في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{سَابِقُوٓاْ إِلَىٰ مَغۡفِرَةٖ مِّن رَّبِّكُمۡ وَجَنَّةٍ عَرۡضُهَا كَعَرۡضِ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِ أُعِدَّتۡ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦۚ ذَٰلِكَ فَضۡلُ ٱللَّهِ يُؤۡتِيهِ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِيمِ} (21)

16

ومن ثم يدعوهم إلى السباق في ميدان السباق الحقيقي ، للغاية التي تستحق السباق . الغاية التي تنتهي إليها مصائرهم ، والتي تلازمهم بعد ذلك في عالم البقاء :

( سابقوا إلى مغفرة من ربكم ، وجنة عرضها كعرض السماء والأرض ، أعدت للذين آمنوا بالله ورسله . ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء . والله ذو الفضل العظيم ) . .

فليس السباق إلى إحراز اللهو واللعب والتفاخر والتكاثر بسباق يليق بمن شبوا عن الطوق ، وتركوا عالم اللهو اللعب للأطفال والصغار ! إنما السباق إلى ذلك الأفق ، وإلى ذلك الهدف ، وإلى ذلك الملك العريض : ( جنة عرضها كعرض السماء والأرض ) . .

وربما كان بعضهم في الزمن الخالي - قبل أن تكشف بعض الحقائق عن سعة هذا الكون - يميل إلى حمل مثل هذه الآية على المجاز ، وكذلك حمل بعض الأحاديث النبوية . كذلك الحديث الذي أسلفنا عن أصحاب الغرف التي يتراءاها سكان الجنة كما يتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب . . فأما اليوم ومراصد البشر الصغيرة تكشف عن الأبعاد الكونية الهائلة التي ليس لها حدود ، فإن الحديث عن عرض الجنة ، والحديث عن تراءي الغرف من بعيد ، يقع قطعا موقع الحقيقة القريبة البسيطة المشهودة ، ولا يحتاج إلى حمله على المجاز إطلاقا ! فإن ما بين الأرض والشمس مثلا لا يبلغ أن يكون شيئا في أبعاد الكون يقاس !

وذلك الملك العريض في الجنة يبلغه كل من أراد ، ويسابق إليه كل من يشاء . وعربونه : الإيمان بالله ورسله . ( ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ) . . ( والله ذو الفضل العظيم ) . . وفضل الله غير محجوز ولا محجور . فهو مباح متاح للراغبين والسابقين . وفي هذا فليتسابق المتسابقون ، لا في رقعة الأرض المحدودة الأجل المحدودة الأركان !

ولا بد لصاحب العقيدة أن يتعامل مع هذا الوجود الكبير ؛ ولا يحصر نفسه ونظره وتصوره واهتمامه ومشاعره في عالم الأرض الضيق الصغير . . لا بد له من هذا ليؤدي دوره اللائق بصاحب العقيدة . هذا الدور الشاق الذي يصطدم بحقارات الناس وأطماعهم ، كما يصطدم بضلال القلوب والتواء النفوس . ويعاني من مقاومة الباطل وتشبثه بموضعه من الأرض ما لا يصبر عليه إلا من يتعامل مع وجود أكبر من هذه الحياة ، وأوسع من هذه الأرض ، وأبقى من ذلك الفناء . .

إن مقاييس هذه الأرض وموازينها لا تمثل الحقيقة التي ينبغي أن تستقر في ضمير صاحب العقيدة . وما تبلغ من تمثيل تلك الحقيقة إلا بقدر ما يبلغ حجم الأرض بالقياس إلى حجم الكون ؛ وما يبلغ عمر الأرض بالقياس إلى الأزل والأبد . والفارق هائل هائل لا تبلغ مقاييس الأرض كلها أن تحدده ولا حتى أن تشير إليه !

ومن ثم يبقى صاحب العقيدة في أفق الحقيقة الكبيرة مستعليا على واقع الأرض الصغير . مهما تضخم هذا الواقع وامتد واستطال . يبقى يتعامل مع تلك الحقيقة الكبيرة الطليقة من قيود هذا الواقع الصغير . ويتعامل مع الوجود الكبير الذي يتمثله في الأزل والأبد . وفي ملك الآخرة الواسع العريض . وفي القيم الإيمانية الثابتة التي لا تهتز لخلل يقع في موازين الحياة الدنيا الصغيرة الخادعة . . وتلك وظيفة الإيمان في حياة أصحاب العقائد المختارين لتعديل قيم الحياة وموازينها ، لا للتعامل بها والخضوع لمقتضياتها . . .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{سَابِقُوٓاْ إِلَىٰ مَغۡفِرَةٖ مِّن رَّبِّكُمۡ وَجَنَّةٍ عَرۡضُهَا كَعَرۡضِ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِ أُعِدَّتۡ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦۚ ذَٰلِكَ فَضۡلُ ٱللَّهِ يُؤۡتِيهِ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِيمِ} (21)

20

المفردات :

في الأرض : كالجدب والفاقة .

التفسير :

21- { سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ } .

بادروا وسارعوا مسارعة المتسابقين إلى أسباب مغفرة الله لكم ، وذلك بالتوبة النصوح ، والعمل الصالح ، وإخلاص النية ، وبادروا وسارعوا إلى عمل صالح يكون وسيلة لجنّة واسعة ، عرضها كعرض السماء والأرض معا ، وإذا كان هذا قدر عرضها ، فما ظنك بطولها ؟

هذه الجنة أعدّها الله ، وجعلها كاملة الأوصاف ، فيها ألوان النعيم ، والحور العين ، والأنهار والأشجار ، والظلال والآرائك ، وألوان الطعام والشراب والفاكهة ، وما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين ، وفيها الخلود الأبديّ السرمدي ، وقد أعدها الله للذين آمنوا بالله ورسله ، وصدقوا بذلك عن يقين ، وعملوا بما أمر الله ، واجتنبوا نواهيه .

{ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ . . . }

هو تفضّل منه ورحمة ، وحنان وعناية ، وعطف وبر بالصالحين ، فهو الذي هداهم ووفقهم ، ثم أعدّ لهم الجنة ، فضلا منه ونعمة .

{ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ } .

والله تعالى صاحب الفضل العظيم الواسع ، فما أجل أنعمه ، وما أعظم فضله ، وما أجل هدايته وتوفيقه ، { وإن تعدّوا نعمة الله لا تحصوها . . . } ( إبراهيم : 34 ) .

يقول أحد السلف الصالح : أنفس هو خالقها ، وأموال هو رازقها ، يطلبها منا ثم يعطينا عليها الجنة ، إن هذا لفضل عظيم .

يشير إلى قوله تعالى : { إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة . . . } ( التوبة : 111 ) .

فيا سعادة من أدرك السباق ، ومن حظي بالإيمان واليقين ، ومن فاز بجنة عرضها كعرض السماوات السبع والأرضين ، ويا سعادة من أنعم الله عليه بفضله ، وهو سبحانه صاحب الفضل العظيم .

جاء في الحديث الصحيح : أن فقراء المهاجرين قالوا : يا رسول الله ، ذهب أهل الدثور بالأجور ، وبالدرجات العلى والنعيم المقيم ، قال : " وما ذاك " ؟ قالوا : يصلّون كما نصلي ، ويصومون كما نصوم ، ويتصدقون ولا نتصدق ، ويعتقون ولا نعتق ، قال : " أفلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه سبقتم من بعدكم ، ولا يكون أحد أفضل منكم ، إلا من صنع مثلما صنعتم ؟ تسبّحون وتحمدون وتكبرون دُبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين " ، قال : فرجعوا ، فقالوا : سمع إخواننا أهل الأموال ما فعلنا ، ففعلوا مثله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء " 21 .

فالسعيد حقا من تعرض لفضل الله وعنايته ، وحبه ورعايته ، فمن وجد الله وجد كل شيء ، ومن فقد الله فقد كل شيء .

وإذا العناية لاحظتك عيونها *** ثم فالمخاوف كلهن أمان

ويقول الشاعر :

إذا لم يكن عون من الله للفتى *** فأول ما يجني عليه اجتهاده

وإذا كان من الله عون للفتى *** تهيأ له في كل أمر مراده

إن ثمن دوام الإخلاص ، واليقين بالله ، والحرص على رضاه ، والبعد عن معصيته ، وإظهار العجز والضعف أمام قدرته ، والحرص على أن ينظر منك إلى قلب طاهر ، ونفس مطمئنة وزهد في الدنيا ، وحرص على الآخرة ، واتباع لهدى القرآن ، واقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وتعظيم للصحابة والتابعين ، وغيرة على الإسلام والمسلمين ، حتى تحظى بحبّه ورضاه .

قال تعالى : يحبّهم ويحبّونه . . . ( المائدة : 54 ) .

وفي الحديث الصحيح : " ما تقرب عبدي إليّ بشيء أحبّ إليّ من أداء ما افترضته عليه ، ولا يرى عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبّه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي عليها ، ولئن دعاني لأجيبنه ، ولئن سألني لأعطينه " 22

 
التفسير الميسر لمجموعة من العلماء - التفسير الميسر [إخفاء]  
{سَابِقُوٓاْ إِلَىٰ مَغۡفِرَةٖ مِّن رَّبِّكُمۡ وَجَنَّةٍ عَرۡضُهَا كَعَرۡضِ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِ أُعِدَّتۡ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦۚ ذَٰلِكَ فَضۡلُ ٱللَّهِ يُؤۡتِيهِ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِيمِ} (21)

{ سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ( 21 ) }

سابقوا -أيها الناس- في السعي إلى أسباب المغفرة من التوبة النصوح والابتعاد عن المعاصي ؛ لِتُجْزَوْا مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض ، وهي مُعَدَّة للذين وحَّدوا الله واتَّبَعوا رسله ، ذلك فضل الله الذي يؤتيه مَن يشاء مِن خلقه ، فالجنة لا تُنال إلا برحمة الله وفضله ، والعمل الصالح . والله ذو الفضل العظيم على عباده المؤمنين .