ولما بين تعالى أمر الطلاق والرجعة في التي تحيض ، وكانوا قد عرفوا عدة ذوات الأقراء عرفهم في هذه السورة عدة التي لا ترى الدم . قال أبو عثمان عمر بن سليمان : نزلت عدة النساء في سورة البقرة في المطلقة والمتوفى عنها زوجها ، قال أبي بن كعب : يا رسول الله إن ناساً يقولون قد بقي من النساء من لم يذكر فيهن شيء الصغار والكبار وذوات الحمل فنزل :
{ واللائي يئسن } أي : من المطلقات { من المحيض } أي : الحيض الآية . وقال مقاتل : لما ذكر قوله تعالى : { والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء } [ البقرة : 228 ] قال خلاد بن النعمان : يا رسول الله فما عدة التي لم تحض وعدة التي انقطع حيضها وعدة الحبلى فنزلت ، وقيل : إن معاذ بن جبل سأل عن عدة الكبيرة التي يئست فنزلت ، وقال مجاهد : الآية واردة في المستحاضة لا تدري دم حيض هو أو دم علة . واختلف في سن اليأس فالذي عليه الأكثر أنه اثنان وستون سنة ، وقيل : خمس وخمسون ، وقيل : ستون ، وقيل : سبعون .
ولما كان هذا الحكم خاصاً بأزواج المسلمين لحرمة فرشهم وحفظ أنسابهم قال تعالى : { من نسائكم } أي : أيها المسلمون سواء كن مسلمات أو من أهل الكتاب { إن ارتبتم } أي : شككتم في عدتهن { فعدتهن ثلاثة أشهر } كل شهر يقوم مقام حيضة لأن أغلب عوائد النساء أن يكون كل قرء في شهر { واللائي لم يحضن } أي : لصغرهن أو لأنهن لا حيض لهن أصلاً ، وإن كن بالغات فعدتهن ثلاثة أشهر أيضاً هذا كله في غير المتوفى عنهن أزواجهن ، أما هن فعدتهن ما في آية { أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً } [ البقرة : 234 ] وقرأ : { واللائي } في الموضعين ابن عامر والكوفيون بالهمز وياء بعده ، وقرأ قالون وقنبل بالهمز ولا ياء بعده ، وللبزي وأبي عمرو أيضاً إبدال الهمزة ياء ساكنة مع المد لا غير .
ولما فرغ من ذكر الحوائل أتبعه ذكر الحوامل بقوله تعالى : { وأولات الأحمال } أي : من جميع الزوجات المسلمات والكافرات المطلقات والمتوفى عنهن { أجلهن } أي : لمنتهى العدة سواء كان لهن مع الحمل حيض أم لا { أن يضعن حملهن } وهذا على عمومه مخصص لآية { يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً } لأن المحافظة على عمومه أولى من المحافظة على عموم ذاك في قوله تعالى : { أزواجاً } لأن عموم هذه بالذات لأن الموصول من صيغ العموم وعموم أزواجاً بالعرض لأنه بدل لا يصلح لجميع الأزواج في حال واحد ، والحكم معلل هنا بوصف الحملية بخلاف ذاك ، ولأن هذه الآية متأخرة النزول عن آية البقرة فتقديمها على تلك تخصيص ، وتقديم تلك في العمل بعمومها رفع لما في الخاص من الحكم فهو نسخ ، والأول هو الراجح للوفاق ، ولأن سبيعة بنت الحارث وضعت حملها بعد وفاة زوجها بليالٍ فأذن لها النبي صلى الله عليه وسلم أن تتزوج .
تنبيه : إذا وضعت المرأة ما في بطنها من علقة أو مضغة حلت عند مالك ، وقال الشافعي وأحمد وأبو حنيفة : لا تحل إلا بوضع ما يتبين فيه شيء من خلق الإنسان ، فإن كانت حاملاً بتوأمين لم تنقض عدتها حتى تضع الثاني منهما ، ولابد أن يكون الحمل منسوباً لذي العدة ، أما إذا كان من زنا فلا حرمة له والعدة بالحيض .
ولما كانت أمور النساء في المعاشرة والمفارقة في غاية المشقة كرر بالحث على التقوى إشارة إلى ذلك ، وترغيباً في لزوم ما حده سبحانه فقال عاطفاً على ما تقديره فمن لم يحفظ هذه الحدود عسر الله تعالى عليه أموره : { ومن يتق الله } أي : يوجد الخوف من الملك الأعظم إيجاداً مستمراً ليجعل بينهم وبين سخطه وقاية من طاعته ، اجتلاباً للمأمور واجتناباً للمنهي . { يجعل له } أي : يوجد إيجاداً مستمراً باستمرار التقوى ، إن الله لا يمل حتى تملوا { من أمره } أي : كله في النكاح وغيره { يسراً } أي : سهولة وفرجاً وخيراً في الدارين بالدفع والنفع ، وذلك أعظم من مطلق الخروج المتقدم في الآية الأولى ، وقال مقاتل : ومن يتق الله في اجتناب معاصيه يجعل له من أمره يسراً في توفيقه لطاعته .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.