والحسد انفعال نفسي إزاء نعمة الله على بعض عباده مع تمني زوالها . وسواء أتبع الحاسد هذا الانفعال بسعي منه لإزالة النعمة تحت تأثير الحقد والغيظ ، أو وقف عند حد الانفعال النفسي ، فإن شرا يمكن أن يعقب هذا الانفعال .
ونحن مضطرون أن نطامن من حدة النفي لما لا نعرف من أسرار هذا الوجود ، وأسرار النفس البشرية ، وأسرار هذا الجهاز الإنساني . فهنالك وقائع كثيرة تصدر عن هذه الأسرار ، ولا نملك لها حتى اليوم تعليلا . . هنالك مثلا ذلك التخاطر على البعد . وفيه تتم اتصالات بين أشخاص متباعدين . اتصالات لا سبيل إلى الشك في وقوعها بعد تواتر الأخبار بها وقيام التجارب الكثيرة المثبتة لها . ولا سبيل كذلك لتعليلها بما بين أيدينا من معلومات . وكذلك التنويم المغناطيسي . وقد أصبح الآن موضعا للتجربة المتكررة المثبتة . وهو مجهول السر والكيفية . . وغير التخاطر والتنويم كثير من أسرار الوجود وأسرار النفس وأسرار هذا الجهاز الإنساني . . .
فإذا حسد الحاسد ، ووجه انفعالا نفسيا معينا إلى المحسود فلا سبيل لنفي أثر هذا التوجيه لمجرد أن ما لدينا من العلم وأدوات الاختبار ، لا تصل إلى سر هذا الأثر وكيفيته . فنحن لا ندري إلا القليل في هذا الميدان . وهذا القليل يكشف لنا عنه مصادفة في الغالب ، ثم يستقر كحقيقة واقعة بعد ذلك !
فهنا شر يستعاذ منه بالله ، ويستجار منه بحماه
والله برحمته وفضله هو الذي يوجه رسوله - صلى الله عليه وسلم - وأمته من ورائه إلى الاستعاذة به من هذه الشرور . ومن المقطوع به أنهم متى استعاذوا به - وفق توجيهه - أعاذهم . وحماهم من هذه الشرور إجمالا وتفصيلا .
وقد روى البخاري - بإسناده - عن عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا آوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه ، ثم نفث فيهما ، وقرأ فيهما ، " قل هو الله أحد " . . و " قل : أعوذ برب الفلق " . . و " قل : أعوذ برب الناس " . . ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده ، يبدأ بهما على رأسه ووجهه ، وما أقبل من جسده ، يفعل ذلك ثلاث مرات . . وهكذا رواه أصحاب السنن . . .
الحاسد : الذي يتمنى زوالَ النعمة عن الغير .
ونعوذُ بالله تعالى من شرِّ الحاسدِ الذي يتمنَّى زوالَ النعمة عن غيره ، والحسدُ خلُق مذموم . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الحسدُ يأكل الحسناتِ كما تأكل النارُ الحطب " .
والحسد أول معصية عُصِيَ اللهُ بها في السماء وفي الأرض ، فَحَسَدَ إبليسُ آدمَ ، وحسد قابيلُ أخاه هابيل فقتَله .
والحاسد يضرّ نفسَه ثلاث مضرّات :
إحداها اكتسابُ الذنوب ؛ لأن الحسدَ حرام .
الثانية : سوءُ الأدبِ مع الله تعالى ، فإن حقيقةَ الحسد كراهيةُ إِنعام الله على عبده ، واعتراضٌ على الله .
الثالثة : تألُّم قلبِ الحاسِد من كثرةِ همِّه وغمِّه .
كلُّ العداوة قد تُرجَى إزالتها*** إلا عداوةُ من عاداكَ من حسَد
وخلاصة معنى السورة الكريمة : أن الله تعالى طلبَ من الرسول الكريم أن يلجأَ إلى ربّه ، ويعتصمَ به من شرِّ كل مؤذٍ من مخلوقاته ، ومن شرِّ الليل إذا أظلمَ لما يصيب النفوسَ فيه من الوحشة ، ولما يتعذَّر من دَفع ضرره ، ومن شرِّ المفسِدات الساعيات في حَلِّ ما بينَ الناسِ من روابطَ وصِلات ، ومن شرِّ الحاسدين الذين يتمنّون زوالَ ما أسبغَ الله على عباده من النعم .
الثامنة : قوله تعالى : { ومن شر حاسد إذا حسد } قد تقدم في سورة " النساء " معنى الحسد{[16608]} ، وأنه تمني زوال نعمة المحسود وإن لم يصر للحاسد مثلها . والمنافسة هي تمني مثلها وإن لم تزُل . فالحسد شر مذموم ، والمنافسة مباحة ، وهي الغبطة . وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " المؤمن يغبط ، والمنافق يحسد " . وفي الصحيحين : " لا حسد إلا في اثنتين " يريد لا غبطة ، وقد مضى في سورة " النساء " {[16609]} والحمد لله .
قلت : قال العلماء : الحاسد لايضر إلا إذا ظهر حسده بفعل أو قول ، وذلك بأن يحمله الحسد على إيقاع الشر بالمحسود ، فيتبع مساوئه ، ويطلب عثراته . قال صلى الله عليه وسلم : { إذا حسدت فلا تبغ . . } الحديث ، وقد تقدم .
والحسد أول ذنب عصي الله به في السماء ، وأول ذنب عصي به في الأرض ، فحسد إبليس آدم ، وحسد قابيل هابيل .
والحاسد ممقوت مبغوض مطرود ملعون ، ولقد أحسن من قال :
قل للحسود إذا تَنَفَّسَ طعنةً *** يا ظالما وكأنهُ مظلومُ
التاسعة : هذه سورة دالة على أن الله سبحانه خالق كل شر ، وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يتعوذ من جميع الشرور . فقال : { من شر ما خلق } . وجعل خاتمة ذلك الحسد ، تنبيها على عظمه ، وكثرة ضرره . والحاسد عدو نعمة الله .
قال بعض الحكماء : بارز الحاسد ربه من خمسة أوجه :
أحدها : أنه أبغض كل نعمة ظهرت على غيره .
وثانيها : أنه ساخط لقسمة ربه ، كأنه يقول : لم قسمت هذه القسمة ؟
وثالثها : أنه ضادَّ فعل الله ، أي إن فضل الله يؤتيه من يشاء ، وهو يبخل بفضل الله .
ورابعها : أنه خذل أولياء الله ، أو يريد خذلانهم ، وزوال النعمة عنهم .
وخامسها : أنه أعان عدوه إبليس .
وقيل : الحاسد لا ينال في المجالس إلا ندامة ، ولا ينال عند الملائكة إلا لعنة وبغضاء ، ولا ينال في الخلوة إلا جزعا وغما ، ولا ينال في الآخرة إلا حزنا واحتراقا ، ولا ينال من الله إلا بعدا ومقتا .
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ثلاثة لا يستجاب دعاؤهم : آكل الحرام ، ومكثر الغيبة ، ومن كان في قلبه غل أو حسد للمسلمين " . والله سبحانه وتعالى أعلم .
قوله : { ومن شر حاسد إذا حسد } الحسد معناه تمني زوال النعمة عن المحسود ، وإن لم يصر للحاسد مثلها ، أما تمني مثلها وإن لم تزل فهذه غبطة ، وهي مباحة ، لكن الحسد شر مذموم . فهو أول ذنب عصي الله به في السماء ، وأول ذنب عصي الله به في الأرض . فقد حسد إبليس آدم ، وحسد قابيل أخاه هابيل . لا جرم أن الحسد رذيلة ممقوتة وذميمة ؛ بل إنه من أشد المفاسد شرا وقبحا . وليس الحاسد إلا ممقوتا مبغوضا ، قد حاقت به اللعنة ، ونزل به الخسار . حفظنا الله من شر الحسد والحساد ، ودفع عنا أذاهم وسوء نواياهم{[4885]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.