في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَٱلَّـٰٓـِٔي يَئِسۡنَ مِنَ ٱلۡمَحِيضِ مِن نِّسَآئِكُمۡ إِنِ ٱرۡتَبۡتُمۡ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَٰثَةُ أَشۡهُرٖ وَٱلَّـٰٓـِٔي لَمۡ يَحِضۡنَۚ وَأُوْلَٰتُ ٱلۡأَحۡمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعۡنَ حَمۡلَهُنَّۚ وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجۡعَل لَّهُۥ مِنۡ أَمۡرِهِۦ يُسۡرٗا} (4)

( واللائي يئسن من المحيض من نسائكم - إن ارتبتم - فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن . وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن . ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا . ذلك أمر الله أنزله إليكم ، ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا ) .

وهذا تحديد لمدة العدة لغير ذوات الحيض والحمل . يشمل اللواتي انقطع حيضهن ، واللاتي لم يحضن بعد لصغر أو لعلة . ذلك أن المدة التي بينت من قبل في سورة البقرة كانت تنطبق على ذوات الحيض - وهي ثلاث حيضات أو ثلاثة أطهار من الحيضات . حسب الخلاف الفقهي في المسألة - فأما التي انقطع حيضها والتي لم تحض أصلا فكان حكمها موضع لبس : كيف تحسب عدتها ? فجاءت هذه الآية تبين وتنفي اللبس والشك ، وتحدد ثلاثة أشهر لهؤلاء وهؤلاء ، لاشتراكهن في عدم الحيض الذي تحسب به عدة أولئك . أما الحوامل فجعل عدتهن هي الوضع . طال الزمن بعد الطلاق أم قصر . ولو كان أربعين ليلة فترة الطهر من النفاس . لأن براءة الرحم بعد الوضع مؤكدة ، فلا حاجة إلى الانتظار . والمطلقة تبين من مطلقها بمجرد الوضع ، فلا حكمة في انتظارها بعد ذلك ، وهي غير قابلة للرجعة إليه إلا بعقد جديد على كل حال . وقد جعل الله لكل شيء قدرا . فليس هناك حكم إلا ووراءه حكمة .

هذا هو الحكم ثم تجيء اللمسات والتعقيبات :

( ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا ) . .

واليسر في الأمر غاية ما يرجوه إنسان . وإنها لنعمة كبرى أن يجعل الله الأمور ميسرة لعبد من عباده . فلا عنت ولا مشقة ولا عسر ولا ضيقة . يأخذ الأمور بيسر في شعوره وتقديره . وينالها بيسر في حركته وعمله . ويرضاها بيسر في حصيلتها ونتيجتها . ويعيش من هذا في يسر رخي ندي ، حتى يلقى الله . . ألا إنه لإغراء باليسر في قضية الطلاق مقابل اليسر في سائر الحياة !

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَٱلَّـٰٓـِٔي يَئِسۡنَ مِنَ ٱلۡمَحِيضِ مِن نِّسَآئِكُمۡ إِنِ ٱرۡتَبۡتُمۡ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَٰثَةُ أَشۡهُرٖ وَٱلَّـٰٓـِٔي لَمۡ يَحِضۡنَۚ وَأُوْلَٰتُ ٱلۡأَحۡمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعۡنَ حَمۡلَهُنَّۚ وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجۡعَل لَّهُۥ مِنۡ أَمۡرِهِۦ يُسۡرٗا} (4)

{ 4-5 } { وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا * ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا }

لما ذكر تعالى أن الطلاق المأمور به يكون لعدة النساء ، ذكر تعالى العدة ، فقال :

{ وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْْ } بأن كن يحضن ، ثم ارتفع حيضهن ، لكبر أو غيره ، ولم يرج رجوعه ، فإن عدتها ثلاثة أشهر ، جعل لكل شهر ، مقابلة حيضة .

{ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ } أي : الصغار ، اللائي لم يأتهن الحيض بعد ، و البالغات{[1143]}  اللاتي لم يأتهن حيض بالكلية ، فإنهن كالآيسات ، عدتهن ثلاثة أشهر ، وأما اللائي يحضن ، فذكر الله عدتهن في قوله : { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ } [ وقوله : ] { وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ } أي : عدتهن { أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } أي : جميع ما في بطونهن ، من واحد ، ومتعدد ، ولا عبرة حينئذ ، بالأشهر ولا غيرها ، { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا } أي : من اتقى الله تعالى ، يسر له الأمور ، وسهل عليه كل عسير .


[1143]:- في ب: أو البالغات.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَٱلَّـٰٓـِٔي يَئِسۡنَ مِنَ ٱلۡمَحِيضِ مِن نِّسَآئِكُمۡ إِنِ ٱرۡتَبۡتُمۡ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَٰثَةُ أَشۡهُرٖ وَٱلَّـٰٓـِٔي لَمۡ يَحِضۡنَۚ وَأُوْلَٰتُ ٱلۡأَحۡمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعۡنَ حَمۡلَهُنَّۚ وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجۡعَل لَّهُۥ مِنۡ أَمۡرِهِۦ يُسۡرٗا} (4)

ولما وسط بين العدد هذه الجمل{[66069]} الواعظة دلالة على عظمتها حثاً على امتثالها والمبادرة إليها ، وختم بالتقدير ، أتبع ذلك بيان مقادير العدد على وجه أبان أن الكلام الماضي كان في الحوائض الرجعيات فقال : { واللائي يئسن } أي من المطلقات { من المحيض } أي الحيض وزمانه لوصولها إلى سن يجاوز القدر الذي ترجو {[66070]}فيه النساء{[66071]} الحيض فصارت بحيث لا ترجوه ، وذلك السن خمس وخمسون سنة أو ستون سنة ، وقيل : سبعون{[66072]} وهن{[66073]} القواعد ، وأما من انقطع حيضها في زمن ترجو فيه الحيض فإنها تنتظر{[66074]} سن اليأس .

ولما كان هذا الحكم خاصاً بأزواج المسلمين لحرمة فرشهم وحفظ أنسابهم قال : { من نسائكم } أي أيها المسلمون سواء كن مسلمات أو من أهل الكتاب ، ولما كان الموجب للعدة إنما هو الدخول لا مجرد الطلاق قال : { إن ارتبتم } بأن أجلتم النظر في أمرهن ، فأداكم إلى ريب في{[66075]} هل هن حاملات أم لا ، وذلك بالدخول عليهن الذي هو سبب الريب بالحمل{[66076]} في الجملة { فعدتهن ثلاثة أشهر } كل شهر يقوم مقام حيضة لأن أغلب عوائد النساء أن يكون كل قرء في شهر .

ولما أتم قسمي ذوات الحيض{[66077]} إشارة وعبارة قال : { واللائي لم يحضن } أي لصغرهن أو لأنهن لا حيض لهن أصلاً وإن كن بالغات فعدتهن ثلاثة أشهر أيضاً ، وهذا مشير إلى أن أولات الحيض بائنات{[66078]} كن أو لا عدتهن ثلاثة{[66079]} قروء كما تقدم في البقرة لأن هذه الأشهر عوض عنها ، فأما أن يكون القرء - وهو الطهر - بين حيضتين ، أو بين الطلاق والحيض ، وهذا كله في المطلقة ، وأما المتوفى عنها زوجها فأربعة أشهر وعشراً كما في البقرة .

ولما فرغ من آئسات الحوامل أتبعه ذكر الحوامل فقال : { وأولات الأحمال } أي من جميع الزوجات المسلمات والكفار{[66080]} المطلقات على كل حال {[66081]}والمتوفى عنهن إذا كان حملهن من الزوج مسلماً كان أو لا { أجلهن } أي لمنتهى{[66082]} العدة سواء كان لهن مع الحمل حيض أم لا { أن يضعن } ولما كان توحيد الحمل لا ينشأ عنه لبس ، وكان الجمع ربما أوهم أنه لا تحل واحدة منهن حتى يضع جمعاً{[66083]} قال : { حملهن } وهذا على عمومه مخصص لآية

{ يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً }[ البقرة : 234 ] لأن{[66084]} المحافظة على عمومه أولى من المحافظة على عموم ذلك في قوله : { أزواجاً } لأن عموم هذه بالذات لأن الموصول من صيغ العموم ، وعموم { أزواجاً } بالعرض لأنه بدلي لا يصلح لتناول جميع الأزواج في حال واحد ، والحكم معلل هنا بوصف الحملية بخلاف ذاك{[66085]} ولأن سبيعة بنت الحارث وضعت حملها بعد وفاة زوجها بليال ، فأذن لها النبي صلى الله عليه وسلم أن تتزوج ، ولأن هذه الآية متأخرة النزول عن آية البقرة ، فتقديمها على تلك تخصيص ، وتقديم تلك في العمل بعمومها رفع لما في الخاص من الحكم فهو نسخ والأول هو الراجح للوفاق عليه ، فإن كان الحمل من زنا أو شبهة فلا حرمة له ، والعدة بالحيض .

ولما كانت أمور النساء في المعاشرة والمفارقة من المعاسرة والمياسرة في غاية المشقة ، فلا يحمل على العدل فيها والعفة{[66086]} إلا خوف الله ، كرر تلميعاً بالحث على التقوى إشارة إلى ذلك وترغيباً في لزوم ما حده سبحانه ، فقال عاطفاً على ما{[66087]} تقديره : فمن لم يحفظ هذه الحدود عسر الله عليه أموره : { ومن يتق الله{[66088]} } أي يوجد الخوف من الملك الأعظم إيجاداً مستمراً ليجعل بينه وبين سخطه وقاية من طاعاته اجتلاباً للمأمور واجتناباً للمنهي { يجعل له } أي يوجد إيجاداً مستمراً باستمرار التقوى " إن الله لا يمل حتى تملوا " { من أمره } أي كله في النكاح وغيره { يسراً * } أي سهولة وفرجاً وخيراً في {[66089]}الدارين بالدفع والنفع{[66090]} ، وذلك أعظم من مطلق المخرج المتقدم في الآية الأولى .


[66069]:- من ظ وم، وفي الأصل: الجملة.
[66070]:- من ظ وم، وفي الأصل: النساء فيه.
[66071]:- من ظ وم، وفي الأصل: النساء فيه.
[66072]:-زيد في الأصل: سنة، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[66073]:- من م، وفي الأصل وظ: هي.
[66074]:- من ظ وم، وفي الأصل: و-كذا.
[66075]:- زيد من ظ وم.
[66076]:- من ظ وم، وفي الأصل: في الحمل.
[66077]:- من ظ وم، وفي الأصل: المحيض.
[66078]:- زيد في الأصل: الحيض، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[66079]:- من ظ وم، وفي الأصل: ثلاث.
[66080]:- زيدت الواو في الأصل، ولم تكن في ظ وم فحذفناها.
[66081]:- من ظ وم، وفي الأصل: أو.
[66082]:- من ظ وم، وفي الأصل: منتهى.
[66083]:- من ظ وم، وفي الأصل: جميعا.
[66084]:- من ظ وم، وفي الأصل: إلا أن.
[66085]:- من ظ وم، وفي الأصل: ذلك.
[66086]:- من ظ وم، وفي الأصل: العدة.
[66087]:-زيد من ظ وم.
[66088]:- وقع في الأصل: بعد "للمنهى" مع زيادة "الملك الأعظم" والترتيب من ظ وم.
[66089]:- من ظ وم، وفي الأصل: في الدين بالنفع والضر.
[66090]:- من ظ وم، وفي الأصل: في الدين بالنفع والضر.
 
تفسير الجلالين للمحلي والسيوطي - تفسير الجلالين [إخفاء]  
{وَٱلَّـٰٓـِٔي يَئِسۡنَ مِنَ ٱلۡمَحِيضِ مِن نِّسَآئِكُمۡ إِنِ ٱرۡتَبۡتُمۡ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَٰثَةُ أَشۡهُرٖ وَٱلَّـٰٓـِٔي لَمۡ يَحِضۡنَۚ وَأُوْلَٰتُ ٱلۡأَحۡمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعۡنَ حَمۡلَهُنَّۚ وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجۡعَل لَّهُۥ مِنۡ أَمۡرِهِۦ يُسۡرٗا} (4)

{ واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا }

( واللائي ) بهمزة وياء وبلا ياء في الموضعين ( يئسن من المحيض ) بمعنى الحيض ( من نسائكم إن ارتبتم ) شككتم في عدتهن ( فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن ) لصغرهن فعدتهن ثلاثة أشهر والمسألتان في غير المتوفي عنهن أزواجهن أما هن فعدتهن ما في آية " يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً " ( وأولات الأحمال أجلهن ) انقضاء عدتهن مطلقات أو متوفى عنهن أزواجهن ( أن يضعن حملهن ومن يتق الله يجعل له من أمره يسراً ) في الدنيا والآخرة .