في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَهُمۡ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ وَلَٰكِن يُدۡخِلُ مَن يَشَآءُ فِي رَحۡمَتِهِۦۚ وَٱلظَّـٰلِمُونَ مَا لَهُم مِّن وَلِيّٖ وَلَا نَصِيرٍ} (8)

( ولو شاء الله لجعلهم أمة واحدة . ولكن يدخل من يشاء في رحمته ، والظالمون ما لهم من ولي ولا نصير ) . .

فلو شاء الله لخلق البشر خلقة أخرى توحد سلوكهم ، فتوحد مصيرهم ، إما إلى جنة وإما إلى نار . ولكنه - سبحانه - خلق هذا الإنسان لوظيفة . خلقه للخلافة في هذه الأرض . وجعل من مقتضيات هذه الخلافة ، على النحو الذي أرادها ، أن تكون للإنسان استعدادات خاصة بجنسه ، تفرقه عن الملائكة وعن الشياطين ، وعن غيرهما من خلق الله ذوي الطبيعة المفردة الموحدة الاتجاه . استعدادات يجنح بها ومعها فريق إلى الهدى والنور والعمل الصالح ؛ ويجنح بها ومعها فريق إلى الضلال والظلام والعمل السِّيى ء كل منهما يسلك وفق أحد الاحتمالات الممكنة في طبيعة تكوين هذا المخلوق البشري ؛ وينتهي إلى النهاية المقررة لهذا السلوك : ( فريق في الجنة وفريق في السعير ) . . وهكذا : ( يدخل من يشاء في رحمته والظالمون ما لهم من ولي ولا نصير ) . . وفق ما يعلمه الله من حال هذا الفريق وذاك ، واستحقاقه للرحمة بالهداية أو استحقاقه للعذاب بالضلال .

ولقد سبق أن بعضهم يتخذ من دون الله أولياء . فهو يقرر هنا أن الظالمين : ( ما لهم من ولي ولا نصير ) . . فأولياؤهم الذين يتخذونهم لا حقيقة لهم إذن ولا وجود .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَهُمۡ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ وَلَٰكِن يُدۡخِلُ مَن يَشَآءُ فِي رَحۡمَتِهِۦۚ وَٱلظَّـٰلِمُونَ مَا لَهُم مِّن وَلِيّٖ وَلَا نَصِيرٍ} (8)

قوله تعالى : " ولو شاء الله لجعلهم أمة واحدة " قال الضحاك : أهل دين واحد ، أو أهل ضلالة أو أهل هدى . " ولكن يدخل من يشاء في رحمته " قال أنس بن مالك : في الإسلام . " والظالمون ما لهم من ولي ولا نصير " " والظالمون " رفع على الابتداء ، والخبر " ما لهم من ولي ولا نصير " عطف على اللفظ . ويجوز " ولا نصير " بالرفع على الموضع و " من " زائدة

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَهُمۡ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ وَلَٰكِن يُدۡخِلُ مَن يَشَآءُ فِي رَحۡمَتِهِۦۚ وَٱلظَّـٰلِمُونَ مَا لَهُم مِّن وَلِيّٖ وَلَا نَصِيرٍ} (8)

ولما كان ملوك الدنيا غالباً لا يريدون أن يعصى أمرهم ، فإذا حذروا من شيء أرادوا أن لا يقرب ، فإن فعله أحد كان فعله له خارجاً عن مرادهم ، فكانت عقوبتهم له لخروجه عن المراد شفاء لما حصل لهم من داء الغيظ ، بين أنه سبحانه على غير ذلك ، وأنه منزه عن خروج شيء عن مراده ، وعن أن يلحقه نفع بطاعة أو ضر بمعصية ، وإن عقوبته إنما هي على مخالفة أمره مع الدخول تحت مراده بإلجائه وقسره ، وهذا في نفس الأمر ، وأما في الظاهر فالأمر أن لا يظهر أنه لشيء منهما مانع إلا صرف الاختيار ، فقال صارفاً القول عن مظهر العظمة استيفاء لإنذار ما هو حقيق به منها إلى الاسم الجامع صفات العظمة وغيرها لاقتضاء الحال له : { ولو شاء الله } أي المحيط بجميع صفات الكمال { لجعلهم } أي المجموعين { امة واحدة } للعذاب أو الثواب ولكنه لم يشأ ذلك بل شاء أن يكونوا فريقين : مقسطين وظالمين ، ليظهر فضله وعدله وأنه إله جبار واحد قهار ، لا يبالي بأحد وهو معنى قوله : { ولكن يدخل من يشاء } أي إدخاله { في رحمته } بخلق الهداية في قلبه فتكون أفعالهم في مواضعها وهم المقسطون ، ويدخل من يشاء في نقمته بخلق الضلال في قلوبهم فيكونون ظالمين ، فلا يكون لهم فعل في حاق موضعه ، فالمقسطون ما لهم من عدو ولا نكير { والظالمون } أي العريقون في الظلم الذين شاء ظلمهم فيدخلهم في لعنته { ما لهم من ولي } يلي أمورهم فيجتهد في إصلاحها { ولا نصير * } ينصرهم من الهوان ، فالآية من الاحتباك ، وهو ظاهر ذكر الرحمة أولاً دليلاً على اللعنة ثانياً ، والظلم وما معه ثانياً دليلاً على أضداده أولاً ، وسره أنه ذكر السبب الحقيقي في أهل السعادة ليحملهم على مزيد الشكر ، والسبب الظاهري في أهل الشقاوة لينهاهم عن الكفر .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَهُمۡ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ وَلَٰكِن يُدۡخِلُ مَن يَشَآءُ فِي رَحۡمَتِهِۦۚ وَٱلظَّـٰلِمُونَ مَا لَهُم مِّن وَلِيّٖ وَلَا نَصِيرٍ} (8)

قوله : { وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً } الأمة ، يراد بها ههنا الطريقة والدين والنحلة{[4083]} . يعني : لو شاء الله لجعل الناس كلهم على دين واحد ، إما على الهداية أو على الضلالة . ولكن الناس مفترقون على أديان ومِلل مختلفة من الهدى والضلال تبعا لمشيئة الله الأزلية التي تسبق كل عزم أو إرادة . ولله في ذلك الحجة البالغة والحكمة التي لا يدركها سواه . وهو ما يقتضيه قوله : { وَلَكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ } .

قوله : { وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ } { الظالمون } مرفوع على أنه مبتدأ ، وخبره { مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ } أي ليس للكافرين الخاسرين يوم القيامة من ولي وهو المحب أو الصديق أو التابع أو الحليف{[4084]} ليس لهم من مثل هؤلاء من يتولاهم ويدفع عنهم العذاب { وَلاَ نَصِيرٍ } ولا معين ينصرهم أو ينجيهم من العقاب{[4085]} .


[4083]:مختار الصحاح ص 36
[4084]:المعجم الوسيط ج 2 ص 1058
[4085]:تفسير القرطبي ج 16 ص 6 وتفسير ابن كثير ج 4 ص 107 وفتح القدير ج 4 ص 526