و م: وذلك.
[20339]:في الأصل و م: و لأن.