الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{وَلِمَنۡ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِۦ جَنَّتَانِ} (46)

{ مَقَامَ رَبّهِ } موقفه الذي يقف فيه العباد للحساب يوم القيامة { يَوْمَ يَقُومُ الناس لِرَبّ العالمين } [ المطففين : 6 ] ونحوه : { لِمَنْ خَافَ مَقَامِى } [ إبراهيم : 14 ] ويجوز أن يراد بمقام ربه : أن الله قائم عليه ؛ أي : حافظ مهيمن من قوله تعالى : { أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ على كُلّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ } [ الرعد : 33 ] فهو يراقب ذلك فلا يجسر على معصيته . وقيل : هو مقحم كما تقول : أخاف جانب فلان ، وفعلت هذا لمكانك . وأنشد :

ذَعَرْتُ بِهِ الْقَطَا وَنَفَيْتُ عَنْهُ *** مَقَامَ الذئْبِ كَالرَّجُلِ اللَّعِينِ

يريد : ونفيت عنه الذئب .

فإن قلت : لم قال : { جَنَّتَانِ } ؟ قلت : الخطاب للثقلين ؛ فكأنه قيل : لكل خائفين منكما جنتان : جنة للخائف الإنسي ، وجنة للخائف الجني . ويجوز أن يقال : جنة لفعل الطاعات ، وجنة لترك المعاصي ؛ لأن التكليف دائر عليهما وأن يقال : جنة يثاب بها ، وأخرى تضم إليها على وجه التفضل ، كقوله تعالى : { لّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الحسنى وَزِيَادَةٌ } [ يونس : 26 ] خص الأفنان بالذكر : وهي الغصنة التي تتشعب من فروع الشجرة : لأنها هي التي تورق وتثمر ، فمنها تمتد الظلال ، ومنها تجتنى الثمار . وقيل : الأفنان ألوان النعم ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين . قال :

وَمِنْ كُلِّ أَفْنَانِ اللَّذَاذَةِ وَالصَّبَا *** لَهَوْتُ لَهَوْتُ بِهِ وَالْعَيْشُ أَخْضَرُ نَاضِرُ