وفي الآية الأولى من هذا المقطع إشارة إلى هذا الرجاء الذي لا يغلب عليه اليأس ؛ في معرض التخفيف على نفوس بعض المهاجرين ، وتغذية قلوبهم المتعبة بمشقة المقاطعة والحرب للأهل والعشيرة :
( عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة ) . .
وهذا الرجاء من الله ، معناه القطع بتحققه . والمؤمنون الذين سمعوه لا بد قد أيقنوا به ، ولقد وقع بعد هذا بوقت قصير أن فتحت مكة ، وأن أسلمت قريش ، وأن وقف الجميع تحت لواء واحد ، وأن طويت الثارات والمواجد ، وأن عاد الجميع إخوة مؤتلفي القلوب .
ولما نزلت عادى المسلمون أقرباءهم من المشركين فعلم الله شدة وجد المسلمين في ذلك فنزلت : { عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة } وهذا بأن يسلم الكافر ، وقد أسلم قوم منهم بعد فتح مكة وخالطهم المسلمون ، كأبي سفيان بن حرب ، والحارث بن هشام ، وسهيل بن عمرو ، وحكيم بن حزام . وقيل : المودة تزويج النبي صلى الله عليه وسلم أم حبيبة بنت أبي سفيان ، فلانت عند ذلك عَرِيكَة{[14900]} أبي سفيان ، واسترخت شكيمته في العداوة . قال ابن عباس : كانت المودة بعد الفتح تزويج النبي صلى الله عليه وسلم أم حبيبة بنت أبي سفيان ، وكانت تحت عبدالله بن جحش ، وكانت هي وزوجها من مهاجرة الحبشة ، فأما زوجها فتنصر وسألها أن تتابعه على دينه فأبت وصبرت على دينها ، ومات زوجها على النصرانية . فبعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي فخطبها ، فقال النجاشي لأصحابه : من أولاكم بها ؟ قالوا : خالد بن سعيد بن العاص ، قال فزوجها من نبيكم . ففعل ، وأمهرها النجاشي من عنده أربعمائة دينار . وقيل : خطبها النبي صلى الله عليه وسلم إلى عثمان بن عفان ، فلما زوجه إياها بعث إلى النجاشي فيها ، فساق عنه المهر وبعث بها إليه ، فقال أبو سفيان وهو مشرك لما بلغه تزويج النبي صلى الله عليه وسلم ابنته : ذلك الفحل لا يُقْدَع أنفه . " يقدع " بالدال غير المعجمة ، يقال : هذا فحل لا يُقْدَع أنفه ، أي لا يضرب أنفه ، وذلك إذا كان كريما .
{ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ( 7 ) } .
عسى الله أن يجعل بينكم- أيها المؤمنون- وبين الذين عاديتموهم من أقاربكم من المشركين محبة بعد البغضاء ، وألفة بعد الشحناء بانشراح صدورهم للإسلام ، والله قدير على كل شيء ، والله غفور لعباده ، رحيم بهم .
قوله تعالى : { عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة والله قدير والله غفور رحيم 7 لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبرّوهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين 8 إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولّوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون } .
بعد إعراض المسلمين عن الكافرين وتركهم موادتهم واجتناب مصانعتهم وملاينتهم بين الله لهم أنه عسى أن يجعل بينهم وبين هؤلاء الذين عادوهم من المشركين مودة وألفة ، ففعل الله بهم ذلك ، إذ أسلم كثير من مشركي قريش فصاروا لهم إخوانا وأولياء وأعوانا .
قوله : { والله قدير } الله مقتدر أن يقرب بين المتاعدين فيشد قلوبهم بعضها إلى بعض بعد تنافر وتباغض . إنه سبحانه قادر أن يؤلف بين القلوب بعد ما غشيها من الضغينة والجفوة ما غشيها . وفي الحديث " أحبب حبيبك هونا ما ، فعسى أن يكون بغيضك يوما ما ، وأبغض يغيضك هونا ما ، فعسى أن يكون حبيبك يوما ما " وقال الشاعر :
وقد يجمع الله الشتيتين بعد ما *** يظنان كل الظن أن لا تلاقيا
قوله : { والله غفور رحيم } الله يغفر الذنوب لمن تاب من المشركين فآمن وأناب إلى ربه مؤمنا طائعا مستقيما . وهو سبحانه رحيم بعباده المؤمنين فلا يعذبهم بعد متابهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.