( منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين . من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا . كل حزب بما لديهم فرحون ) . .
فهي الإنابة إلى الله والعودة في كل أمر إليه . وهي التقوى وحساسية الضمير ومراقبة الله في السر والعلانية ؛ والشعور به عند كل حركة وكل سكنة . وهي إقامة الصلاة للعبادة الخالصة لله . وهي التوحيد الخالص الذي يميز المؤمنين من المشركين . .
{ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ } وهذا تفسير لإقامة الوجه للدين ، فإن الإنابة إنابة القلب وانجذاب دواعيه لمراضي اللّه تعالى .
ويلزم من ذلك حمل{[652]} البدن بمقتضى ما في القلب فشمل ذلك العبادات الظاهرة والباطنة ، ولا يتم ذلك إلا بترك المعاصي الظاهرة والباطنة فلذلك قال : { وَاتَّقُوهُ } فهذا يشمل فعل المأمورات وترك المنهيات .
وخص من المأمورات الصلاة لكونها تدعو إلى الإنابة والتقوى لقوله تعالى : { وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ } فهذا إعانتها على التقوى .
ثم قال : { وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ } فهذا حثها على الإنابة . وخص من المنهيات أصلها والذي لا يقبل معه عمل وهو الشرك فقال : { وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ } لكون الشرك مضادا للإنابة التي روحها الإخلاص من كل وجه .
ولما كان من الناس من منّ الله عليه بأن كان في هذا الميدان ، وسمت{[53067]} همته إلى مسابقة الفرسان ، {[53068]}فلما رأى{[53069]} أنه لم يلتفت إليه ، ولم يعول أصلاً عليه{[53070]} ، كادت نفسه تطير ، وكانت عادة القوم أن يخاطبوا القوم لمخاطبة رئيسهم تعظيماً له وحثاً لهم على التحلي بما خص به ، جُبرت قلوبهم وشرحت صدورهم فبينت لهم حال من ضمير " أقم " أو من العامل في " فطرت " إعلاماً بأنهم مرادون بالخطاب ، مشار{[53071]} إليهم بالصواب ، فقال : { منيبين } أي راجعين مرة بعد مرة بمجاذبة النفس والفطرة الأولى { إليه } تعالى بالنزوع {[53072]}عما اكتسبتموه{[53073]} من رديء الأخلاق إلى تلك الفطرة السليمة المنقادة للدليل ، الميالة إلى سواء السبيل .
ولما لم يكن بعد الرجوع إلى المحجة{[53074]} إلا الأمر{[53075]} بلزومها خوفاً من الزيغ عنها دأب المرة الأولى . قال عاطفاً{[53076]} على { فأقم } : { واتقوه } أي خافوا أن تزيغوا عن سبيله يسلمكم في أيدي أولئك المضلين ، فإذا خفتموه فلزمتموها كنتم ممن تخلى عن الرذائل { وأقيموا الصلاة } تصيروا{[53077]} ممن تحلى بالفضائل - هكذا دأب الدين أبداً تخلية ثم تحلية : أول الدخول إلى الإسلام التنزيه ، وأول الدخول في{[53078]} القرآن الاستعاذة ، وهو أمر ظاهر معقول ، مثاله من أراد أن يكتب في شيء إن مسح ما فيه من الكتابة انتفع بما كتب ، وإلا أفسد الأول ولم يقرأ الثاني - والله الموفق .
ولما كان الشرك {[53079]}من الشر{[53080]} بمكان ليس هو لغيره ، أكد النهي عنه بقوله : { ولا تكونوا } أي كوناً ما { من المشركين } أي لا تكونوا ممن يدخل في عدادهم بمواددة{[53081]} أو معاشرة أو عمل تشابهونهم فيه فإنه " من تشبه بقوم فهو منهم " وهو عام في كل شرك سواء كان بعبادة صنم أو نار أوغيرهما ، أو بالتدين بما يخالف النصوص من أقوال الأحبار والرهبان وغير ذلك .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.