( لا يمسه إلا المطهرون ) . . فقد زعم المشركون أن الشياطين تنزلت به . فهذا نفي لهذا الزعم . فالشيطان لا يمس هذا الكتاب المكنون في علم الله وحفظه . إنما تنزل به الملائكة المطهرون . . وهذا الوجه هو أظهر الوجوه في معنى( لا يمسه إلا المطهرون ) . ف( لا )هنا نافية لوقوع الفعل . وليست ناهية . وفي الأرض يمس هذا القرآن الطاهر والنجس . والمؤمن والكافر ، فلا يتحقق النفي على هذا الوجه . إنما يتحقق بصرف المعنى إلى تلك الملابسة . ملابسة قولهم : تنزلت به الشياطين . ونفي هذا الزعم إذ لا يمسه في كتابه السماوي المكنون إلا المطهرون . .
لا يمسه إلا المطهرون : المنزهون عن دنس الحظوظ النفسية .
79- { لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ } .
لا يمس ذلك الكتاب المكنون إلا الملائكة الأبرار الأطهار ، الذين طهّرت نفوسهم ، فهو بعيد كل البعد عن الشياطين .
قال تعالى : { في صحف مكرمة*مرفوعة مطهرة*بأيدي سفرة*كرام بررة } . ( عبس : 13-16 )
وحين قالت قريش : تنزلت به الشياطين ، أخبر الله تعالى عنه قائلا :
{ وما تنزلت به الشياطين*وما ينبغي لهم وما يستطيعون*إنهم عن السمع لمعزولون } . ( الشعراء : 210-212 ) .
وقال الفرّاء : لا يجد طعمه ونفعه إلا من آمن به .
{ لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ } .
لا يمس هذا القرآن إلا المطهرون من الحدث الأصغر والحدث الأكبر ، " قالوا : ولفظ الآية خبر ومعناها الطلب " xviii
أي : لا ينبغي أن يمسّ القرآن إلا من هو على طهارة .
أخرج ابن أبي شيبة في المصنف ، وابن المنذر ، والحاكم ، عن عبد الرحمن بن زيد قال : كنا مع سلمان الفارسي ، فانطلق إلى حاجة ، فتوارى عنا ، ثم خرج إلينا ، فقلنا : لو توضأت ، فسألناه عن أشياء من القرآن ، فقال : سلوني فإني لست أمسّه ، إنما يمسّه المطهرون ، ثم تلا : لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ . ثم قرأ علينا من القرآن ما شئنا .
وقد ذهب جمهور العلماء إلى منع المحدث عن مس المصحف ، وبذلك قال علي وابن مسعود وسعد ابن أبي وقاص ، وجماعة من الفقهاء منهم مالك والشافعي .
ورُوي عن ابن عباس ، والشعبي ، وجماعة منهم أبو حنيفة ، أنه يجوز للمحدث مسّه . ( يراجع شرح المنتقى للشوكاني ) .
وقال الحسين بن الفضل : المراد أنه لا يعرف تفسيره وتأويله إلا من طهره الله من الشرك والنفاق . xix
ولما كان ما هو كذلك قد يحصل له خلل يسوء خدامه قال : { لا يمسه } أي الكتاب الذي هو مكتوب فيه أعم من أن يكون في السماء أو في الأرض أو القرآن أو المكتوب منه{[62261]} فضلاً عن أن يتصرف فيه { إلا المطهرون * } أي الطاهرون الذين بولغ في تطهيرهم وهم رؤوس الملائكة الكرام ، ولم يكن السفير به إلاّ هم ولم ييسر الله{[62262]} حفظه إلا لأطهر عباده ، ولم يعرف معناه إلا لأشرف حفاظه وأطهرهم قلوباً ، ومن عموم ما يتحمله اللفظ من{[62263]} المعنى بكونه كلام العالم لكل شيء فهو لا يحمل لفظاً إلا وهو مراد له أنه يحرم منه على من لم يكن له في غاية الطهارة{[62264]} بالبعد عن الحدثين الأكبر والأصغر ، فهو على هذا نفي بمعنى النهي وهو أبلغ ، قال البغوي{[62265]} : وهو قول أكثر أهل العلم ، وروي بإسناد من طريق أبي مصعب عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو ابن حزم أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم رضي الله عنه ( أن لا يمس القرآن إلا طاهر ) والمراد به المصحف للجوار كما في النهي أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو . ومما يحتمله أيضاً التعبير باللمس أنه لا يقرأه بلسانه إلا{[62266]} طاهر ، فإن أريد الجنابة كان النهي للحرمة أو للأكمل .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.