السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَهُمۡ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ وَلَٰكِن يُدۡخِلُ مَن يَشَآءُ فِي رَحۡمَتِهِۦۚ وَٱلظَّـٰلِمُونَ مَا لَهُم مِّن وَلِيّٖ وَلَا نَصِيرٍ} (8)

{ ولو شاء الله } أي : المحيط بجميع أوصاف الكمال { لجعلهم } أي : المجموعين { أمة واحدة } للثواب أو للعذاب ، ولكنه لم يشأ ذلك بل شاء أن يكونوا فريقين مقسطين وظالمين ليظهر فضله وعدله وأنه إله جبار واحد قهار لا يبالي بأحد ، وهو معنى قوله تعالى { ولكن يدخل من يشاء } إدخاله { في رحمته } بخلق الهداية في قلبه فتكون أفعالهم في مواضعها وهم المقسطون ، ويدخل من يشاء في نقمته بخلق الضلالة في قلوبهم فيكونوا ظالمين فلا تكون أفعالهم في مواضعها ، فالمقسطون ما لهم من عدو ولا نكير { والظالمون } أي : العريقون في الظلم الذين ساء ظلمهم وهم الكافرون فيدخلهم في لعنته { ما لهم من ولي } أي : يلي أمورهم فيجتهد في صلاحها فيدفع عنهم العذاب { ولا نصير } ينصرهم من الهوان فيمنعهم من النار ، وعلى هذا التقدير : فالآية من الاحتباك وهو ظاهر ذكر الرحمة أولاً دليلاً على اللعنة ثانياً ، والظلم وما معه ثانياً دليلاً على أضداده أولاً ، وهذا تقدير لقوله تعالى : { الله حفيظ عليهم وما أنت عليهم بوكيل } أي : أنت لا تقدر أن تحملهم على الإيمان ولو شاء الله تعالى لفعله لأنه أقدر منك ، لكنه تعالى جعل البعض مؤمناً والبعض كافراً .