في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦٓ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلصِّدِّيقُونَۖ وَٱلشُّهَدَآءُ عِندَ رَبِّهِمۡ لَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ وَنُورُهُمۡۖ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَآ أُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلۡجَحِيمِ} (19)

16

ومقام الصديقين مقام رفيع كما تصوره الأحاديث النبوية الشريفة . ومع علو هذا المقام فهو بفضل الله ميسور لمن أراد ، وليس وقفا على أفراد ولا على طائفة . فكل من يحقق إيمانه بالله ورسله يطمع في هذا المقام الرفيع ، ولا حجر على فضل الله :

( والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون ) . .

وتلك خاصية هذا الدين وميزته . إنه طريق مفتوح لجميع البشر ، وأفق يتطلع إليه الجميع ، ليس فيه احتكار للمقامات ، وليس فيه خصوصيات محجوزة لأناس بأعيانهم . وليس إلا العمل يصعد بصاحبه إلى أرقى الدرجات . إنه دين لا مجال فيه للطبقات المحفوظة المقام !

روى الإمام مالك في كتابه " الموطأ " عن صفوان بن سليم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد الخدري ، أن رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] قال : " إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم كما تتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب ، لتفاضل ما بينهم " . . قالوا : يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم . قال : " بلى والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين " . .

فهذه لمسة الإيمان . فأما لمسة الفداء فقوله بعد ذلك :

( والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم ) . .

والحديث عن مقام الشهداء ورد مرات في القرآن ، وتواترت به الأحاديث النبوية . فهذا الدين لا يقوم بغير حراسة ؛ ولا يتحقق في الأرض بغير جهاد . جهاد لتأمين العقيدة وتأمين الدعوة وحماية أهله من الفتنة وشريعته من الفساد . ومن ثم كان للشهداء في سبيل الله - وهم وحدهم الذين يسمون الشهداء - مقامهم ، وكان لهم قربهم من ربهم . القرب الذي يعبر عنه بأنهم ( عند ربهم ) . .

جاء في الصحيحين : " أن أرواح الشهداء في حواصل طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت ، ثم تأوي إلى تلك القناديل . فاطلع عليهم ربهم اطلاعة ، فقال : ماذا تريدون ! فقالوا : نحب أن تردنا إلى الدار الدنيا فنقاتل فيك فنقتل كما قتلنا أول مرة . فقال : إني قد قضيت أنهم إليها لا يرجعون " .

وأخرج الشيخان وغيرهما عن أنس رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : " ما أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا وله ما على الأرض من شيء - إلا الشهيد - يتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيقتل عشر مرات ، لما يرى من الكرامة " . .

وكذلك كانت تهون الحياة على من يسمع هذه الموحيات ، ويعرف مقام الشهادة عند الله . . روى الإمام مالك . . . عن يحيى بن سعيد " أن رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] رغب في الجهاد وذكر الجنة ، ورجل من الأنصار يأكل تمرات في يده . فقال : إني لحريص على الدنيا إن جلست حتى أفرغ منهن ! فرمى ما في يده وحمل بسيفه حتى قتل " . . وقد روي أن هذا كان هو عبير بن الحمام عليه رضوان الله .

وبينما الصديقون في ذلك المقام والشهداء في هذا المقام يقول النص القرآني عن الكافرين المكذبين :

( والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم ) . .

فمن ذا الذي يترك الكرامة والنعيم ، ويختار أن يكون من أصحاب الجحيم ? !

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦٓ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلصِّدِّيقُونَۖ وَٱلشُّهَدَآءُ عِندَ رَبِّهِمۡ لَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ وَنُورُهُمۡۖ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَآ أُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلۡجَحِيمِ} (19)

الصدّيق : المداوم على الصدق .

الشهداء : من قُتلوا في سبيل الله .

والعاملون أقسامٌ عند الله ، فمنهم النبيّون والصدّيقون والشهداءُ والصالحون . فالذين آمنوا بالله ورسُلِه ولم يفرقوا بين أحدٍ منهم ، أولئك هم الصدّيقون والشهداءُ ، لهم أجرُهم العظيم ، ونورٌ يهديهم يومَ القيامة ، لا خوفٌ عليهم ولا هم يَحزنون .

وبالمقابلِ يقفُ الذين كفروا وكذَّبوا بآيات الله ، أولئك هم أصحابُ النار خالدين فيها .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦٓ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلصِّدِّيقُونَۖ وَٱلشُّهَدَآءُ عِندَ رَبِّهِمۡ لَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ وَنُورُهُمۡۖ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَآ أُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلۡجَحِيمِ} (19)

{ والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون } المبالغون في الصدق { والشهداء عند ربهم } أي الأنبياء عليهم السلام { لهم أجرهم ونورهم } في ظلمة القبر وقيل هم جميع المؤمنين

 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦٓ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلصِّدِّيقُونَۖ وَٱلشُّهَدَآءُ عِندَ رَبِّهِمۡ لَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ وَنُورُهُمۡۖ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَآ أُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلۡجَحِيمِ} (19)

{ الصديقون } مبالغة من الصدق أو من التصديق ، وكونه من الصدق أرجح لأن صيغة فعيل لا تبنى إلا من فعل ثلاثي في الأكثر ، وقد حكي بناؤها من رباعي كقولهم : رجل مسيك من أمسك . { والشهداء عند ربهم } يحتمل أن يكون الشهداء مبتدأ وخبره ما بعده ، أو يكون معطوفا على الصديقين ، فإن كان مبتدأ ففي المعنى قولان :

أحدهما : أنه جمع شهيد في سبيل الله فأخبر أنهم عند ربهم لهم أجرهم ونورهم .

والآخر : أنه جمع شاهد ، ويراد به الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لأنهم يشهدون على قومهم ، وإن كان معطوفا ففي المعنى قولان :

أحدهما : أنه جمع شهيد فوصف الله المؤمنين بأنهم صديقون وشهداء أي : جمعوا الوصفين ، وروي في هذا المعنى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " مؤمنو أمتي شهداء " وتلا هذه الآية .

والآخر : أنه جمع شاهد لأن المؤمنين يشهدون على الناس كقوله : { لتكونوا شهداء على الناس } [ البقرة : 143 ] .

{ لهم أجرهم ونورهم } هذا خبر عن الشهداء خاصة إن كان مبتدأ أو خبر عن المؤمنين إن كان الشهداء معطوفا ، ونورهم هو النور الذي يكون لهم يوم القيامة حسبما ذكر في هذه السورة ، وقيل : هو عبارة عن الهدى والإيمان .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦٓ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلصِّدِّيقُونَۖ وَٱلشُّهَدَآءُ عِندَ رَبِّهِمۡ لَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ وَنُورُهُمۡۖ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَآ أُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلۡجَحِيمِ} (19)

ولما بين سبحانه وتعالى أن الصدقة كالبذر الذي هو من أحسن الأرباح وأبهجها ، بين الحامل عليها ترغيباً فيها ، فقال عاطفاً بالواو ، إشارة إلى التمكن في جميع هذه الصفات : { والذين آمنوا } اي أوجدوا هذه الحقيقة العظيمة في أنفسهم { بالله } أي الملك الأعلى الذي له الجلال والإكرام { ورسله } اي كلهم لما{[62517]} لهم من النسبة إليه ، فمن كذب بشيء على أحد منهم أوعمل عمل المكذب له لم يكن مؤمناً به { أولئك } أي الذين لهم الرتب العالية والمقامات السامية { هم } أي خاصة {[62518]}لا غيرهم{[62519]} { الصديقون } أي الذين هم في غاية الصدق والتصديق لما يحق له أن يصدقه من سمعه ، وقال القشيري : الصديق من استوى ظاهره وباطنه ، ويقال : هو الذي يحمل الأمر على الأشق ولا ينزل{[62520]} إلى الرخص ، ولا يحتاج للتأويلات ، ولما كان الصديق لا يكون عريقاً في الصديقية إلا بالتأهيل لرتبة الشهادة قال تعالى : { والشهداء } معبراً بما مفرده شهيد عاطفاً بالواو إشارة إلى قوة التمكن في كل من الوصفين ، قال القشيري{[62521]} : هم الذين يشهدون بقلوبهم بواطن الوصلة ويعتكفون بأسرارهم في أوطان القربة ، وزاد المر عظماً بقوله : { عند ربهم } أي الذي أحسن إليهم بالقربة بمثل تلك الرتبة{[62522]} العالية من الشهادة لله بكل ما أرسل به رسله ، والأنبياء الماضين على أممهم والحضور في جميع الملاذ بالشهادة في سبيل الله ، قال مجاهد{[62523]} : كل مؤمن صديق وشهيد - وتلا هذه الآية { لهم } أي جميع من مضى من الموصوفين{[62524]} بالخير{[62525]} { أجرهم } أي الذي جعله ربهم لهم{[62526]} { ونورهم } أي{[62527]} الذي زادهموه من فضله برحمته ، أولئك أصحاب النعيم المقيم .

ولما ذكر أهل السعادة جامعاً لأصنافهم ، أتبعهم أهل الشقاوة لذلك قال : { والذين كفروا } أي ستروا ما دلت عليه أنوار عقولهم ومرائي فكرهم { وكذبوا بآياتنا } على ما لها من العظمة بنسبتها إلينا سواء كانوا في ذلك مساترين أو مجاهرين أو عمل العالم بها عمل المكذب { أولئك } أي المبعدون {[62528]}من الخير{[62529]} خاصة{[62530]} { أصحاب الجحيم * } أي النار التي هي {[62531]}غاية في{[62532]} توقدها ، خالدون فيها من بين العصاة ، وأما غيرهم فدخولهم لها{[62533]} إذا دخلوها ليس على وجه{[62534]} الصحبة الدالة على الملازمة ، وأولئك هم الكاذبون الذين لا تقبل {[62535]}لهم شهادة{[62536]} عند ربهم ، لهم عقابهم وعليهم{[62537]} ظلامهم ، والآية من الاحتباك : ذكر الصديقية{[62538]} وما معها أولاً{[62539]} دليلاً على أضدادها ثانياً ، و{[62540]}الجحيم ثانياً دليلاً على النعيم أولاً ، وسره أن الأول أعظم في الكرامة ، والثاني أعظم في الإهانة .


[62517]:- في ظ: لأجل ما.
[62518]:- سقط ما بين الرقمين من ظ.
[62519]:- سقط ما بين الرقمين من ظ.
[62520]:- من ظ، وفي الأصل: لا يتزلزل.
[62521]:- زيد من ظ.
[62522]:-زيد من ظ.
[62523]:- راجع البحر المحيط 8/223.
[62524]:- من ظ، وفي الأصل: الموضعين.
[62525]:- زيد من ظ.
[62526]:-زيد من ظ.
[62527]:-زيد من ظ.
[62528]:- سقط ما بين الرقمين من ظ.
[62529]:- سقط ما بين الرقمين من ظ.
[62530]:- زيد من ظ.
[62531]:- من ظ، وفي الأصل: في غاية.
[62532]:- من ظ، وفي الأصل: في غاية.
[62533]:- زيد من ظ.
[62534]:-زيد من ظ.
[62535]:- من ظ، وفي الأصل: شهادتهم.
[62536]:- من ظ، وفي الأصل: شهادتهم.
[62537]:- زيد من ظ.
[62538]:- من ظ، وفي الأصل: أولا ومعها.
[62539]:- من ظ، وفي الأصل: أولا ومعها.
[62540]:- زيد في الأصل: أهل، ولم تكن الزيادة في ظ فحذفناها.