في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{مَّثَلُ ٱلۡجَنَّةِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلۡمُتَّقُونَۖ فِيهَآ أَنۡهَٰرٞ مِّن مَّآءٍ غَيۡرِ ءَاسِنٖ وَأَنۡهَٰرٞ مِّن لَّبَنٖ لَّمۡ يَتَغَيَّرۡ طَعۡمُهُۥ وَأَنۡهَٰرٞ مِّنۡ خَمۡرٖ لَّذَّةٖ لِّلشَّـٰرِبِينَ وَأَنۡهَٰرٞ مِّنۡ عَسَلٖ مُّصَفّٗىۖ وَلَهُمۡ فِيهَا مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَٰتِ وَمَغۡفِرَةٞ مِّن رَّبِّهِمۡۖ كَمَنۡ هُوَ خَٰلِدٞ فِي ٱلنَّارِ وَسُقُواْ مَآءً حَمِيمٗا فَقَطَّعَ أَمۡعَآءَهُمۡ} (15)

وهذه صورة من صور التفرقة بين هؤلاء وهؤلاء في المصير :

( مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن ، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه ، وأنهار من خمر لذة للشاربين ، وأنهار من عسل مصفى ؛ ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرة من ربهم . كمن هو خالد في النار ، وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم ? ) . .

إن هذه الصورة الحسية من النعيم والعذاب ترد في مواضع من القرآن . وقد تجيء معها صور معنوية أو تجيء مجردة . كما أن صور النعيم والعذاب المجردة عن الحسيات تجيء في مواضع أخرى .

والله الذي خلق البشر ، أعلم بمن خلق ، وأعرف بما يؤثر في قلوبهم ، وما يصلح لتربيتهم . ثم ما يصلح لنعيمهم ولعذابهم . والبشر صنوف ، والنفوس ألوان ، والطبائع شتى . تلتقي كلها في فطرة الإنسان ، ثم تختلف وتتنوع بحسب كل إنسان . ومن ثم فصل الله ألوان النعيم والعذاب ، وصنوف المتاع والآلام ، وفق علمه المطلق بالعباد . .

هنالك ناس يصلح لتربيتهم ، ولاستجاشة همتهم للعمل كما يصلح لجزائهم ويرضي نفوسهم أن يكون لهم أنهار من ماء غير آسن ، أو أنهار من لبن لم يتغير طعمه ، أو أنهار من عسل مصفى ، أو أنهار من خمر لذة للشاربين . أو صنوف من كل الثمرات . مع مغفرة من ربهم تكفل لهم النجاة من النار والمتاع بالجنات . . فلهؤلاء ما يصلح لتربيتهم ، وما يليق لجزائهم .

وهنالك ناس يعبدون الله لأنهم يشكرونه على نعمه التي لا يحصونها . أو لأنهم يحبونه ويتقربون إليه بالطاعات تقرب الحبيب للحبيب . أو لأنهم يستحيون أن يراهم الله على حالة لا يحبها . ولا ينظرون وراء ذلك إلى جنة أو إلى نار ، ولا إلى نعيم أو عذاب على الإطلاق ، وهؤلاء يصلح لهم تربية ويصلح لهم جزاء أن يقول الله لهم : ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا ) . . أو أن يعلموا أنهم سيكونون : ( في مقعد صدق عند مليك مقتدر ) . .

ولقد روي عن رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] أنه كان يصلي حتى تنفر رجلاه . فقالت له عائشة - رضي الله عنها - يا رسول الله أتصنع هذا وقد غفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ? فقال [ صلى الله عليه وسلم ] : " يا عائشة أفلا أكون عبدا شكورا ? " . .

وتقول رابعة العدوية : " أو لو لم تكن جنة ولا نار لم يعبد الله أحد ، ولم يخشه أحد ? " .

وتجيب سفيان الثوري وقد سألها : ما حقيقة إيمانك ? تقول : " ما عبدته خوفا من ناره ، ولا حبا لجنته فأكون كالأجير السوء . عبدته شوقا إليه " . .

وبين هذا اللون وذلك ألوان من النفوس والمشاعر والطباع . . وكلها تجد - فيما جعله الله من نعيم وعذاب ، ومن ألوان الجزاء - ما يصلح للتربية في الأرض ؛ وما يناسب للجزاء عند الله .

والملاحظ عموما أن صور النعيم والعذاب ترق وتشف كلما ترقى السامعون في مراقي التربية والتهذيب على مدى نزول القرآن . وحسب أنواع المخاطبين ، والحالات المتنوعة التي كانت تخاطب بالآيات . وهي حالات ونماذج تتكرر في البشرية في جميع الأعصار .

وهنا نوعان من الجزاء : هذه الأنهار مع كل الثمرات مع المغفرة من الله . والنوع الآخر :

( كمن هو خالد في النار وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم ) . .

وهي صورة حسية عنيفة من العذاب ، تناسب جو سورة القتال ، وتتناسب مع غلظ طبيعة القوم . وهم يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام . فالجو جو متاع غليظ وأكل غليظ . والجزاء ماء حميم ساخن وتقطيع للأمعاء ، التي كانت تحش وتلتهم الأكل كالأنعام !

ولن يكون هؤلاء كهؤلاء في الجزاء ، كما أنهم في الحال والمنهج ليسوا سواء . .

بهذا يختم الجولة الأولى التي بدأت بالهجوم عند افتتاح السورة ، واستمرت في معركة متصلة ، عنيفة ، حتى الختام . .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{مَّثَلُ ٱلۡجَنَّةِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلۡمُتَّقُونَۖ فِيهَآ أَنۡهَٰرٞ مِّن مَّآءٍ غَيۡرِ ءَاسِنٖ وَأَنۡهَٰرٞ مِّن لَّبَنٖ لَّمۡ يَتَغَيَّرۡ طَعۡمُهُۥ وَأَنۡهَٰرٞ مِّنۡ خَمۡرٖ لَّذَّةٖ لِّلشَّـٰرِبِينَ وَأَنۡهَٰرٞ مِّنۡ عَسَلٖ مُّصَفّٗىۖ وَلَهُمۡ فِيهَا مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَٰتِ وَمَغۡفِرَةٞ مِّن رَّبِّهِمۡۖ كَمَنۡ هُوَ خَٰلِدٞ فِي ٱلنَّارِ وَسُقُواْ مَآءً حَمِيمٗا فَقَطَّعَ أَمۡعَآءَهُمۡ} (15)

{ 15 } { مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ }

أي : مثل الجنة التي أعدها الله لعباده ، الذين اتقوا سخطه ، واتبعوا رضوانه ، أي : نعتها وصفتها الجميلة .

{ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ } أي : غير متغير ، لا بوخم ولا بريح منتنة ، ولا بمرارة ، ولا بكدورة ، بل هو أعذب المياه وأصفاها ، وأطيبها ريحا ، وألذها شربا .

{ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ } بحموضة ولا غيرها ، { وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ } أي : يلتذ به شاربه لذة عظيمة ، لا كخمر الدنيا الذي يكره مذاقه ويصدع الرأس ، ويغول العقل .

{ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى } من شمعه ، وسائر أوساخه .

{ وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ } من نخيل ، وعنب ، وتفاح ، ورمان ، وأترج ، وتين ، وغير ذلك مما لا نظير له في الدنيا ، فهذا المحبوب المطلوب قد حصل لهم .

ثم قال : { وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ } يزول بها عنهم المرهوب ، فأي هؤلاء خير أم من هو خالد في النار التي اشتد حرها ، وتضاعف عذابها ، { وَسُقُوا } فيها { مَاءً حَمِيمًا } أي : حارا جدا ، { فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ }

فسبحان من فاوت بين الدارين والجزاءين ، والعاملين والعملين .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{مَّثَلُ ٱلۡجَنَّةِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلۡمُتَّقُونَۖ فِيهَآ أَنۡهَٰرٞ مِّن مَّآءٍ غَيۡرِ ءَاسِنٖ وَأَنۡهَٰرٞ مِّن لَّبَنٖ لَّمۡ يَتَغَيَّرۡ طَعۡمُهُۥ وَأَنۡهَٰرٞ مِّنۡ خَمۡرٖ لَّذَّةٖ لِّلشَّـٰرِبِينَ وَأَنۡهَٰرٞ مِّنۡ عَسَلٖ مُّصَفّٗىۖ وَلَهُمۡ فِيهَا مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَٰتِ وَمَغۡفِرَةٞ مِّن رَّبِّهِمۡۖ كَمَنۡ هُوَ خَٰلِدٞ فِي ٱلنَّارِ وَسُقُواْ مَآءً حَمِيمٗا فَقَطَّعَ أَمۡعَآءَهُمۡ} (15)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: صفة الجنة التي وعدها المتقون، وهم الذين اتقوا في الدنيا عقابه بأداء فرائضه، واجتناب معاصيه "فِيهَا أنهَارٌ مِنْ ماءٍ غَيرِ آسِنٍ "يقول تعالى ذكره في هذه الجنة التي: ذكرها أنهار من ماء غير متغير الريح، يقال منه: قد أَسِنَ ماء هذه البئر: إذا تغيرت ريح مائها فأنتنت...

وقوله: "وأنهارٌ مِنْ لَبنٍ لَمْ يَتَغَيّرْ طَعْمُهُ" يقول تعالى ذكره: وفيها أنهار من لبن لم يتغير طعمه لأنه لم يحلب من حيوان فيتغير طعمه بالخروج من الضروع، ولكنه خلقه الله ابتداء في الأنهار، فهو بهيئته لم يتغير عما خلقه عليه.

وقوله: "وأنهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذّةٍ للشّارِبِينَ" يقول: وفيها أنهار من خمر لذة للشاربين يلتذّون بشربها...

وقوله: "وأنهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّى" يقول: وفيها أنهار من عسل قد صُفّي من القَذى، وما يكون في عسل أهل الدنيا قبل التصفية، وإنما أعلم تعالى ذكره عباده بوصفه ذلك العسل بأنه مصفى أنه خلق في الأنهار ابتداء سائلاً جاريا سيل الماء واللبن المخلوقين فيها، فهو من أجل ذلك مصّفى، قد صفاه الله من الأقذاء التي تكون في عسل أهل الدنيا الذي لا يصفو من الأقذاء إلا بعد التصفية، لأنه كان في شمع فصُفي منه.

وقوله: "ولَهُمْ فِيها مِنْ كُلّ الثّمَرَاتِ" يقول تعالى ذكره: ولهؤلاء المتقين في هذه الجنة من هذه الأنهار التي ذكرنا من جميع الثمرات التي تكون على الأشجار. "وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبّهِمْ" يقول: وعفو من الله لهم عن ذنوبهم التي أذنبوها في الدنيا، ثم تابوا منها، وصَفْحٌ منه لهم عن العقوبة عليها.

وقوله: "كمَنْ هُوَ خالِدٌ في النّارِ" يقول تعالى ذكره: أمّن هو في هذه الجنة التي صفتها ما وصفنا، كمن هو خالد في النار. وابُتدئ الكلام بصفة الجنة، فقيل: مثل الجنة التي وُعد المتقون، ولم يقل: أمّن هو في الجنة، ثم قيل بعد انقضاء الخبر عن الجنة وصفتها "كمَنْ هُوَ خالِدٌ في النّارِ"، وإنما قيل ذلك كذلك، استغناء بمعرفة السامع معنى الكلام، ولدلالة قوله: "كمَنْ هُوَ خالِدٌ في النّارِ" على معنى قوله: "مَثَلُ الجَنّةِ التي وُعِدَ المُتّقُونَ".

وقوله: "وَسُقُوا ماءً حَمِيما" يقول تعالى ذكره: وسُقي هؤلاء الذين هم خلود في النار ماء قد انتهى حرّه فقطع ذلك الماء من شدّة حرّه أمعاءهم.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{مثل الجنة التي وُعد المتقون} من حياتكم هذه، لو كانت جناتكم في الدنيا على المثل الذي وصف في الآية: أليس كانت نفس كل أحد ترغب فيها، وتحرص على طلبها، لتكون تلك الجنة له، فما بالُكم لا ترغبون في تلك الجنة التي وُعد المتقون في الآخرة، لا ترغبون فيها، ولا تحرصون على طلبها؟ والله أعلم. ويخرّج على هذا التأويل قوله تعالى: {كمن هو خالد في النار} أي ليس من كان خالدا في جنة من جناتكم التي ما ذكر وصفها كمن هو خالد في نار من نيرانكم... أي ليس من وعد له الجنة التي وصفها، ونعتها كمن وعد له النار التي وصْفُها ما ذكر...

{فيها أنهار من ماء غير آسنٍ} الآية؛ يخبر أنه يكون في الجنة من المياه والخمور والألبان وما ذكر ليس كالتي في الدنيا، لأن المياه في الدنيا تتغير بأحد وجهين: إما لنجاسة وآفة تصيبهما، أو لطول الزمان والمُكث، فيخبر أن ليس في الجنة شيء يُغيّر مياهها، وكذلك اللبن في الدنيا يتغيّر، ويفسُد عن قريب إذا تُرك لما ذُكر، فيُخبر أن ألبان الجنة لا تفسُد للترك، ولا يصيبها شيء، فيُفسِدها، ويُخرجها عن طعم اللبن...

{وأنهار من خمر لذّة للشاربين} يُخبِر أن الخمور في الجنة مما يتلذّذ بها أهلها عند الشرب ليست كخمور الدنيا يتكرّهها أهلها عند شربها، ويعبِسون وجوههم عند التناول منها...

{وأنهار من عسلٍ مُصفّى} أي وأنهار من عسل خُلِق، وأُنشِئ مُصفّى، لا كُدورة فيه، لا أنه كان كدِرًا، فصُفّيَ، أو كان خُلق بعضه كدِرا، وبعضه مُصفّى، ولكن خُلق كله مُصفّى في الابتداء...

{ولهم فيها من كل الثمرات} التي عرفوها في الدنيا، وأرادوها، أو يقول: {ولهم فيها من كل الثمرات} التي يريدون فيها...

{ومغفرة من ربهم كمن هو خالد في النار وسُقوا ماءا حميما فقطّع أمعاءهم} أي ليس من وعد له ما ذكر من الجنة، وهو خالد فيها مُتنعّم بما ذكر من ألوان الثمار والنّعم ما ذكر من المياه والخمور والألبان {كمن هو خالد في النار}...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

فإن قلت: ما معنى قوله تعالى: {مَّثَلُ الجنة التي وُعِدَ المتقون فِيهَا أَنْهَارٌ} كمن هو خالد في النار؟ قلت: هو كلام في صورة الإثبات ومعنى النفي والإنكار، لانطوائه تحت حكم كلام مصدّر بحرف الإنكار، ودخوله في حيزه، وانخراطه في سلكه، وهو قوله تعالى: {أَفَمَن كَانَ على بَيّنَةٍ مّن رَّبّهِ كَمَن زُيّنَ لَهُ سُوء عَمَلِه} فكأنه قيل: أمثل الجنة كمن هو خالد في النار، أي كمثل جزاء من هو خالد في النار...

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

أمثل أهل الجنة، وهي بهذه الأوصاف {كمن هو خالد في النار} فتكون الكاف في قوله: {كمن} مؤكدة في التشبيه، ويجيء قوله: {فيها أنهار} في موضع الحال على هذا التأويل. {وما غير آسن} معناه غير متغير...

{ومغفرة من ربهم} معناه: وتنعيم أعطته المغفرة وسببته، فالمغفرة إنما هي قبل الجنة...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

... قال في الخمر {لذة للشاربين} ولم يقل في اللبن لم يتغير طعمه للطاعمين ولا قال في العسل مصفى للناظرين لأن اللذة تختلف باختلاف الأشخاص، فرب طعام يلتذ به شخص ويعافه الآخر، فقال: {لذة للشاربين} بأسرهم ولأن الخمر كريهة الطعم، فقال: {لذة} أي لا يكون في خمر الآخرة كراهة الطعم، وأما الطعم واللون فلا يختلفان باختلاف الناس...

{ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرة من ربهم}. بعد ذكر المشروب أشار إلى المأكول، ولما كان في الجنة الأكل للذة لا للحاجة ذكر الثمار فإنها تؤكل للذة بخلاف الخبز واللحم...

{كمن هو خالد في النار وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم}... بيان لمخالفتهم في سائر أحوال أهل الجنة فلهم أنهار من ماء غير آسن، ولهم ماء حميم، فإن قيل المشابهة الإنكارية بالمخالفة على ما ثبت...كأنه قال: للمؤمن أكل وشرب مطهر طاهر لا يجتمع في جوفهم فيؤذيهم ويحوجهم إلى قضاء حاجة، وللكافر ماء حميم في أول ما يصل إلى جوفهم يقطع أمعاءهم ويشتهون خروجه من جوفهم، وأما الثمار فلم يذكر مقابلها، لأن في الجنة زيادة مذكورة فحققها بذكر أمر زايد.

الماء الحار يقطع أمعاءهم لأمر آخر غير الحرارة، وهي الحدة التي تكون في السموم المدوفة، وإلا فمجرد الحرارة لا يقطع، فإن قيل قوله تعالى: {فقطع} بالفاء يقتضي أن يكون القطع بما ذكر، نقول نعم، لكنه لا يقتضي أن يقال: يقطع، لأنه ماء حميم فحسب، بل ماء حميم مخصوص يقطع.

البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :

واختلف في تعيين كل، فهو منها لماذا يكون ينزل، وبدئ من هذه الأنهار بالماء، وهو الذي لا يستغنى عنه في المشروبات، ثم باللبن، إذ كان يجري مجرى الطعوم في كثير من أقوات العرب وغيرهم، ثم بالخمر، لأنه إذا حصل الري والمطعوم تشوقت النفس إلى ما تلتذ به، ثم بالعسل، لأن فيه الشفاء في الدنيا مما يعرض من المشروب والمطعوم، فهو متأخر في الهيئة...

الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي 875 هـ :

{وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ} معناه: وتنعيمٌ أعطته المغفرةُ وَسَّبَّبَتْهُ، وإلاَّ فالمغفرة إنَّما هي قبل دخول الجَنَّةِ.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{مثل الجنة} أي البساتين العظيمة التي تستر داخلها من كثرة أشجارها...

. {التي وعد المتقون} أي الذين حملتهم تقواهم بعد الوقوف عن كل فعل لم يدل عليه دليل على أن استمعوا منك فانتفعوا بما دللتهم عليه من أمور الدين حتى انقسم الناس إلى ثلاثة أقسام: مقبل عليه بكليته فهو متبع، ومعرض عنه جملة، ومستمع غير منتفع...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

(مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه، وأنهار من خمر لذة للشاربين، وأنهار من عسل مصفى؛ ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرة من ربهم. كمن هو خالد في النار، وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم؟).. إن هذه الصورة الحسية من النعيم والعذاب ترد في مواضع من القرآن. وقد تجيء معها صور معنوية أو تجيء مجردة. كما أن صور النعيم والعذاب المجردة عن الحسيات تجيء في مواضع أخرى. والله الذي خلق البشر، أعلم بمن خلق، وأعرف بما يؤثر في قلوبهم، وما يصلح لتربيتهم. ثم ما يصلح لنعيمهم ولعذابهم. والبشر صنوف، والنفوس ألوان، والطبائع شتى. تلتقي كلها في فطرة الإنسان، ثم تختلف وتتنوع بحسب كل إنسان. ومن ثم فصل الله ألوان النعيم والعذاب، وصنوف المتاع والآلام، وفق علمه المطلق بالعباد.. هنالك ناس يصلح لتربيتهم، ولاستجاشة همتهم للعمل كما يصلح لجزائهم ويرضي نفوسهم أن يكون لهم أنهار من ماء غير آسن، أو أنهار من لبن لم يتغير طعمه، أو أنهار من عسل مصفى، أو أنهار من خمر لذة للشاربين. أو صنوف من كل الثمرات. مع مغفرة من ربهم تكفل لهم النجاة من النار والمتاع بالجنات.. فلهؤلاء ما يصلح لتربيتهم، وما يليق لجزائهم. وهنالك ناس يعبدون الله لأنهم يشكرونه على نعمه التي لا يحصونها. أو لأنهم يحبونه ويتقربون إليه بالطاعات تقرب الحبيب للحبيب. أو لأنهم يستحيون أن يراهم الله على حالة لا يحبها. ولا ينظرون وراء ذلك إلى جنة أو إلى نار، ولا إلى نعيم أو عذاب على الإطلاق، وهؤلاء يصلح لهم تربية ويصلح لهم جزاء أن يقول الله لهم: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا).. أو أن يعلموا أنهم سيكونون: (في مقعد صدق عند مليك مقتدر)...

والملاحظ عموما أن صور النعيم والعذاب ترق وتشف كلما ترقى السامعون في مراقي التربية والتهذيب على مدى نزول القرآن. وحسب أنواع المخاطبين، والحالات المتنوعة التي كانت تخاطب بالآيات. وهي حالات ونماذج تتكرر في البشرية في جميع الأعصار. وهنا نوعان من الجزاء: هذه الأنهار مع كل الثمرات مع المغفرة من الله. والنوع الآخر: (كمن هو خالد في النار وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم).. وهي صورة حسية عنيفة من العذاب، تناسب جو سورة القتال، وتتناسب مع غلظ طبيعة القوم. وهم يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام. فالجو جو متاع غليظ وأكل غليظ. والجزاء ماء حميم ساخن وتقطيع للأمعاء، التي كانت تحش وتلتهم الأكل كالأنعام! ولن يكون هؤلاء كهؤلاء في الجزاء، كما أنهم في الحال والمنهج ليسوا سواء.. بهذا يختم الجولة الأولى التي بدأت بالهجوم عند افتتاح السورة، واستمرت في معركة متصلة، عنيفة، حتى الختام..

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

فأما إطلاق الأنهار على أنهار الماء فهو حقيقة، وأما إطلاق الأنهار على ما هو من لبن وخَمر وعَسل فذلك على طريقة التشبيه البليغ، أي مماثلة للأنهار، فيجوز أن تكون المماثلة تامة في أنها كالأنهار مستبحرة في أخاديد من أرض الجنة فإن أحوال الآخرة خارقة للعادة المعروفة في الدنيا، فإن مرأى أنهار من هذه الأصناف مرأى مُبهج. ويجوز أن تكون مماثلة هذه الأصناف للأنهار في بعض صفات الأنهار وهي الاستبحار. وهذه الأصناف الخمسة المذكورة في الآية كانت من أفضل ما يتنافسون فيه ومن أعزّ ما يتيسر الحصول عليه، فكيف الكثير منها، فكيف إذا كان منها أنهار في الجنة. وتناولُ هذه الأصناف من التَفَكُّهِ الذي هو تنعم أهل اليسار والرفاهية. وقد ذكر هنا أربعة أشربة هي أجناس أشربتهم، فكانوا يستجيدون الماء الصافي لأن غالب مياههم من الغُدران والأحواض بالبادية تمتلئ من ماء المطر أو من مرور السيول فإذا استقرت أياماً أخذت تتغير بالطحلب وبما يدخل فيها من الأيدي والدلاء، وشرب الوحوش وقليلٌ البلاد التي تكون مجاورة الأنهار الجارية. وكذلك اللبن كانوا إذا حلبوا وشربوا أبقوا ما استفضلوه إلى وقت آخر لأنهم لا يحلبون إلا حَلْبة واحدة أو حلْبتين في اليوم فيقع في طعم اللبن تغيير. فأما الخمر فكانت قليلة عزيزة عندهم لقلة الأعناب في الحجاز إلا قليلاً في الطائف، فكانت الخمر تجتلب من بلاد الشام ومن بلاد اليمن، وكانت غالية الثمن وقد ينقطع جلبها زماناً في فصل الشتاء لعسر السير بها في الطرق وفي أوقات الحروب أيضاً خوف انتهابها. والعسل هو أيضاً من أشربتهم ...

...فأما الثمرات فبعضها كثير عندهم كالتمر وبعضها قليل كالرمان...

والخمر: عصير العنب الذي يترك حتى يصيبه التخمر وهو الحموضة مثل خمير العجين. و {لَذَة} وصفٌ وليس باسم، وهو تأنيث اللذّ، أي اللذيذ...

.والعسل المصفى: الذي خُلِّص مما يخالط العسل من بقايا الشمع وبقايا أعضاء النحل التي قد تموت فيه...

{من كلّ الثمرات} أصناف من جميع أجناس الثمرات، فالتعريف في {الثمرات} للجنس، و {كُلّ} مستعملة في حقيقتها وهو الإحاطة، أي جميع ما خلق الله من الثمرات مما علموه في الدنيا وما لم يعلموه مما خلقه الله للجنة. و {مِن} تبعيضية...

و {مغفرة} عطف على {أنهار} وما بعده، أي وفيها مغفرة لهم، أي تجاوز عنهم...

. {وسُقوا ماءً حميماً} جيء به لمقابلة ما وصف من حال أهل الجنة الذي في قوله: {فيها أنهار من ماء غير آسن} إلى قوله: {من كل الثمرات}، أي أن أهل النار محرومون من جميع ما ذكر من المشروبات. وليسوا بذائقين إلا الماء الحميم الذي يقطع أمعاءهم بفور سقيه. ولذلك لم يعرج هنا على طعام أهل النار الذي ذكر في قوله تعالى: {لآكلون من شجر من زقوم فمالئون منها البطون فشاربون عليه من الحميم} [الواقعة: 52- 54] وقوله: {أذلك خير نُزُلاً أم شجرة الزقوم} [الصافات: 62] إلى قوله: {فإنهم لآكلون منها فمالئون منها البطون ثم إن لهم عليها لشوبا من حميم} [الصافات: 66- 67]. وضمير {سقوا} راجع إلى {من هو خالد في النار} باعتبار معنى (من) وهو الفريق من الكافرين بعد أن أعيد عليه ضمير المفرد في قوله: {هو خالد}. والأمعاء: جمع معي مقصوراً وبفتح الميم وكسرها، وهو ما ينتقل الطعام إليه بعد نزوله من المعدة. ويسمى عَفِج بوَزن كَتِف.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

تتحدث الآية عن أربعة أنهار في الجنّة، لكلّ منها سائله ومحتواه الخاص، ثمّ تتحدث عن فواكه الجنّة، وأخيراً عن بعض المواهب المعنوية...

(ومغفرة من ربّهم) إذ ستمحو رحمته الواسعة كل هفواتهم وسقطاتهم، وسيمنحهم الله الاطمئنان والهدوء والرضى، ويجعلهم من المرضيين عنده والمحبّبين إليه، وسيكونون مصداق لقوله تعالى: (رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم)...

وصف آخر للجنّة: إنّ هذه الآية وصف لمصير كلّ من المؤمنين والكافرين، فالفئة الأولى الذين يعملون الصالحات، والثانية زيّن لهم سوء أعمالهم. وقد رفعت هذه الآية الغطاء عن ستة أنواع من نعم أهل النعيم، وعن نوعين من أنواع العذاب الأليم لأصحاب الجحيم، وهي تحدد عاقبة كلا الفريقين وتوضحها...

.

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{مَّثَلُ ٱلۡجَنَّةِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلۡمُتَّقُونَۖ فِيهَآ أَنۡهَٰرٞ مِّن مَّآءٍ غَيۡرِ ءَاسِنٖ وَأَنۡهَٰرٞ مِّن لَّبَنٖ لَّمۡ يَتَغَيَّرۡ طَعۡمُهُۥ وَأَنۡهَٰرٞ مِّنۡ خَمۡرٖ لَّذَّةٖ لِّلشَّـٰرِبِينَ وَأَنۡهَٰرٞ مِّنۡ عَسَلٖ مُّصَفّٗىۖ وَلَهُمۡ فِيهَا مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَٰتِ وَمَغۡفِرَةٞ مِّن رَّبِّهِمۡۖ كَمَنۡ هُوَ خَٰلِدٞ فِي ٱلنَّارِ وَسُقُواْ مَآءً حَمِيمٗا فَقَطَّعَ أَمۡعَآءَهُمۡ} (15)

قوله تعالى : " مثل الجنة التي وعد المتقون " لما قال عز وجل : " إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات " [ الحج : 14 ] وصف تلك الجنات ، أي صفة الجنة المعدة للمتقين . وقد مضى الكلام في هذا في " الرعد " {[13923]} . وقرأ علي بن أبي طالب " مثال الجنة التي وعد المتقون " . " فيها أنهار من ماء غير آسن " أي غير متغير الرائحة . والآسن من الماء مثل الآجن . وقد أسن الماء يأسن ويأسن أسنا وأسونا إذا تغيرت رائحته . وكذلك أجَنَ الماء يأجُنُ ويأجِنُ أجْنًا وأُجُونًا . ويقال بالكسر فيهما : أجِن وأسِن يأسَن ويأجَن أَسْنًا وأَجْنًا ، قاله اليزيدي . وأسن الرجل أيضا يأسن ( بالكسر لا غير ){[13924]} إذا دخل البئر فأصابته ريح منتنة من ريح البئر أو غير ذلك فغشي عليه أو دار رأسه ، قال زهير :

قد أترك{[13925]} القِرن مصفرًّا أناملُه *** يَمِيدُ في الرمح مَيْدَ المائح الأسِنِ

ويروى " الوسن " . وتأسن الماء تغير . أبو زيد : تأسن علي تأسنا اعتل وأبطأ . أبو عمرو : تأسن الرجل أباه أخذ أخلاقه . وقال اللحياني : إذا نزع إليه في الشبه ، وقراءة العامة " آسن " بالمد . وقرأ ابن كثير وحميد " أسن " بالقصر ، وهما لغتان ، مثل حاذر وحذر . وقال الأخفش : أسن للحال ، وآسن ( مثل فاعل ) يراد به الاستقبال .

قوله تعالى : " وأنهار من لبن لم يتغير طعمه " أي لم يحمض بطول المقام كما تتغير ألبان الدنيا إلى الحموضة . " وأنهار من خمر لذة للشاربين " أي لم تدنسها الأرجل ولم ترنقها{[13926]} الأيدي كخمر الدنيا ، فهي لذيذة الطعم طيبة الشرب لا يتكرهها الشاربون . يقال : شراب لذ ولذيذ بمعنى . واستلذه عده لذيذا . " وأنهار من عسل مصفى " العسل ما يسيل من لعاب النحل . " مصفى " أي من الشمع والقذى ، خلقه الله كذلك لم يطبخ على نار ولا دنسه النحل . وفي الترمذي عن حكيم بن معاوية عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [ إن في الجنة بحر الماء وبحر العسل وبحر اللبن وبحر الخمر ثم تشقق الأنهار بعد ] . قال : حديث حسن صحيح . وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ سيحان وجيحان والنيل والفرات كل من أنهار الجنة ] . وقال كعب : نهر دجلة نهر ماء أهل الجنة ، ونهر الفرات نهر لبنهم ، ونهر مصر نهر خمرهم ، ونهر سيحان نهر عسلهم . وهذه الأنهار الأربعة تخرج من نهر الكوثر . والعسل : يذكر ويؤنث . وقال ابن عباس : " من عسل مصفى " أي لم يخرج من بطون النحل . " ولهم فيها من كل الثمرات " " من " زائدة للتأكيد . " ومغفرة من ربهم " أي لذنوبهم . " كمن هو خالد في النار " قال الفراء : المعنى أفمن يخلد في هذا النعيم كمن يخلد في النار . وقال الزجاج : أي أفمن كان على بينة من ربه وأعطى هذه الأشياء كمن زين له سوء عمله وهو خالد في النار . فقوله : " كمن " بدل من قوله : " أفمن زين له سوء عمله " [ فاطر : 8 ] . وقال ابن كيسان : مثل هذه الجنة التي فيها الثمار والأنهار كمثل النار التي فيها الحميم والزقوم . ومثل أهل الجنة في النعيم المقيم كمثل أهل النار في العذاب المقيم . " وسقوا ماء حميما " أي حارا شديد الغليان ، إذا أدنى منهم شوى وجوههم ، ووقعت فَرْوَةُ رؤوسهم ، فإذا شربوه قطع أمعاءهم وأخرجها من دبورهم . والأمعاء : جمع مِعًى ، والتثنية معيان ، وهو جميع ما في البطن من الحوايا .


[13923]:راجع ج 9 ص 324.
[13924]:أي في الماضي.
[13925]:وفيه رواية أخرى:" يغادر القرن".
[13926]:رنّق الماء: كدره.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{مَّثَلُ ٱلۡجَنَّةِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلۡمُتَّقُونَۖ فِيهَآ أَنۡهَٰرٞ مِّن مَّآءٍ غَيۡرِ ءَاسِنٖ وَأَنۡهَٰرٞ مِّن لَّبَنٖ لَّمۡ يَتَغَيَّرۡ طَعۡمُهُۥ وَأَنۡهَٰرٞ مِّنۡ خَمۡرٖ لَّذَّةٖ لِّلشَّـٰرِبِينَ وَأَنۡهَٰرٞ مِّنۡ عَسَلٖ مُّصَفّٗىۖ وَلَهُمۡ فِيهَا مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَٰتِ وَمَغۡفِرَةٞ مِّن رَّبِّهِمۡۖ كَمَنۡ هُوَ خَٰلِدٞ فِي ٱلنَّارِ وَسُقُواْ مَآءً حَمِيمٗا فَقَطَّعَ أَمۡعَآءَهُمۡ} (15)

ولما تكرر ذكر الجنة والنار في هذه السورة إلى أن ختم بهذه الآية التي قسم الناس فيها إلى أولياء مهتدين وأعداء ضالين معتدين ، فهدى سياقها إلى أن التقدير : أفمن كان على بينة {[59500]}من ربه{[59501]} أحياه الحياة الطيبة في الدارين ، ومن تبع هواه أرداه{[59502]} فيهما ، أتبعه وصف الجنة التي هي دار أوليائه قادهم إليها الهدى ، والنار التي هي دار أعدائه ساقهم إليها الضلال المحتم للردى ، فقال : { مثل الجنة } أي البساتين العظيمة التي تستر{[59503]} داخلها من كثرة أشجارها{[59504]} .

ولما تكرر وعده سبحانه{[59505]} للذين آمنوا بالجنة بالاسم الأعظم الجامع وبعضها بالضمير العائد إليه ، صار الوعد بها في غاية التحقق فعبر عنه هنا بالماضي المبني للمفعول إشارة إلى أنه أمر قد تحقق بأسهل أمر ، وفرغ منه إلى أن صار حاضراً لا مانع منه إلا الوصف الذي علق به الوعد ووصفها بصفات تفيد القطع بأنه لا يقدر عليها إلا الله فصار مجرد ذكرها والإخبار به عنها بصيغة المجهول أعلى لأمره فقال : { التي وعد المتقون } أي الذين حملتهم تقواهم بعد الوقوف عن كل فعل لم يدل عليه دليل على أن استمعوا منك فانتفعوا بما دللتهم عليه من أمور الدين حتى انقسم الناس إلى ثلاثة أقسام : مقبل عليه بكليته فهو متبع ، ومعرض عنه جملة ، ومستمع غير منتفع .

ولما كان التقدير : مثل بستان عظيم لا يسقط ورقه ولا ينقطع ثمره ولا يتفطن نعيمه لما فيه من الأنهار المتنوعة ، وكان ما هو بهذه الصفة إنما هو موهوم لنا لا معلوم ، طواه وذكر ما دل عليه من صفة الجنة الموعودة المعلومة بوعد الصادق الذي ثبت صدقه بالمعجزات فقال استئنافاً : { فيها } أي{[59506]} الجنة الموعودة . ولما كان ما يعهدونه من الجنان لا يحتمل أكثر من ثلاثة أنهار ، عبر بالجمع الذي يستعار للكثرة إذا دلت قرينة ، وهي هنا المدح والامتنان ، فقال : { أنهار من ماء } ولما كان ماء الدنيا مختلف الطعوم {[59507]}على ثلاثة : حلو وعذب وملح{[59508]} ، مع اتحاد الأرض ببساطتها وشدة اتصالها للدلالة على أن-{[59509]} فاعل ذلك قادر-{[59510]} مختار{[59511]} ، وقد يكون آسناً أي متغيراً عن الماء الذي يشرب بريح منتنة من أصل خلقه{[59512]} أو من عارض عرض له من منبعه أو مجراه قال : { غير آسن } أي ثابت له في وقت ما شيء{[59513]} من الطعم أو الريح أو اللون بوجه من الوجوه وإن طالت إقامته وإن أضيف إليه غيره فإنه لا يقبل التغير بوجه .

ولما كان أكثر شرابهم بعد الماء اللبن ، ثنى به فقال سبحانه : { وأنهار من لبن } ولما كان التغير غير محمود ، وكانوا يعهدون في الدنيا أن اللبن كله على جميع أنواعه{[59514]} طيب حال نزوله من الضرع مع اختلاف ذوات الدر في الأشكال والأنواع والمقادير والأمزجة ، ومع انفصال كل واحدة منها من الأخرى ، وأنه إنما يتغير{[59515]} بعد حلبه ، عبر بما ينفي التغير في الماضي فقال : { لم يتغير طعمه } أي بنفسه عن أصل خلقته{[59516]} وإن أقام مدى الدهر ، وهذا يفهم أنهم{[59517]} لو أرادوا تغييره{[59518]} لشهوة اشتهوها تغير ، وأنه مع طيبه على أنواع كثيرة كما كان في الدنيا متنوعاً .

ولما كان أكثر ما بعد اللبن الخمر قال : { وأنهار من خمر } ولما كانت الخمر يكثر طعمها ، وإنما يشربها شاربوها لأثرها ، وأنه متى تغير طعمها زال اسمها ، عرف أن كل ما في خمر الجنة في غاية الحسن غير متعرض لطعم فقال : { لذة } أي ثابتة لها اللذة ودائمة حال شربها وبعده { للشاربين * } في طيب الطعم وحسن العاقبة{[59519]} .

ولما كان العسل أعزها وأقلها ، أخره وإن كان أجلها فقال : { وأنهار من عسل } ولما كان عسل الدنيا لا يوجد إلا مخلوطاً بالشمع وغيره من القذى قال : { مصفى } أي هو-{[59520]} صاف صفاء ما اجتهد في تصفيته من ذلك ، وهذا الوصف ثابت له دائماً لا انفكاك له عنه في وقت ما ، فقد حصل بهذا غاية التشويق{[59521]} إلى الجنة بالتمثيل بما يستلذ به من أشربة الدنيا لأنه غاية ما نعلم من ذلك مجرداً عما ينقصه أو ينغصه مع الوصف بالغزارة والاستمرار قال البغوي{[59522]} : قال كعب الأحبار : نهر دجلة نهر ماء أهل الجنة ، ونهر الفرات نهر لبنهم ، ونهر مصر نهر خمرهم ، ونهر سبحان نهر عسلهم . وهذه الأنهار الأربعة تخرج من نهر الكوثر . وقال ابن عبد لحكم في فتوح مصر{[59523]} : حدثنا عثمان بن صالح ثنا-{[59524]} ابن لهيعة عن يزيد بن أبي-{[59525]} حبيب أن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما سأل كعب الأحبار رضي الله عنه : هل تجد لهذا النيل في كتاب الله تعالى خبراً ؟ قال : أي والذي فلق البحر لموسى ، إني لأجده في كتاب الله أن الله عز وجل يوحي إليه في كل عام مرتين ، يوحي إليه عند جريه أن الله يأمرك أن تجري ، فيجري ما كتب الله له ثم يوحي إليه بعد ذلك : يا نيل غر{[59526]} حميداً . حدثنا عبد الله بن صالح حدثنا الليث عن{[59527]} يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن كعب الأحبار أنه كان يقول : أربعة أنهار من الجنة وضعها الله عز وجل في الدنيا . فالنيل نهر العسل في الجنة ، والفرات نهر الخمر في الجنة . وسيحان نهر الماء في الجنة . وجيحان نهر اللبن في الجنة . حدثنا سعيد بن أبي مريم حدثنا الليث بن سعد وعبد الله بن لهيعة قالا حدثنا يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن أبي جنادة الكناني أنه سمع كعباً يقول : النيل في الآخرة عسلاً{[59528]} أغزر ما يكون من الأنهار التي سمى الله عز وجل ، ودجلة في الآخرة لبناً أغزر ما يكون من الأنهار التي سمى الله عز وجل ، والفرات خمراً أغزر ما يكون من الأنهار التي سمى الله عز وجل-{[59529]} ، وجيحان ماء أغزر ما يكون من الأنهار التي سمى الله وأصل هذا كله ما في الصحيح في{[59530]} صفة الجنة{[59531]} عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

" سيحان وجيحان والنيل والفرات من أنهار الجنة " وقال أبو حيان{[59532]} في حكمة ترتيبها غير ما تقدم : إنه بدئ بالماء الذي لا يستغنى عنه{[59533]} في المشروبات ، ثم باللبن إذ كان يجري مجرى المطعومات في كثير من أقوات العرب وغيرهم ، ثم بالخمر لأنه إذا حصل الري والمطعوم تشوفت النفس إلى ما يتلذذ به ، ثم بالعسل لأن فيه الشفاء في الدنيا مما يعرض من المطعوم والمشروب - انتهى . وأحسن منه أنه لما كان السياق للتعجب في ضرب المثل لأنه قول لا ينفك عن غرابة بدأ بأنهار الماء لغرابتها في بلادهم وشدة حاجتهم إليها ، ولما كان خلوها عن تغير{[59534]} أغرب نفاه ، ولما كان اللبن أقل فكان جريه أنهاراً أغرب ، ثنى-{[59535]} به ، ولما كان الخمر أعز ثلث به ، ولما كان العسل أشرفها وأقلها ختم به ، ونبه - مع هذا التذكير بقدرته تعالى - على ما يريد بسبب وبغير سبب فإن هذه المشروبات الثلاثة التي بعضهم متمحض للشرابية كالخمر وبعضها فيه غذائية{[59536]} وهي فيه أغلب ، وهو العسل ، وبعضها ينزع إلى كل منهما وهو اللبن كلها من الماء مع تمايزها مذاقاً وأثراً في الغذاء والدواء وغير ذلك ، فإن الماء أصل النبات ، ومن النبات يكون اللبن{[59537]} والخمر والعسل بما لا يخفى من الأسباب ، وأما الآخرة فغنية عن{[59538]} الأسباب لظهور اسمه الظاهر سبحانه هناك لأنه لا ابتلاء{[59539]} فيها ، وبهذا فهم للترتيب سر آخر وهو أنه-{[59540]} تعالى قدم الماء لأنه الأصل لها ، وتلاه بأقرب الأشياء إليه في الشرابية والطبع : اللبن{[59541]} ، ثم-{[59542]} بما هو أقرب إلى اللبن من جهة أنه شراب فقط ، ثم بالعسل لأنه أبعدها منه .

ولما كانت الثمار ألذ مستطاب بعد {[59543]}سائغ الشراب{[59544]} قال تعالى : { ولهم فيها } ولما كان{[59545]} أهلها متفاوتين{[59546]} في الدرجات فلا تجمع جنان أغلبهم جميع ما في الجنة من الثمار بعض فقال : { من كل الثمرات } أي جميع أصنافها على وجه لا حاجة معه من قلة ولا انقطاع .

ولما كان العيش لا يطيب مع الإنصاف بما يوجب العتب ، قال مشيراً إلى أنه لا يقدر أحد أن يقدر الله حق قدره ، لأن الرتب متضائلة عن رتبته سبحانه : { ومغفرة من ربهم } أي المحسن إليهم بمحو ذنوبهم السالفة أعيانها وأثارها بحيث لا يخشون{[59547]} لها عاقبة بعقاب . لا عتاب وعدم بلوغهم إلى ما يحق له من الشكر سبحانه .

ولما أرشد هذا السياق إلى أن التقدير : أفمن هو في هذا النعيم الأكبر المقيم ، بنى عليه قوله : { كمن هو خالد{[59548]} } أي مقيم إقامة لا انقطاع معها ، ووحده لأن الخلود يعم من فيها على حد سواء { في النار } أي التي لا يطفأ لهيبها ، ولا يفك أسيرها ولا يؤنس غريبها . ولما كان كل واحد من داخليها له سقي يخصه على حسب عمله ولا يظلم ربك أحداً . كان المؤثر لضرهم السقي على الكيفية التي تذكر لا كونه{[59549]} من ساق معين ، بني للمجهول قوله مسنداً إلى ضمير الجمع قوله تعالى : { وسقوا } أي عوض ما ذكر من شراب أهل الجنة { ماء حميماً } أي في غاية الحرارة { فقطع أمعاءهم * }{[59550]} ويمكن أن تكون الآية من الاحتباك ، وذلك أنه تعالى لما قدم أن المؤمنين في جنات تجري من تحتها الأنهار ، وأن الكافرين مأواهم النار ، وكان التقدير إنكاره على من لم يرتدع للزواجر تنبيهاً على أن عمله عمل من يسوي بين الجنة والنار لأن كون النار جزاء لمثله والجنة جزاء المؤمن صار{[59551]} في حد لا يسوغ إنكاره : أمثل الجنة الموصوفة كمثل النار ، ومن {[59552]}هو خالد{[59553]} في الجنة كمن هو خالد في النار - والله الموفق للصواب{[59554]} .


[59500]:سقط ما بين الرقمين من ظ و م ومد.
[59501]:سقط ما بين الرقمين من ظ و م ومد.
[59502]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: أراه.
[59503]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: تسر.
[59504]:زيد في الأصل: وأثمارها وأنهارها وما أعد لأهلها فيها من الحور العين والولدان وغير ذلك، ولم تكن الزيادة في ظ و م ومد فحذفناها.
[59505]:ومن هنا انقطعت نسخة م إلى ما سننبه عليه.
[59506]:زيد في ظ: في.
[59507]:سقط ما بين الرقمين من ظ ومد.
[59508]:سقط ما بين الرقمين من ظ ومد.
[59509]:زيد من مد.
[59510]:زيد من مد.
[59511]:من ظ ومد، وفي الأصل: مختارا.
[59512]:من مد، وفي الأصل و ظ: الخلقة.
[59513]:من ظ ومد، وفي الأصل: سيء-كذا.
[59514]:من مد، وفي الأصل و ظ: أحواله.
[59515]:من مد، وفي الأصل و ظ: تغير.
[59516]:من مد، وفي الأصل و ظ: خلقه.
[59517]:من مد، وفي الأصل و ظ: أنه.
[59518]:من مد، وفي الأصل و ظ: تغيره.
[59519]:من مد، وفي الأصل و ظ: العافية.
[59520]:زيد من مد.
[59521]:من مد، وفي الأصل و ظ: الشوق.
[59522]:راجع معالم التنزيل بهامش اللباب6/148.
[59523]:من مد وكتاب الفتوح 149، وفي الأصل و ظ: عن.
[59524]:زيد من مد.
[59525]:زيد من مد.
[59526]:من مد وكتاب الفتوح 149، وفي الأصل و ظ: عن.
[59527]:من مد والفتوح، وفي الأصل و ظ: أبي.
[59528]:من مد وهامش الفتوح، وفي الأصل و ظ والفتوح: عسل.
[59529]:زيد من مد والفتوح.
[59530]:من مد، وفي الأصل و ظ: من.
[59531]:راجع المعالم بهامش اللباب6/148.
[59532]:في البحر المحيط 8/79.
[59533]:من البحر، وفي الأصل: من، وليس في ظ ومد.
[59534]:من مد، وفي الأصل و ظ: نصر-كذا.
[59535]:زيد من مد.
[59536]:من ظ ومد، وفي الأصل: غذائه.
[59537]:وقع في الأصل و ظ: بعد "والعسل" والترتيب من مد.
[59538]:زيد في الأصل: هذه، ولم تكن الزيادة في ظ ومد فحذفناها.
[59539]:زيد من مد.
[59540]:من ظ ومد، وفي الأصل: بتدا.
[59541]:من مد، وفي الأصل و ظ: باللبن.
[59542]:زيد من ظ ومد.
[59543]:من ظ ومد، وفي الأصل: ساير الأشربة.
[59544]:من ظ ومد، وفي الأصل: ساير الأشربة.
[59545]:من ظ ومد، وفي الأصل: كانت.
[59546]:من ظ ومد، وفي الأصل: مفترقين.
[59547]:من ظ ومد، وفي الأصل: لا بحون-كذا.
[59548]:زيد في الأصل و ظ: في النار، ولم تكن الزيادة في مد فحذفناها.
[59549]:من ظ ومد، وفي الأصل: كون.
[59550]:زيد في الأصل:أي، ولم تكن الزيادة في ظ ومد فحذفناها.
[59551]:في الأصل بياض ملأناه من ظ ومد.
[59552]:من ظ ومد، وفي الأصل: كان خالدا.
[59553]:من ظ ومد، وفي الأصل: كان خالدا.
[59554]:سقط من ظ ومد.
 
تفسير الجلالين للمحلي والسيوطي - تفسير الجلالين [إخفاء]  
{مَّثَلُ ٱلۡجَنَّةِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلۡمُتَّقُونَۖ فِيهَآ أَنۡهَٰرٞ مِّن مَّآءٍ غَيۡرِ ءَاسِنٖ وَأَنۡهَٰرٞ مِّن لَّبَنٖ لَّمۡ يَتَغَيَّرۡ طَعۡمُهُۥ وَأَنۡهَٰرٞ مِّنۡ خَمۡرٖ لَّذَّةٖ لِّلشَّـٰرِبِينَ وَأَنۡهَٰرٞ مِّنۡ عَسَلٖ مُّصَفّٗىۖ وَلَهُمۡ فِيهَا مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَٰتِ وَمَغۡفِرَةٞ مِّن رَّبِّهِمۡۖ كَمَنۡ هُوَ خَٰلِدٞ فِي ٱلنَّارِ وَسُقُواْ مَآءً حَمِيمٗا فَقَطَّعَ أَمۡعَآءَهُمۡ} (15)

{ مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرة من ربهم كمن هو خالد في النار وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم }

{ مثل } أي صفة { الجنة التي وعد المتقون } المشتركة بين داخليها مبتدأ خبره { فيها أنهار من ماءٍ غير آسن } بالمد والقصر كضارب وحذر ، أي غير متغير بخلاف ماء الدنيا فيتغير بعارض { وأنهار من لبن لم يتغير طعمه } بخلاف لبن الدنيا لخروجه من الضروع { وأنهار من خمر لذة } لذيذة { للشاربين } بخلاف خمر الدنيا فإنها كريهة عند الشرب { وأنهار من عسل مصفى } بخلاف عسل الدنيا فإنه بخروجه من بطون النحل يخالط الشمع وغيره { ولهم فيها } أصناف { من كل الثمرات ومغفرة من ربهم } فهو راض عنهم مع إحسانه إليهم بما ذكر بخلاف سيد العبيد في الدنيا فإنه قد يكون مع إحسانه إليهم ساخطاً عليهم { كمن هو خالد في النار } خبر مبتدأ مقدر ، أي أمن هو في هذا النعيم { وسقوا ماء حميماً } أي شديد الحرارة { فقطَّع أمعاءهم } أي مصارينهم فخرجت من أدبارهم ، وهو جمع معي بالقصر ، وألفه عن ياء لقولهم ميعان .