في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{سَنُرِيهِمۡ ءَايَٰتِنَا فِي ٱلۡأٓفَاقِ وَفِيٓ أَنفُسِهِمۡ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمۡ أَنَّهُ ٱلۡحَقُّۗ أَوَلَمۡ يَكۡفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُۥ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ شَهِيدٌ} (53)

37

ويدعهم بعدئذ يفكرون ويحسبون . ويتجه إلى الكون العريض . يكشف عن بعض ما قدر فيه - وفي ذوات أنفسهم - من مقادير :

سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق . أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد ? ألا إنهم في مرية من لقاء ربهم . ألا إنه بكل شيء محيط . .

إنه الإيقاع الأخير . وإنه لإيقاع كبير . . .

إنه وعد الله لعباده - بني الإنسان - أن يطلعهم على شيء من خفايا هذا الكون ، ومن خفايا أنفسهم على السواء . وعدهم أن يريهم آياته في الآفاق وفي أنفسهم ، حتى يتبين لهم أنه الحق . هذا الدين . وهذا الكتاب . وهذا المنهج . وهذا القول الذي يقوله لهم . ومن اصدق من الله حديثاً ?

ولقد صدقهم الله وعده ؛ فكشف لهم عن آياته في الآفاق في خلال القرون الأربعة عشر التي تلت هذا الوعد ؛ وكشف لهم عن آياته في أنفسهم . وما يزال يكشف لهم في كل يوم عن جديد .

وينظر الإنسان فيرى البشر قد كشفوا كثيرا جدا منذ ذلك الحين . فقد تفتحت لهم الآفاق . وتفتحت لهم مغاليق النفوس بالقدر الذي شاءه الله .

لقد عرفوا أشياء كثيرة . لو أدركوا كيف عرفوها وشكروا لكان لهم فيها خير كثير .

عرفوا منذ ذلك الحين أن أرضهم التي كانوا يظنونها مركز الكون . . إن هي إلا ذرة صغيرة تابعة للشمس . وعرفوا أن الشمس كرة صغيرة منها في الكون مئات الملايين . وعرفوا طبيعة أرضهم وطبيعة شمسهم - وربما طبيعة كونهم ، إن صح ما عرفوه !

وعرفوا الكثير عن مادة هذا الكون الذي يعيشون فيه . إن صح أن هناك مادة . عرفوا أن أساس بناء هذا الكون هو الذرة . وعرفوا أن الذرة تتحول إلى إشعاع . وعرفوا إذن أن الكون كله من إشعاع . . في صور شتى : هي التي تجعل منه هذه الأشكال والأحجام !

وعرفوا الكثير عن كوكبهم الأرضي الصغير . عرفوا أنه كرة أو كالكرة . وعرفوا أنه يدور حول نفسه وحول الشمس . وعرفوا قاراته ومحيطاته وأنهاره . وكشفوا عن شيء من باطنه . وعرفوا الكثير من المخبوء في جوف هذا الكوكب من الأقوات . والمنثور في جوه من هذه الأقوات أيضاً !

وعرفوا وحدة النواميس التي تربط كوكبهم بالكون الكبير ، وتصرف هذا الكون الكبير . ومنهم من اهتدى فارتقى من معرفة النواميس إلى معرفة خالق النواميس . ومنهم من انحرف فوقف عن ظاهر العلم لا يتعداه . ولكن البشرية بعد الضلال والشرود من جراء العلم ، قد أخذت عن طريق العلم تثوب ، وتعرف أنه الحق عن هذا الطريق .

ولم تكن فتوح العلم والمعرفة في أغوار النفس بأقل منها في جسم الكون . فقد عرفوا عن الجسم البشري وتركيبه وخصائصه وأسراره الشيء الكثير . عرفوا عن تكوينه وتركيبه ووظائفه وأمراضه ، وغذائه وتمثيله ، وعرفوا عن أسرار عمله وحركته ، ما يكشف عن خوارق لا يصنعها إلا الله .

وعرفوا عن النفس البشرية شيئاً . . إنه لا يبلغ ما عرفوه عن الجسم . لأن العناية كانت متجهة بشدة إلى مادة هذا الإنسان وآلية جسمه أكثر مما كانت متجهة إلى عقله وروحه . ولكن أشياء قد عرفت تشير إلى فتوح ستجيء . .

وما يزال الإنسان في الطريق !

ووعد الله ما يزال قائماً : ( سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ) . .

والشطر الأخير من الوعد قد بانت طلائعه منذ مطلع هذا القرن بشكل ملحوظ . فموكب الإيمان يتجمع من فجاج شتى . وعن طريق العلم المادي وحده يفد كثيرون ! وهناك أفواج وأفواج تتجمع من بعيد . ذلك على الرغم من موجة الإلحاد الطاغية التي كادت تغمر هذا الكوكب في الماضي . ولكن هذه الموجة تنحسر الآن . تنحسر - على الرغم من جميع الظواهر المخالفة - وقد لا يتم تمام هذا القرن العشرين الذي نحن فيه ، حتى يتم انحسارها أو يكاد إن شاء الله . وحتى يحق وعد الله الذي لا بد أن يكون :

أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد ? . .

وهو الذي أعطى وعده عن علم وعن شهود .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{سَنُرِيهِمۡ ءَايَٰتِنَا فِي ٱلۡأٓفَاقِ وَفِيٓ أَنفُسِهِمۡ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمۡ أَنَّهُ ٱلۡحَقُّۗ أَوَلَمۡ يَكۡفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُۥ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ شَهِيدٌ} (53)

الآفاق : جمع أفق بضم الفاء وإسكانها . والأفق : الناحية ومنتهَى ما تراه العين من الأرض .

سنري هؤلاء المشركين دلائلنا على صِدقك ، وأنّه وعدُ الله لعباده جميعا ، وذلك بأن نطلعهم على شيء من خفايا هذا الكون ومن خفايا أنفسهم على السواء . فقد كشف العلم عن أمور كثيرة عن الأرض وما عليها ، وعن النظام الشمسي وما فيه ، وأن هذه الأرض وما حولها ما هي إلا ذرة صغيرة تابعة للشمس ، التي هي وما حولها ذرة صغيرة تسبح في هذا الكون الفسيح ، وعرف الناس عن الجسم البشري وتركيبه وخصائصه وأسراره الشيء الكثير ، وأن كل هذه المعلومات والاكتشافات ما هي إلا ذرة من علم الله . { وَمَآ أُوتِيتُم مِّن العلم إِلاَّ قَلِيلاً } [ الإسراء : 85 ] .

وكذلك سنري هؤلاء المشركين وقائعنا بالبلاد والفتوحات التي تمت على يدي الرسول الكريم عليه صلوات الله وسلامه ، وعلى يدي خلفائه وأصحابه الكرام { حتى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الحق } وأن كل ما جاء به الرسول الكريم هو الحق .

{ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ على كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ }

كفى بالله شهيدا على أفعال عباده وأقوالهم ، وعلى صدق محمد فيما أخبر به عنه . . ألم تكفِهم هذه الدلائل الكثيرة التي أوضحَها سبحانه في هذه السورة وفي كل القرآن ، وفيها البيان الكافي لإثبات وحدانيته ، وتنزيهه عن كل نقص ! !

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{سَنُرِيهِمۡ ءَايَٰتِنَا فِي ٱلۡأٓفَاقِ وَفِيٓ أَنفُسِهِمۡ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمۡ أَنَّهُ ٱلۡحَقُّۗ أَوَلَمۡ يَكۡفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُۥ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ شَهِيدٌ} (53)

{ سنريهم آياتنا في الآفاق } ما يفتح على محمد ص من القرى { وفي أنفسهم } فتح مكة { حتى يتبين لهم } أن القرآن حق وصدق منزل من عند الله تعالى { أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد } وهو يشهد لمحمد عليه السلام ولكتابه بالصدق

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{سَنُرِيهِمۡ ءَايَٰتِنَا فِي ٱلۡأٓفَاقِ وَفِيٓ أَنفُسِهِمۡ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمۡ أَنَّهُ ٱلۡحَقُّۗ أَوَلَمۡ يَكۡفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُۥ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ شَهِيدٌ} (53)

قوله تعالى : " سنريهم آياتنا " أي علامات وحدانيتنا وقدرتنا " في الآفاق " يعني خراب منازل الأمم الخالية " وفي أنفسهم " بالبلايا والأمراض . وقال ابن زيد : " في الآفاق " آيات السماء " وفي أنفسهم " حوادث الأرض . وقال مجاهد : " في الآفاق " فتح القرى ، فيسر الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم وللخلفاء من بعده وأنصار دينه في آفاق الدنيا وبلاد المشرق والمغرب عموما ، وفي ناحية المغرب خصوصا من الفتوح التي لم يتيسر أمثالها لأحد من خلفاء الأرض قبلهم ، ومن الإظهار على الجبابرة والأكاسرة وتغليب قليلهم على كثيرهم ، وتسليط ضعفائهم على أقويائهم ، وإجرائه على أيديهم أمورا خارجة عن المعهود خارقة للعادات " وفي أنفسهم " فتح مكة . وهذا اختيار الطبري ، وقاله المنهال بن عمرو والسدي . وقال قتادة والضحاك : " في الآفاق " وقائع الله في الأمم " وفي أنفسهم " يوم بدر . وقال عطاء وابن زيد أيضا " في الآفاق " يعني أقطار السموات والأرض من الشمس والقمر والنجوم والليل والنهار والرياح والأمطار والرعد والبرق والصواعق والنبات والأشجار والجبال والبحار وغيرها . وفي الصحاح : الآفاق النواحي ، واحدها أفق وأفق مثل عسر وعسر ، ورجل أفقي بفتح الهمزة والفاء : إذا كان من آفاق الأرض . حكاه أبو نصر . وبعضهم يقول : أفقي بضمها وهو القياس . وأنشد غير الجوهري :

أخَذْنَا بآفاق السماء عليكم *** لنَا قَمَرَاهَا والنُّجُوم الطوالعُ

" وفي أنفسهم " من لطيف الصنعة وبديع الحكمة حتى سبيل الغائط والبول ، فإن الرجل يشرب ويأكل من مكان واحد ويتميز ذلك من مكانين ، وبديع صنعة الله وحكمته في عينيه اللتين هما قطرة ماء ينظر بهما من السماء إلى الأرض مسيرة خمسمائة عام ، وفي أذنيه اللتين يفرق بهما بين الأصوات المختلفة . وغير ذلك من بديع حكمة الله فيه . وقيل : " وفي أنفسهم " من كونهم نطفا إلى غير ذلك من انتقال أحوالهم كما تقدم في " المؤمنون " {[13453]} بيانه . وقيل : المعنى سيرون ما أخبرهم به النبي صلى الله عليه وسلم من الفتن وأخبار الغيب " حتى يتبين لهم أنه الحق " فيه أربعة أوجه :

أحدها : أنه القرآن . الثاني : الإسلام جاءهم به الرسول ودعاهم إليه . الثالث : أن ما يريهم الله ويفعل من ذلك هو الحق . الرابع : أن محمدا صلى الله عليه وسلم هو الرسول الحق . " أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد " " أو لم يكف بربك " في موضع رفع بأنه فاعل " بيكف " و " أنه " بدل من " ربك " فهو رفع إن قدرته بدلا على الموضع ، وجر " إن " قدرته بدلا على اللفظ . ويجوز أن يكون نصبا بتقدير حذف اللام ، والمعنى أو لم يكفهم ربك بما دلهم عليه من توحيده ؛ لأنه " على كل شيء شهيد " وإذا شهده جازى عليه . وقيل : المعنى " أو لم يكف بربك " في معاقبته الكفار . وقيل : المعنى " أو لم يكف بربك " يا محمد أنه شاهد على أعمال الكفار . وقيل : " أو لم يكف بربك " شاهدا على أن القرآن من عند الله . وقيل : " أو لم يكف بربك أنه على كل شيء " مما يفعله العبد " شهيد " والشهيد بمعنى العالم ، أو هو من الشهادة التي هي الحضور


[13453]:راجع ج 12 ص 109 طبعة أولى أو ثانية.
 
تفسير الجلالين للمحلي والسيوطي - تفسير الجلالين [إخفاء]  
{سَنُرِيهِمۡ ءَايَٰتِنَا فِي ٱلۡأٓفَاقِ وَفِيٓ أَنفُسِهِمۡ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمۡ أَنَّهُ ٱلۡحَقُّۗ أَوَلَمۡ يَكۡفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُۥ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ شَهِيدٌ} (53)

{ سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد }

{ سنريهم آياتنا في الآفاق } أقطار السماوات والأرض من النيرات والنبات والأشجار { وفي أنفسهم } من لطيف الصنعة وبديع الحكمة { حتى يتبين لهم أنه } أي القرآن { الحق } المنزل من الله بالبعث والحساب والعقاب ، فيعاقبون على كفرهم به وبالجائي به { أوَ لم يكف بربك } فاعل يكف { أنه على كل شيءٍ شهيد } بدل منه ، أي أوَ لم يكفهم في صدقك أن ربك لا يغيب عنه شيء ما .